شبكة قدس الإخبارية

15 عامًا على استشهاد الرنتيسي.. صوت فلسطين الذي قهر "إسرائيل"

95

فلسطين المحتلة – قدس الإخبارية: يصادف اليوم الـ17 من نيسان، الذكرى الخامسة عشرة لاستشهاد أحد مؤسسي حركة حماس وأبرز قادتها الدكتور عبد العزيز عبد المجيد الرنتيسي الذي تقلد منصب زعامة الحركة عقب استشهاد الشيخ احمد ياسين في قطاع غزة قبل اغتياله.

عُين الرنتيسي خليفة لمؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين بعد اغتياله في مارس 2004، وفي مساء الـ17 من أبريل 2004 قامت مروحية "إسرائيلية" تابعة لجيش الاحتلال بإطلاق صاروخ على سيارة الرنتيسي، فقتل مرافقه ثم لحقه الدكتور وهو على سرير المستشفى في غرفة الطوارئ، ومن وقتها امتنعت حركة حماس من إعلان خليفة الرنتيسي خوفاً من اغتياله.

النشأة

ولد عبد العزيز علي عبد الحفيظ الرنتيسي في 23/10/1947 في قرية يبنا الواقعة إلى الشرق من مدينة يافا، وقرب عسقلان في 23/10/1947 وبعد أقل من عام، طردت العصابات الصهيونية أسرته إلى قطاع غزة، واستقرت في مخيم خان يونس للاجئين وكان عمره وقتها ستة شهور ونشأ الرنتيسي بين تسعة إخوة وأختين التحق وهو في السادسة من عمره بمدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين واضطر للعمل أيضا وهو في هذا العمر ليساهم في إعالة أسرته الكبيرة التي كانت تمر بظروف صعبة وأنهى دراسته الثانوية عام 1965.

tumblr_nmwa52WXrk1u8xp9yo1_500

ويتذكر الرنتيسي طفولته فيقول: "توفي والدي وأنا في نهاية المرحلة الإعدادية فاضطر أخي الأكبر للسفر إلى السعودية من أجل العمل".

ويضيف "كنت في ذلك الوقت أعد نفسي لدخول المرحلة الثانوية، فاشتريت حذاء من الرابش، (البالة)، فلما أراد أخي السفر كان حافيا، فقالت لي أمي أعط حذاءك لأخيك فأعطيته إياه، وعدت إلى البيت حافيا... أما بالنسبة لحياتي في مرحلة الثانوية فلا أذكر كيف دبرت نفسي".

زار مرة واحدة قريته (يبنا) فوجد أسرة من اليهود تسكن بيته الذي ولد فيه، جاءت الوكالة اليهودية بها إلى قريته، وملكتها بيته وأرضه، وتجرع الشاب المرارات والحسرات، واختزنها في نفسه الثائرة، لتظهر بعد حين في حركة واعية منظمة تدرك رسالتها ووظيفتها في هذه الحياة.

كان عبد العزيز الرنتيسي من المتفوقين، وهو ما أهله للحصول على منحة دراسية في مصر على حساب وكالة غوث اللاجئين (أونروا) وهناك درس طب الأطفال في مصر لمدة 9 سنوات وتخرج في كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972، ونال منها لاحقاً درجة الماجستير في طب الأطفال، ثم عمل طبيبا مقيما في مستشفى ناصر (المركز الطبي الرئيسي في خان يونس) عام 1976 شغل الدكتور الرنتيسي عدة مواقع في العمل العام منها: عضوية هيئة إدارية في المجمع الإسلامي والجمعية الطبية العربية بقطاع غزة والهلال الأحمر الفلسطيني وعمل في الجامعة الإسلامية في غزة منذ افتتاحها عام 1978 محاضرا يدرس مساقات في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات.

