القدس المحتلة - قدس الإخبارية: منذ عشرات السنين، بؤرة فساد تفشّت في المخيم، حتى وصلتْ أبناءه، لا تفرّق بين أحدٍ منهم من ذكر أو أنثى. يترنّحون بين الخلْق دون حَرَج لكأنّهم شربوا حتى الثمالة، فوقعوا عند أقرب حاويةٍ ليسندوا أجسادهم المنهكة من المخدّرات.
واقعٌ أليم، وظاهرة لم تتفشَّ اليوم، بل بدأت وتراكمت وكان لا بدّ من إيجاد حلّ فعلي يوقف هذا السمّ الأسود الذي وصل لأيدي الأطفال وكأنه “حلويات” أو “منشّطات” تُفيد الطلاب للدراسة، لكنّها في حقيقة الأمر تجعل شاربها مهلوسًا مكتئبًا قلقًا ومتوترًا دائماً، حتى أن بعض الحالات يتعرّض جسدها للتعفّن.
مجموعة شبابية انطلقت بشكل عفوي بعدما تفشّت ظاهرة المخدّرات ليس فقط في مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين شمالي القدس المحتلة، وإنما في مدارس الذكور والإناث، وما كان لافتًا أن هذه المرّة حظيت المجموعة بمساندة كبيرة وتعاون أكبر من قبل العائلات التي وقّعت على ميثاق شرف لمحاربة المخدرات سنورد بنوده خلال التقرير.
عمر علقم وناصر خشان هما منسقا الحملة أو الحراك في المخيم ضد تجّار ومدمني وبائعي المخدّرات، اللذان تعرّضا ليس فقط للإسناد والتضامن من قبل العائلات بل لإطلاق النار والتهديد بالملاحقة والاعتقال من قبل التجار.
يقول علقم في حديث لـ”قدس الإخبارية”: “نحن نتحدّث عن ظاهرة ليست منتشرة بل متجذّرة منذ سنوات في المخيم، قلوبنا احترقت على أطفال وشبان وفتيات تعاطوا من تلك المخدّرات التي يروّجها أناس بلا ضمائر”.
ويُضيف أن الحملة بدأت بشكل عفوي، حيث خرجوا بعد صلاة ظهر الجمعة قبل أسابيع قليلة، وبدأوا بالحديث مع الناس وتوعيتهم حول المخدّرات ومدى ضررها على النفس والجسد، ولاقت كلماتهم صدى كبيراً في أحياء المخيم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
ميثاق الشرف
لم يكتفوا بالحديث والتوعية فقط بعد انتهاء صلاة الجُمع التي مرّت، بل وضعوا ميثاقًا من ستة بنود، تمثّلت في:
- البراءة من كل تاجر مخدرات من أفراد العائلة لحين التعهد والالتزام بعدم البيع أو الاتجار بالمخدرات.
- رفع الغطاء العشائري والعائلي عن كل تاجر مخدرات وعدم تقديم المساعدة له أو حمايته.
- التعهد بضرورة التواصل مع شباب العائلات أو الجهات المختصة لعلاج المدمنين وعمل خطة علاج قصيرة أو طويلة المدى حسب حاجة المدمن التي يقرّرها أصحاب الاختصاص.
- مقاطعة تجار المخدرات وعدم التحدث أو التواصل معهم ونبذهم عائليًا ومجتمعيًا في حال استمرّوا بالبيع أو الاتجار بالمخدرات.
-تقديم الدعم والمساندة لشباب العائلات بشتى أنواعها وحمايتهم وعدم التعرض لهم، ومن يتعرض لأحدهم فكأنما تعرض لجميع العائلات.
- تقديم الدعم المعنوي والمادي للمتعالجين بعد فترة العلاج واحتضانهم مجتمعيًا وعدم الإساءة لهم ومعاملتهم كأي فرد من أفراد المجتمع.
