حالة ارتباك ووجوم شهدتها جماعات المعبد –أو الهيكل- بعد الانتخابات الصهيونية الأخيرة. كان التعويل على المقايضة السياسية بين نتنياهو واليمين القومي-الديني كبيراً، ولو تخطى حزب القوة اليهودية العتبة الانتخابية لكان تحالف اليمين اليوم قريباً جداً من الأغلبية أو لربما حاز عليها.
لكن الصراع البيني الخشن بين قوى اليمين، والنقد الثقيل من نتنياهو لكتلة "القوة اليهودية" وكتلة "يمينا" أربك جمهور اليمين الأكثر تطرفاً، في غمرة حربه للدفاع عن حصة حزبه الليكود في قيادة اليمين، طحن نتنياهو من اعتبرهم حلفاء مضمونين "في الجيب"، فتردد جمهورهم في التصويت، وشهدت مستوطنات الضفة الغربية –حاضنة الجمهور الأكثر تطرفاً- نسب تصويتٍ أدنى من الانتخابات الماضية.
كانت النتيجة مفاجئةً لجماعات المعبد التي كانت تُعدّ نفسها لعصرها الذهبي بعد 17 عاماً من الصعود السياسي المتتالي، فإذا بكتلة اليمين تتقلص، والنظام السياسي الصهيوني يدخل في أزمة عميقة، قد تنتهي بحكومة وحدة وطنية تنخفض حصتهم منها، أو إلى حكومة لا يرأسها نتنياهو، أو إلى جولة انتخاباتٍ ثالثة.
بين يدي موسم الأعياد الصهيونية الأخطر استفاقت جماعات المعبد من صدمة النتائج، الواقع الذي بين يديهم يقول إن البلاد تديرها حكومة تسيير أعمال لهم فيها حصة غير مسبوقة تقدر بـ 13 حقيبة وزارية تُشكل 45% من مقاعد الحكومة، من بينها وزارة الأمن الداخلي التي تتولى المسؤولية عن الشرطة الصهيونية في القدس وعموم فلسطين المحتلة. استفاقت جماعات المعبد على أنها تتمتع بامتيازاتٍ قد تُسحب منها قريباً، لكن الوقت المتاح أمامها لمعالجة ذلك ضيق، فهل ستتمكن من لملمة صفوفها والدفع نحو العدوان الذي تتطلع إليه ضد الأقصى؟
المؤشرات المقروءة حتى الآن أن هذه الجماعات تعيد تُعبئة طاقاتها بسرعة منذ ليلة الأحد 29-9 التي شكلت عشية رأس السنة العبرية، وقادتها خلال اقتحامات الأحد قدموا خطابات حثٍّ وتحفيز لأنصارهم، وكانوا يصرخون بعالي الصوت، يسيطر عليهم الشعور بإلحاح الحاجة إلى الفعل لإنقاذ أجندتهم، ومن الممكن جداً لهذه التعبئة إذا ما استمرت على مدى أسبوعين أن تصل إلى تحقيق نتائج بحلول ذروة عيد العرش ما بين يومي الإثنين 14-10 والأحد 20-10، أي بعد نحو أسبوعين من كتابة هذه السطور.
لطالما كان لقد كان موسم أعياد رأس السنة والعُرُش الموسم الأخطر على الأقصى، بل كانت أيام العرش الأخيرة تحديداً هي أسوأ أيام العدوان؛ ففي 8-10-1990 وقعت مذبحة الأقصى الأولى وقد صادفت يوم العرش الخامس (19 تشري العبري)، أما هبة النفق فجاءت في 26-9-1996 رداً على افتتاح حكومة نتنياهو الأولى لشبكة أنفاق الحائط الغربي وقد انطلقت قبل يومين من بدء عيد العُرش (13 تشري العبري)، أما انتفاضة الأقصى فانطلقت في 28-9-2000 عقب اقتحام شارون للأقصى، في أول أيام الاحتفال برأس السنة العبرية (28 أيلول العبري)، أما هبة السكاكين فانطلقت في 1-10-2015 رداً على محاولة فرض التقسيم الزماني التام في الأقصى، أي في يوم العُرُش الرابع (18 تشري العبري).