التاريخ النضالي

6zf510

 يعد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة عام 1987، وكان أول من اعتقل من قادة الحركة بعد اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في التاسع من ديسمبر 1987، ففي 15/1/1988 جرى اعتقاله لمدة 21 يوماً بعد عراكٍ بالأيدي بينه وبين جنود الاحتلال الذين أرادوا اقتحام غرفة نومه فاشتبك معهم لصدّهم عن الغرفة، فاعتقلوه دون أن يتمكّنوا من دخول الغرفة وبعد شهرٍ من الإفراج عنه تم اعتقاله بتاريخ 4/3/1988 حيث ظلّ محتجزاً في سجون الاحتلال لمدة عامين ونصف حيث وجّهت له تهمة المشاركة في تأسيس وقيادة حماس وصياغة المنشور الأول للانتفاضة بينما لم يعترف في التحقيق بشيء من ذلك، ليطلق سراحه في 4/9/1990، ثم عاود الاحتلال اعتقاله بعد مائة يومٍ فقط بتاريخ 14/12/1990 حيث اعتقل إدارياً لمدة عامٍ كامل وفي 17/12/1992 أبعد مع 416 فلسطينيا من نشطاء وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان، حيث برز كناطقٍ رسمي باسم المبعدين الذين رابطوا في مخيم العودة في منطقة مرج الزهور لإرغام سلطات الاحتلال على إعادتهم وتعبيراً عن رفضهم لقرار الإبعاد الصهيوني، وقد نجحوا في كسر قرار الإبعاد والعودة إلى الوطن وإغلاق باب الإبعاد إلى الأبد خرج الرنتيسي من المعتقل ليباشر دوره في قيادة حماس وأخذ يدافع بقوة عن ثوابت الشعب الفلسطيني وعن مواقف الحركة الخالدة، ويشجّع على النهوض من جديد، واعتقل الرنتيسي عدة مرات من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتمكّن الدكتور الرنتيسي من إتمام حفظ كتاب الله في المعتقل وذلك عام 1990 بينما كان في زنزانة واحدة مع الشيخ أحمد ياسين، وله قصائد شعرية تعبّر عن انغراس الوطن والشعب الفلسطيني في أعماق فؤاده، وهو كاتب مقالة سياسية تنشرها له عشرات الصحف وقد أمضى معظم أيام اعتقاله في سجون الاحتلال في عزل انفرادي... الرنتيسي متزوج وهو أب لستة أطفال - ولدان وأربع بنات.

شخصيته

كان زعيماً سياسياً فذاً، وقائداً شجاعاً، جريئاً في قول كلمة الحق، وفي التصدي للاحتلال، لم يخف من عمليات الغدر التي يقومون بها لاغتياله، ولم يخش الآلة العسكرية الجبانة التي يستخدمها في ملاحقته، كان يعد نفسه مشروع شهادة يتمنى تحقيقه، ويسعى إليها، ولولا ضرورات العمل، لما اختفى عن الأنظار، ولولا وجوب الحذر المأمور به شرعاً وتنظيماً، لبرز إلى أولئك الأفاقين وجهاً لوجه.

كانت له شخصيته الرزينة، ومنطقه الحكيم الذي يقنع به محاوره، ويعبئ به الجماهير، ويغيظ الاحتلال وعملائه.. شخصيته شخصية مواجهة دون مواربة، فقد كان يرى ويطالب بضرب أي إسرائيلي تقدر على ضربه في أي زمان ومكان، لأن الإسرائيلي محارب خسيس يتزيا للناس بأزياء مخادعة، وإذا تمكن منك غدر بك.

وشخصيته القوية العنيدة في مواقفها السياسية والجهادية، جعلت له سجلاً حافلاً بالكفاح في سائر الميادين، وعرضته للاعتقال، من اليهود ومن عناصر السلطة، مرات ومرات، وعرضته للإبعاد إلى مرج الزهور، وإلى التعذيب لدى كل من الأعداء والخصوم الذين كانوا يسعون للقضاء عليه بشتى السبل والأساليب.