تمكّنت الحملة من نقل نحو 12 شابًا لمراكز علاجية خاصة بمدمني المخدّرات بالتنسيق مع ذويهم، كما تواصل منسّقو الحملة مع كبار التجّار في المخيم، بعضهم لبّى النداء بالفعل، وكان متعاوناً، ومنهم من فتح الباب، سمع الحديث، ثم أغلق الباب وكأنه يقول: “خلصتوا كلامكم .. يللا”.
قبل نحو عام ضُبطت مخدّرات (نايس) في إحدى مدارس الإناث في المخيم، بقيمة ألف شيقل تقريباً، عن طريق رميها في الباحات، كما تم إعطاء أحد طلاب مدرسة شعفاط (ج) حبّة مخدّرة أفقدته الوعي، مكث بسببها في المشفى لفترة طويلة، وبلطف من الله عاد كما كان، وحينما تم سؤاله عمّا أخذه وكيف قال: “عرضها علي شاب وقال لي إنها جيّدة للتفكير والدراسة”.
ملاحقة التجار لمنسقي الحملة
الحملة من شأنها توعية التاجر بالمضار التي ستقع عليه فيما لم يعُد إلى رشده، وأن هذا الضرر سيعود عليه وعلى صحته وأولاده وستنبذه عائلته ولن يبقى له أحداً، فيُعطونه فرصة ثانية قبل أن يتبرّأ منه ذووه.
استطاع شبان الحملة مصادرة بضائع وإتلافها أو تحويلها للجهات المختصّة بشكل سلمي ودون استخدام العنف، لكنّهم لم يتصوّروا أن يلاحقهم أحد التجار ويعاملهم بشكل سيء.
يقول علقم: “في إحدى المرّات، تبلّغنا بأن أحد التجار يُريد ترويج وبيع ألف حبة من مخدّر “كدوري أونس” (بالعبرية) وعربياً يسمى “سم الاغتصاب”، وهنا تدخّلنا وتوجّهنا للتاجر، كان فظّاً جداً في معاملته واستقباله لنا، وأطلق النار مهدّداً إيانا بالابتعاد عن المكان”.
في اليوم التالي، حضر أفراد قيل إنهم من السلطة الوطنية الفلسطينية واعتقلوا التاجر، وحتى اليوم لم نرَه في المخيم، قال علقم، ولا نعلم هل فعلياً ما زال معتقلاً أم تم الإفراج عنه وإبعاده عن المخيم.
شرطة الاحتلال المتورّط الأكبر
يلوم سكان مخيم شعفاط شرطة الاحتلال بسبب تعاونها مع هؤلاء التجار وكأنها -كما يقول علقم- تعطي الغطاء لتجار المخدّرات لتُفسد المخيم وشبابه، فتغض النظر عن المروّجين والبائعين.
ويبين علقم أن الشرطة شعرت بالحرج حينما كتب الصحفي اليهودي نير حسون عن ظاهرة المخدرات في المخيم، حيث قال المتحدثون في التقرير إن الشرطة هي المُلامة في ذلك، فهي لا تلاحق تجار المخدرات، وهذا التقرير أثار ضجة كبيرة.
وبعد أيام من نشره، دهمت الشرطة أحياء المخيم واعتقلت تاجرين (لكنها إعلامياً كذبت وقالت إنها اعتقلت أربعة) ثم أفرجت عن واحد والآخر بقي رهن الاعتقال، لكننا تعوّدنا على إطلاق سراحهم بعد فترة، حسب علقم، متسائلاً: “بأي قانون يُفرج عن تاجر أو مروّج مخدرات ضُبط ومعه كميات من المواد المخدّرة”.
الحملة بصدد التصعيد خاصة بشأن ما تقوم به شرطة الاحتلال وتواطئها مع تجار المخدرات وعدم ملاحقتهم رغم وجود أدلة وإثباتات تُدينهم، وسينظّم منسقوها فعاليات احتجاجية في القدس وأمام مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.