على الرغم من القبول الرسمي الإسرائيلي للرواية الفلسطينية بخصوص فردية عمليات التسلل الثلاث الاخيرة من قطاع غزة عبر السياج الفاصل نحو الأراضي المحتلة منذ العام 1948، إلا أن أوساطًا إسرائيلية طرحت احتمالية كون عمليات التسلل الأخيرة مقصودة، وإحدى تكتيكات حماس للضغط على إسرائيل لتحقيق أهدافها في غزة.
فما هي تداعيات ومعاني هذا الأمر؟ لقد بنت الرواية الفلسطينية بخصوص عمليات التسلل الأخيرة نفسها على أساس تحميل الاحتلال الصهيوني الغاشم المسؤولية عن كل ما يجري في قطاع غزة المحتل من حصار وتجويع ودمار، لذا فقد اكتفت بتحليل أسباب و دوافع عمليات التسلل دون أن تستنكر هذه العمليات أو تتعهد ببذل جهود أكبر لمنع تكرارها، مع تأكيدها أنها أعمال فردية لا يمكن تحميل القيادة في غزة مسؤوليتها.
وهي رواية فلسطينية وطنية مبنية على مشروع المقاومة ولا يمكن مقارنتها برواية أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية القائمة على تجريم المقاومة وجعل هذا التجريم ضرورة وحاجة وطنية ملحة دون أي أفق أو إطار سياسي وطني يمكن استخدامه لتبرير ذلك.
ومع ذلك فقد تحمل رواية غزة الوطنية بعض سلبيات الفهم الخاطىء في أوساط الشباب المؤمن و المتحمس والغاضب من ممارسات الاحتلال الظالمة، والمتحفظ أحيانا على اجتهادات قيادات المقاومة العليا في موازناتهم الدقيقة و الحساسة بين مصالح ومفاسد التصعيد في هذه اللحظة أو تلك، مما قد يتسبب ودون قصد بتشجيع بعض هؤلاء الشبان للاستمرار بتجاوز الحدود دون حساب.
في مقابل هذا فإن قبول إسرائيل جيشا وحكومة بهذه الرواية الفلسطينية يدل على مدى تزايد قوة الردع الفلسطيني في غزة، وبشكل أدق الردع المتبادل .
فماذا ستفعل إسرائيل إن لم تقبل بالرواية الفلسطينية؟ وماذا لو لم تعتبر هذا التسلل أو ذاك الصاروخ أو تلك العملية عملا فرديا أو بالخطأ أو ما شابه ذلك؟ هل ستقوم بحرب على غزة؟ على الأرجح لن تفعل ذلك، وهذا هو الواقع الموجود، بمعنى آخر فاسرائيل ما زالت تتجنب التصعيد مع غزة بكل الوسائل والطرق على الاقل في هذه المرحلة.
وهكذا شكلت عمليات التسلل حالة تدل على حكمة المقاومة ومصداقية روايتها الوطنية ، واستمرار الضعف الإسرائيلي في التصعيد اتجاه غزة، أو تفضيل الاحتلال لأساليب العدوان من خلال القهر والحصار، لا من خلال المدافع والطائرات، في مقابل استمرار السعار والعربدة الإسرائيلية دون رادع حقيقي في الضفة و القدس رغم رواية السلطة المتهافتة بخصوص المقاومة