مقدمة:
أثارت جولة "الساعات الخمسة" التي دار رحاها في قطاع غزة، في أعقاب سقوط صاروخ أطلق من قطاع على منزل في منطقة "هشارون" شمال تل الربيع المحتلة، موجة جديدة من الأسئلة حول نهاية هي الحالة من المد والجزر بين فصائل المقاومة من جهة والاحتلال من جهة أخرى، ذلك كلّه في ظل دراية الأولى بطبيعة القيادة والمجتمع في "إسرائيل"، والتي على أساسها ترسم خطواتها التالية.
حيثيات الجولة الأخيرة
جاءت هذه الجولة في ظروف أكثر تعقيداً من سابقاتها، فالحالة الغيرمسبوقة في السجون، واشتداد مصلحة السجون حربها ضد الاسرى، والتي ترى بهم الدعاية الأسهل في الانتخابات القادمة، بالتزامن مع تفاقم الأزمة الانسانية في القطاع وما يتلوها من آثار انسانية تلقي بظلالها على المواطن الغزي، ذلك في ظل فجوة الانقسام الداخلي الآخذة بالازدياد، وحالة التراشق الاعلامي في اعقاب الحراك الذي شهده قطاع غزة.
جاءت هذه الجولة وسط جهود مصرية تسعى لإرساء تهدئة هشة، ولاسيما بعد التسريبات التي نشرتها صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية حول المقترح المصري الذي يرمي الى رفع الحصار تدريجاً وعلى ثلاثة مراحل مقابل أن تقوم المقاومة بتسلم السلاح الثقيل الذي بحوزتها.
أضف الى ذلك كله، اقتراب الانتخابات الاسرائيلية، والتي بدورها تلعب عاملاً هاماً في منع نشوب أي مواجهة عسكرية، قد تؤثر على رئيس حكومة الاحتلال سلباً، وتفقده الكثير من الأصوات في صناديق الاقتراع.
تغيير قوانين اللعبة
من الواضح أن أخيار "هشارون" لم يكن عبثاً، فلو تتبعنا خارطة فلسطين المحتلة، لوجدنا أن "هشارن" تلي "غوش دان" المنطقة التي سقطت بها الصواريخ قبل اقل من اسبوع، وبالتالي فإن الرسائل في هذه الأحداث واضح لاتحتاج إلى تأويل أو تفسير، أضف إلى أن هذه الجولات سحبت من يد "إسرائيل" التحكم في مجريات الأحداث وبداياتها ونهاياتها.
الحرب النفسية من أداوت الجولة
لجأ الاحتلال منذ بداية الحادثة، الى استخدام سياسة التهويل الاعلامي، وذلك عبر الوكالات الاخبارية العبرية والمحلليين السياسين، مع العلم ان ذلك يخضع لرقابة عسكرية مدروسة وموجهه، لسكان غزة على وجه الخصوص، مضافاً الى ذلك البعد الزماني بين حادثة قصف "هشارون" و بداية شن الغارات على القطاع، وتمثل ذلك في:
التروج لامكانية شن عملية عسكرية في قطاع غزة.
نشر أخبار حول تعزيز الجيش لوحداته العاملة في غزة، واستدعاء عدد محدود من جيش الاحتياط.
إظهار صور معينة ومحدد حول قيام الجيش باغلاقات والانتشار في غلاف غزة.
إفلاس بنك الأهداف لدى جيش الاحتلال
قرابة 12 ساعة كانت المدة الزمنية بين قصف "هشارون" و الاعلان عن بداية الهجوم الجوي على القطاع، وذلك يدلل على افلاس بنك الاهداف التي تتمتلكه المؤسسة العسكرية، والناظر في سير القصف يرى بان الاستهداف لم يتجاوز المألوف عدا استهداف مكتب رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية، والذي لم يبتغي فيه نتنياهو سوى الانجازالاعلامي الذي يسوقه للناخب المقبل بعد اسبوعين على الاقتراع.
التصريحات المقتضبة
لوحظ خلال هذه الجولة بأن تصريحات الفصائل الفلسطينية كانت مقتضبة جداً، بل وحتى كانت عبر غرفة العمليات المشتركة فقط، مما أضفى صعوبة على المتابع والمحلل للأحداث في التنبؤ بمستقبلها، مما شكل صعوبة ايضاً على "اسرائيل" في رسم مجريات الأحداث القادمة، وبات عنصرالمفاجأة هوالأبرز، كما في الحدث الأبرز قصف "هشارون".
التهدئة الهشة
منذ بداية الوساطات المصرية والأممية، كانت التوقعات تشير الى نجاحها، ولاسيما في ظل عدم الرغبة الواضحة لجميع الأطراف في خوض اي مواجهة جديدة، لكن الملفت للنظر كان الصمت الاسرائيلي حول الاتفاق الذي جاء بعد ساعات من بداية القصف، بالاضافة الى حالة التخبط التي برزت في الاعلام العبري، لكن تصريحات بعض الساسة في "اسرائيل" اشارت الى وجود اتفاق مخجل بالنسبه لهم، مما دفع نتنياهو الى الغاء فكرة تقصير زيارته الى واشنطن كما اعلن في وقت سابق، أما فيما يتعلق بالفصائل فكانت على موقف واضح وموحد والتي عبرت عن التزامها بالتهدئة مادام التزمت "اسرئيل" بها.
الخلاصة
يمكن لنا أن نصف ما جرى بأنه أقل من حرب وأكثرمن مواجهة عادية، قدنرى اثارها مستقبلاً، وان التحرك العسكري ضدقطاع غزة مرتبط بعملية انهاك حماس داخلياً، وذلك على الارجح بعدطرح صفقة القرن التي لا مكان لحماس فيها.
وأن ما يجري هوترجمة عملية لما صرح به يعلون في ايلول من عام 2000 بان "اسرائيل" اما الجزء المكمل لحرب الاستقلال التي لم تنتهي.
من خلال المؤشرات الراهنة، فإن "اسرائيل" لن تصبر طويلاً على حالة الاستنزاف مع القطاع، لكنها تنتظر انقضاء الانتخابات وتشكيل الحكومة، وبذلك تكون مستعدة نوعاً ما لخوض غمار مواجهة غير مسبوقة باهظة الثمن مع غزة.
اعتتقد بأن المفاوضات حول غزة ما زالت جارية على قدم وساق، والاحتلال يسعى جاهداً لربطها بيوم 30/3 يوم الارض ومرور عام على مسيرات العودة، كي يضمن الهدوء النسبي على الحدود، الامر الذي ترفضه حماس.
احتمالية التصعيد ما زالت قائمة، ومظاهره لا زالت موجودة عودة نتنياهو من زيارته للولايات المتحدة، تعطيل الدارسة في الجنوب، اغلاق شاطئ عسقلان.
المصدر: مركز القدس لدراسات الشأن الاسرائيلي والفلسطيني