باختصار فإن المدى الذي انطلقت فيه كل هذه الاعتداءات الكبرى على الأقصى، وانطلقت فيه الهبات والانتفاضات رداً عليها يتحرك في مدى 23 يوماً بالضبط، تبدأ مع أول أيام احتفالات رأس السنة في 28 أيلول العبري، وينتهي في يوم العرش السابع في 21 تشري العبري، وهي تقع في هذا العام الميلادي 2019 ما بين 28-9 إلى 20-10-2019، مع كون الأسبوع من 14 وحتى 20-10 هو الأخطر لأنه يضم أيام العرش.
هذا يعني بلغة أخرى أننا إذا ما أردنا التصدي لأخطر الاعتداءات المحتملة على الأقصى فإن أَولى الواجبات هو الاستنفار لمدة 23 يوماً في العام، نُكثف فيها الرباط والحضور الجماهيري، ونضع الأقصى في قلب الاهتمام الإعلامي، فهل يعجز شعب وتعجز أمة من مليارٍ ونصف عن أن تُركز على مقدّسها المحتل ثلاثة وعشرين يوماً في العام لتمنع الأسوأ بحقه، ولتحميه وتصونه إلى أن تحين لحظة تحريره؟!
ثلاث مقدماتٍ مهمة تسبق موسم الأعياد الأخطر لهذا العام: أولاها كما أسلفنا هو شعور الإلحاح والخوف من التراجع الذي يسيطر على عقول قادة جماعات الهيكل، أما الثانية فهي المعنويات المرتفعة التي تركها لهم النجاح في اقتحام 28 رمضان على مدى ساعة ونصف جالوا فيها في طول الأقصى وعرضه وأدوا طقوسهم وغنوا نشيدهم الديني بينما كانت الشرطة الصهيونية تُنكل بالثلة القليلة من المرابطين الذين ثبتوا ودافعوا في ذلك اليوم، والنجاح الرمزي الذي تحقق في اقتحام الأضحى إذ كان أول اقتحامٍ يحققونه في يوم عيدٍ إسلامي رغم أنهم خرجوا بالحد الأدنى منه، والمقدمة الثالثة والأخيرة هي احتمال التقاط نتنياهو للفرصة إذا ما قرأ فيها توريطاً للكيان الصهيوني في جبهة في الأقصى تجبر المتعنتين في حزب إسرائيل بيتنا واليسار على التراجع والدخول في حكومة تحت قيادته.
أجندتنا واضحة إذن، نحن أمام أيام حاسمة في الدفاع عن الأقصى، وذروتها هو الأسبوع الواقع ما بين الإثنين 14-10 والأحد 20-10-2019، المطلوب فيها على مستوى القدس رباط دائم ومستمر بصفٍّ موحد، استنفار وانتباه لكل ما يحصل في الأقصى، وعلى مستوى فلسطين دعم وإسناد بالرباط من أهلنا في الأرض المحتلة عام 1948، وتحرّكٌ شعبي ولو بالحد الأدنى في الضفة، وأن تستجيب غزة بتصدير الأقصى عنواناً لمسيرات العودة في يوم الجمعة 11-10-2019 لتستبق هذا الأسبوع الساخن، وأن يكون العدوان على الأقصى أحد عناوين الرد والردع للمقاومة المسلحة.
أما السؤال الدائم خارج فلسطين: كيف نكسر عجزنا؟ فجوابه في الحد الأدنى أن لا نترك القدس تخرج وحيدة والمحتل يهوّل على أهلها أنها بلا سند، لقد تركنا القدس وحيدة في هبة باب الرحمة ما بين 17-22 من شهر 2-2019، وتركناها وحيدة في اقتحام 28 رمضان، وتركناها وحيدة في اقتحام الأقصى، فما الذي كان يتطلبه الخروج إلى الساحات للوقوف مع أهلها لنقول لهم أنهم ليسوا وحدهم؟ وإن كنا نعجز عن الخروج للتضامن أمام عدوان مقروء محدد الزمن والتاريخ فأي عذرٍ لنا؟ لا بد للأقصى أن يكون عنوان تحركٍ جماهيري أو رمزي حيثما أمكن ذلك، وأن يكون عنواناً للاهتمام الإعلامي، وهذه كلها في مقام الحد الأدنى من الأفعال لكنها في ميزان القوى الحالي ثبت بالتجربة أنها يمكن أن تنجح في صد العدوان.