صفد المحتلة – خاص قدس الإخبارية: لأول مرة منذ عام 1948، تُقام الصلاة على بلاط مسجد اليونسي في مدينة صفد المحتلة، المسجد الذي كتم به الآذان منذ 71 عاماً، ومذ ذاك الحين، لم يزره أحد من أهله، كما لم يزره مسلم.
فعلى قطعة من الكرتون، أدى رامز خليفة صلاة الظهر، اليوم الجمعة - الأول من آذار - بعد أن فرشها على بلاط المسجد، وحوله لوحات فنية للمستوطنين علقت على جدرانه المسلوبة، "أتذكر أنني صليت هنا قبل 70 عاماً مع والدي، كان عمري ست سنوات.. لا أستطيع الجزم، ولكن لدي يقين بذلك" يقول رامز، ويضيف، "اليوم أنا هنا، وأصلي مرة أخرى".
المسجد اليونسي ثاني أكبر مساجد مدينة صفد، يقع بالقرب من سوقها الرئسي، بني عام 1901 بقرار من السلطان عبد الحميد الثاني، ليمتد بصحونه وساحاته على مسافة الدونم ونصف الدنم، يحيط به سور مرتفع، وتقع بوابته الرئيسة من جهة الشرق، وهي بوابة ضخمة ترتفع نحو خمسة أمتار.
رامز خليفة الذي يسكن منذ تهجيره وعائلته مدينة عكا المحتلة، سبق أن عاد وأحد أحفاده إلى مدينة صفد المحتلة قبل عدة سنوات، ليقف على أطلال منزله الذي لم يعد له أثر، ويحدث حفيده كيف احتفظ جده تحت هذا المنزل بمجوهرات نساء العائلة إبان النكبة، على أمل أن يعودوا لها يوماً ما، ليكتشف عبر أحد مهندسي بلدية الاحتلال في صفد، أنها وجدت فعلاً الذهب وصادرته، خلال عملية تجريف المنزل.
هذه المرة لم يعد رامز وحيداً، بل برفقة العشرات من الفلسطينيين الذين تجولوا في أنحاء المدينة المحتلة، ولأول مرة، أغاني فلسطينية في المكان، زائرون يتبادلون الأحاديث بالعربية، ودبكة تُرقص بين أزقة المدينة نفذتها فرقة لحن الحرية، ومعرض للوحات متخيلة عن المدينة المسلوبة للفنانة رنا خليفة.
مدير جمعية فلسطينيات التي نظمت الجولة في المدينة المحتلة، جهاد أبو ريا يقول لـ قدس الإخبارية، إن الجمعية قررت أن تبدأ فعاليات العودة من مدينة صفد الواقعة أقصى شمال فلسطين المحتلة، "أردنا أن نثبت اليوم أن قضيتنا ليست بعض القري الصغيرة المهجرة وإنما أيضا المدن الكبيرة والتي من بينها مدينة صفد".
وتعتبر مدينة صفد من المدن الفلسطينية الشاهدة على المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية والتي استشهد فيها 70 شاباً من شباب المدينة، وذلك في 13 أيار 1948، يقول جهاد، "المجازر في صفد لم تتوقف حتى الآن، وما زال الاحتلال يرتكبها يومياً بحق المساجد والمباني وكل ما فيها بهدمها، فيما حولت ما تبقى قائماً إلى كنس يهودية". فقد حول المستوطنون مسجد الشعرة الشريفة والزاوية الأسدية إلى كنس يهودية، وحول المسجد الأحمر إلى بار، فيما حول المسجد اليونسي إلى معرض فني.
وأكد جهاد على أن العودة اليوم إلى مدينة صفد المحتلة، تعتبر من الفعاليات القليلة التي ينفذها الفلسطينيون في المدينة، وذلك بسبب التخويف المستمر من المستوطنين الذين يسكنون المدينة وما يمارسوه من اعتداءات بحق الفلسطينيين، مشيراً إلى أن شرطة الاحتلال حاولت عرقلة فعالياتهم وطردهم من المدينة، إلا أنها لم تنجح بذلك.
في المدينة المحتلة التي يسكنها الغرباء الآن بعد تهجير أهلها، وقف رامز خليفة يستذكر كيف كان وأصدقائه ينقلون المياه للمجاهدين الذين كانوا يتخذون أعلى قلعة المدينة مركزاً لهم. فيما يقف بين الفنية والأخرى يقول ماذا كان هنا وماذا كان هناك، فالطفل الذي هجر من المدينة وعمره 12 عاماً، ما زال يذكر بعض تفاصيلها، مبانيها، دكاكينها، جلسات أهلها، عاداتهم، أفراحهم.
يبين جهاد أبو ريا أن نحو 50% من مباني ومعالم صفد ما زالت قائمة، "حارتي الأسدية الفوقا والتحتا قد هدمتا بالكامل، حارة الأكراد هدم القسم الأكبر منها، حارة القلعة هدم جزء منها.. لكن يوجد حارات ما زالت قائمة كحارة السوق وساحة السرايا ومحيط مسجد الشعرة الشريفة".
أكثر من نصف بيوت أهالي صفد ما زالت قائمة، وما زلت تروي حكاية أهلها، وما زالت تحتفظ بتواريخ رسمت على مداخلها، برسمة كف اليد والكتابات العربية والإشارات التي تدلل على فلسطينيتها.