صرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم أمس في ندوة كسر الجمود على هامش فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحضور"اسرائيل" بتصريحات قد نكون قد سمعناها كثيراً، ولكننا حتى اليوم لم نعتد عليها، وما زال وقعها كسكاكين تغرس في خواصرنا كلما تكررت، ومع تجدد كل تصريح او خطاب، يثبت لنا أن رئيسنا قد نسي أمنيات شهدائنا، وتغاضى عن آمال أسرانا، وتناسى هموم اللاجئين وحلمهم بالعودة.
سعادة الرئيس أبو مازن، قلت "إن السلطة الفلسطينية لا تخجل من التنسيق مع الإسرائيليين، ونفخر بأن الضفة الغربية لم يتعرض بها أي إسرائيلي لإعتداء منذ 7 سنوات". سعادة الرئيس أنت وحدك من لا يخجل بالتنسيق الامني، وبتفاخر بأن المناطق التي تقع تحت سيطرته لم يحدث بها أيّ اعتداء على أي "اسرائيلي" خلال 7 سنوات، فنحن نُسأل يومياً عن حال الضفة الغربية والتنسيق الامني مع الاحتلال الذي صارت تشتهر الضفة الغربية به، ولا نملك الجرأة التي تمتلكها لتتحدث أمام العالم متفاخربن مثلك عن إنجازات التنسيق الأمني، نحن نخجل من تسليمكم المستمر واجهزتكم الامنية لجنود الاحتلال التائهين المعززين بسلاحهم، كيف لنا أن لا نخجل من تخليكم عن جنود كان يمكن ان يكونوا سبباً في تحرير عدد من أسرانا ووضع حد لمعاناة عدد آخر، نحن نخجل من سكوتنا عن ممارساتكم.
كيف لي أن لا أخجل من تفاخرك بتعامل وتنسيق الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع الاحتلال وتبادل المعلومات معه، أليس هو من شردنا وهجرنا؟ الم يقتل شهداءنا؟ اليس هو من اجتاح مدننا؟، وهدم بيوتنا، واعتقل شبابنا، وحرمنا من طفولتنا ويحرمنا اليوم من شبابنا؟! هل فعلاً زوّر تاريخنا ويزوّر اليوم حاضرنا؟! أليس الاحتلال من يذلنا ويستمر بإذلالنا؟
كيف لا أخجل بالتنسيق الأمني الذي بوفقه تُخلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية الشوارع التي سيقتحمها جيش الاحتلال لاعتقال أحد ما او للقيام بمهمة استكشافية؟ وبوفقه يتم إعتقال المقاومين والتنكيل بهم وإحباط أيّ عمل مقاوم قد يخطط له، كلنا نخجل بالتنسيق الامني الذي شوه ثقافة وعقول أبناء الأجهزة الأمنية حتى صار البعض منهم يصف المقاومة بالإرهاب، ويصف سلاحها بالسلاح غير الشرعي ويتحدث عن المقاوم وكأنه يتحدث عن خارج عن القانون، ألم يؤكدوا مراراً وتكراراً أنّ سلاحهم غير موجه للإحتلال في أيّ ظرف من الظروف!
ثقافة خطف الجنود التي تتعرّى منها هي ثقافتنا، ولا نخجل منها مثلكم، بل نصر على التفاخر بها في كل مناسبة، فهي الثقافة التي حررت 1027 أسيراً ووضعت حداً لمعاناة الكثير من أسرانا في سجون الاحتلال في صفقة واحدة ومقابل جندي واحد، ثقافة "المفاوضات حتى الممات" الخاصة بكم وحدكم لم تستطع حتى اليوم تحرير الأسرى الذين تم اعتقالهم ما قبل اتفاق أوسلو، اتفاق أوسلو الذي كنت أنت مُهندسه ومُعدّه ومُخرجه، وأنتم اليوم الوحيدون الذين يصرّون على استمرارية صلاحيته والالتزام ببنوده حتى اليوم.
تحذرهم من نشوء جيل لا يعترف بحل الدولتين، ولا تعرف ان ذاك الجيل قد نشأ، نحن الجيل الذي تحذر منه، وجيلنا قد نشأ منذ زمن، وكفر بحل الدولتين وحل الدولة الواحدة وكل الحلول، ولا يخجل من التصريح بأنّ فلسطينه هي فلسطين التاريخية، ولا يقبل بالظلم الواقع على لاجئيه، ولن يتنازل عن حق العودة لأراضيه في حيفا وعكا وصفد وباقي فلسطين، ولم يكف عن المحاولة والفعل المستمر لتحرير أسرانا، ولن يفوت فرصة لدعم المقاومة الموجعة للاحتلال.
بعد عشرات السنين سنقف ليسألنا ابناؤنا عن ما فعلناه لتحسين ظروف عيشهم، وكيف سكتنا و كيف تماهينا مع الاحتلال، وجيلنا لن يقبل أن يصمت صمت أجدادنا عندما سألناهم نفس الاسئلة، سنحرص أن يكون لدينا الكثير من القصص والروايات عن تجاربنا ومحاولاتنا ورفضنا لكل محاولات إعادة تشكيل الفلسطيني وترويضه وغسل عقله.
سعادة الرئيس، ربما استفزتنا تصريحاتك الأخيرة وعززت شعورنا بالعجز، ولكنها أعطتنا حجة قوية جديدة لنحملكم المسؤولية عند سؤالنا عن تأخرنا وعن صمتنا وعن برودنا وعن تماهينا مع الاحتلال، ولكن ذلك للأسف لا يعفينا ولا يخفف عنا المسؤولية، سعادة الرئيس انت ومن حولك وحدكم من لا يخجل بكل ما ذكرت وصرّحت به، انت وحدك من لا يخجل بذلك.