كان الرنتيسي رجل السياسة والتربية والحرب معاً، حنكته التجارب المريرة، والمخاضات العسيرة التي خاضها إخوانه المجاهدون الذين سبقوه إلى الجهاد والشهادة في سبيل الله.

thumb.php

صراعه مع الاحتلال

أول مواجهة له مع الاحتلال كانت عام 1981 عندما فرضت عليه الإقامة الجبرية، تلاها اعتقاله، لأنه رفض دفع الضرائب للمحتلين الغاصبين، وقاد حملة توعية دعا الناس فيها إلى الامتناع عن دفع الضرائب للاحتلال ثم تتالت الاعتقالات التي بلغت خمس مرات، ومدة سبع سنين أمضاها الدكتور الرنتيسي في سجون المحتلين، وأمضى سنة في مرج الزهور عندما أبعدوه مع 417 أخاً عام 1992.

وهو أول قيادي في حماس تعتقله سلطات الاحتلال عام 1987 وقد منعوه من النوم ستة أيام متوالية، ووضعوه في ثلاجة مدة أربع وعشرين ساعة، إلى ألوان التعذيب الوحشي الأخرى التي استمرت مدة واحد وعشرين يوماً، من أجل الاعتراف ولو بتهمة واحدة من التهم الكثيرة التي وجهوها إليه، وكان يأبى ويصبر ويحتسب.

وكان الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بمجرد ما يؤخذ إلى أقباء التحقيق يهاجم المحققين ويشتبك معهم باللكمات حتى يغمى عليه من شدة ما يلقى من أهوال التعذيب، ولم يأخذوا منه أي اعتراف، ولائحة الاتهامات ضده كانت تتم باعتراف الآخرين عليه، وليس باعترافه هو.

في المعتقل

وفجأة بعد منتصف ليلة الجمعة الخامس عشر من يناير 1988 أي بعد 37 يوما من اندلاع الانتفاضة إذا بقوات كبيرة جدا من جنود الاحتلال تحاصر منزل الرنتيسي، وتسور بعض الجنود جدران فناء البيت، بينما قام عدد آخر منهم بتحطيم الباب الخارجي بعنف شديد محدثين أصواتا فزع بسببها أطفاله الصغار.

كان ينظم الشباب في السجن، ويرفع معنوياتهم، وكان يخدمهم، ويعظهم، ويربيهم بسلوكه وأخلاقه العالية، ويدعوهم إلى الصبر، واحتساب الاعتقال في سبيل الله تعالى، ومرة دخل السجن فلم يقم فعاقبه السجان بأخذه إلى زنزانة انفرادية، ولم يأبه القائد بذلك، واستمر في التواصل مع إخوانه، يرسل إليهم رسائله من زنزانته، وفيها ما فيها من المعاني السامية التي توقد في نفوسهم شعلة الجهاد، فكانت كلماته النابعة من قلب معمور بالإيمان، ومن عقل كبير خبر الحياة والأحياء، ذلك الوقود الذي لا يدع لشعلة الجهاد تخبو.

محاولات اغتياله

يقول الدكتور عزيز دويك: "كانت أولى محاولات اغتياله في مرج الزهور، في خيمة الإعلام، في اليوم الأول من شهر رمضان، يومها حضر شخص يتحدث العربية، ادعى أنه مترجم لصحفي ياباني، دخل الخيمة، وترك حقيبة فيها قنبلة موقوتة، انفجرت مع أذان المغرب بالضبط، وأحرقت الخيمة بأكملها.

ومن رحمة الله بنا كان الجميع خارج الخيمة على مائدة الإفطار، سمع الجميع صوت الانفجار، وهبوا لإطفاء الحريق، وبحثوا عن الصحفي ورفيقه، فلم يجدوا لهما أثراً."

وفي 10/6/2003 تعرض لمحاولة اغتيال، استشهد فيها اثنان من مرافقيه، وأصيب نجله أحمد بجروح خطيرة، وفي شهر أيلول 2003 تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة.

وتعرض لمحاولة اغتيال أخرى في اليوم الثالث لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين، نجا منها بأعجوبة، ولم تكشف عنها حماس إلا بعد تأكيدها من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية.

سبق استشهاده أن أربع طائرات تجسس (بدون طيار) كانت تجوب سماء غزة طوال أسبوعين بحثاً عنه، وهذا يعني أنه اتخذ احتياطات أمنية كافية لتلافي جريمة الاغتيال، ولكن الاحتلال كان قد جند كامل طاقاته لرصده.

783536305

آخر يوم في حياته

وصل الدكتور الرنتيسي إلى منزله في الساعة الثالثة قبل فجر يوم السبت 17/4/2004 في سرية تامة.

يقول ابنه محمد: "كانت زيارته لنا بعد أسبوع من الغياب لم نره فيه، طلبنا منه عدم الخروج، وقضاء ساعات معنا، وبعد إلحاحنا وافق، كان يأتي إلى المنزل بعد منتصف الليل، ويغادر قبل الفجر، وقضى ما بقي من الليل يتحدث مع العائلة المشتاقة إليه، والتي لا تراه إلا قليلاً..

جلس يتحدث عن زواج أخي أحمد الذي أصيب خلال محاولة الاغتيال، وذلك بعد أن حصل على مدخراته من الجامعة الإسلامية التي كان يحاضر فيها، وقد سدد ما عليه من ديون، واقتطع مبلغاً من المال لزواج أحمد (21 عاماً) وقال لنا: "الآن أقابل ربي نظيفاً: لا لي ولا عليّ".

استيقظ الرنتيسي صقر فلسطين واغتسل، وتعطر، وانطلق لسانه ينشد، على غير عادته، "أن تدخلني ربي الجنة... هذا أقصى ما أتمنّى"

وقال لرفيقة دربه: أم محمد: "إنها من أكثر الكلمات التي أحببتها في حياتي".

وقال محمد: إن مرافق والدي، السيد أكرم نصار زارنا يوم السبت بعد العصر، وتحدث مع والدي قليلاً، واتفقا على الخروج.

وقبل أذان العشاء بقليل خرج الرنتيسي برفقة ابنه أحمد الذي كان يقود السيارة ذات النوافذ المعتمة، متنكراً بلباس معين، وأوصله إلى مكان محدد في مدينة غزة، وبعد دقائق وصلت إلى ذلك المكان سيارة يقودها أحمد الغرة، ومعه السيد أكرم نصار، وبهدوء انتقل الرنتيسي من سيارة نجله إلى السيارة الأخرى التي انطلقت بسرعة، لكن صاروخين من طائرات الأباتشي الأمريكية الصنع كانا أسرع من الجميع، وصعدت الأرواح الطاهرة إلى بارئها، لتستقر في حواصل طيور خضر، ترتع في الفراديس العلى بفضل الله وكرمه.

A nephew of Hamas leader Abdel-Aziz al-Rantissi cries over his body before his funeral in Gaza April 18,2004. Israel assassinated top Hamas leader Abdel-Aziz al-Rantissi, drawing a threat of 100 revenge attacks from the militant Palestinian group rocked by another major blow before a planned U.S.-backed pullout from Gaza.   REUTERS/Suhaib Salem

وشارك أكثر من نصف مليون فلسطيني في تشييع الشهيد الرنتيسي ومرافقيه اللذين استشهدا معه، واكتظت شوارع غزة التي مر فيها موكب الشهيد الرنتيسي ومرافقيه بالمشيعين والتحمت المسيرات بعضها ببعض، مشكلة أمواجاً بشرية ضخمة، وأدى أكثر الناس صلاة الجنازة في الشوارع المزدحمة.

انطلق الموكب الحزين الثائر من مستشفى الشفاء في غزة، يتقدمه عدد من قادة حماس وقيادات الفصائل الفلسطينية الأخرى، وآلاف المسلحين، في عروض عسكرية كبيرة، وتوجه الموكب إلى منزل الشهيد لإلقاء النظرة الأخيرة عليه، ثم تابع إلى المسجد العمري الكبير، من أجل الصلاة عليه، وقد ووري جثمانه الطاهر الثرى في غزة التي أحب.

ارتقى الرنتيسي بالطريقة التي تمنى، كان يفضل الموت بالقصف الصاروخي، فانتصر بتحقيق هذه الأمنية رغم أنف الاحتلال.