رام الله - خاص قُدس الإخبارية: على وقع أغاني النجاح والزغاريد، استقبل الناجحون في فلسطين بامتحان الثانوية العامة "إنجاز" المهنئين، في فرحة شاركوها مع جميع أفراد عائلتهم. لكن في منازل الأسرى كان المشهد مختلفًا، إذ أصابت الناجحين وأهلهم غصةٌ في القلب ودمعةٌ في العين؛ نغّصت فرحة النجاح، سببها غياب أسراهم الذين لم يستطيعوا أن يحتضنوا بناتهم وأبنائهم الناجحين.
جنيفانا محمد الريماوي (18 عامًا) من بلدة بيت ريما شمال غرب رام الله، شاركها أفراد عائلتها فرحتها بنجاحها في امتحان الثانوية العامة وحصولها على معدل 80.4 في الفرع الأدبي، لكن لحظة إعلان النتائج كانت جينفانا تبحث عن والدها بين الحضور، أمنية كانت تتمنى أن تُحقق منذ أن كانت طفلة، بأن يكون والدها معها في أول فرحة نجاح لها.
في غرفة الأسر بسجن نفحة، أدخلت جينفانا السعادة على قلب والدها الأسير، فقبل سبعة عشر عاما كان عمر جينفانا لا يتعدى تسعة أشهر عندما اعتقل الاحتلال والدها، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة لمشاركته في عملية اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي.
تقول جينفانا لـ"قدس الإخبارية":" كل ما كنت أفكر فيه منذ بداية العام الدراسي الماضي كيف يمكن أن أكون سببًا في سعادة والدي داخل الأسر، وأن نجاحي بالثانوية العامة هو جرعة أمل وفرح له، كنت أتحدى كل الظروف لأجله هو، فوالدي الذي قدم لي كل شيء، وكان اسمه فخرًا لي، اعتِبُر نجاحي شيئًا بسيطًا أهديه إياه مقابل كل تضحياته".
تعرف جينفانا والدها من خلال زياراتها له في سجون الاحتلال، ففي منزلهم لايوجد أي صور لها تجمعها مع والدها، لتكون الصورة التي تطبعها في ذاكرتها عند كل زيارة له هي الوسيلة الوحيدة لتكوين صورة ومعرفة عن والدها.
ورغم بعده عنهم، إلا أن محمد الريماوي كان الداعم الأول لجينفانا في الثانوية العامة، إذ قدّم لها خلال زيارتها له قبل بدء العام الدراسي نصائح وإرشادات، وقد كانت ذاكرتها تسجل كل ما يقوله لها والدها، حيث جلست جينفانا قبالة والدها الذي كان يشرح لها كيف تضع برنامجًا دراسيًا، وعدد الساعات التي يجب أن تقضيها في الدراسة، وتوجيهات تساعدها في التحضير للامتحانات.
تقول جينفانا: "في زياراتي الأخيرة لوالدي كنا نتحدث عن امتحانات الثانوية العامة، وكان يقول لي إن آخر أربعة أشهر هي التي ستحدد مستقبلي، لا تدعي شيئًا يتراكم عليكِ، الله يرضى عليكِ، نجاحك فخر لي".
لم تكن فقط الضغوط التي يمر بها طالب الثانوية العامة، وغياب الوالد، من الصعوبات التي استطاعت أن تواجهها جينفانا، بل أيضًا أوجاع العملية الجراحية التي خضعت لها أثناء الامتحانات النهائية، فبعد يوم من الامتحان الأول خضعت جينفانا لعملية "الزايدة"، وفي اليوم التالي قدمت امتحان اللغة العربية على سرير المستشفى، وفي الجلسة الثانية للامتحان ذهبت إلى مدرستها لتقدمه.
بالإرادة والإصرار قاومت جينفانا أوجاع العملية الجراحية، ففي كل مرة كان الوجع يداهم جسدها، وكانت تفكر في والدها، وهو ما جعلها تتغلب وتتناسى الألم.
يوم الأحد 8 تموز، ولحظة إعلان نتائج الثانوية العامة "انجاز"، كانت جينفانا تفتقد والدها بينما يحيط بها كل أفراد عائلتها، كانت تتمنى لو أنها كمثيلاتها من الناجحات اللواتي استطاع آباؤهن احتضانهن، لحظة كانت تتمنى لو تتحول إلى حقيقة وترى والدها لتحتضنه وتقبله فتكتمل فرحتها، كانت تتمنى لو كان بجانبها لتقول له: "حققت حلمك ورفعت راسك بابا".
تعتبر جينفانا أن نجاح أي فلسطيني هو مقاومة للاحتلال، فرغم كل الظروف التي يفرضها الاحتلال على الشعب الفلسطيني، إلا أنه يقاوم بالعلم والسلاح والإرادة، ورغم كل محاولات الاحتلال سلب الفرحة، إلا أن جينفانا استطاعت أن تنتزع القيود وتدخل الفرح إلى غرفة والدها في الأسر.
يوم الأربعاء 11 تموز، ستزور جينفانا والدها في سجن نفحة، وستحتفل معه بمناسبة نجاحها بينما يحيط بهم جنود الاحتلال، فهي تنتظر على أحر من الجمر الـ45 دقيقة التي سترى فيها والدها من خلف الجدار الزجاجي، لتقول له: "انا حققتلك حلمك يا بابا، الله يخليلنا إياك ويجمعنا فيك عن قريب، وفرحتي اللي جاي تشاركني فيها على أرض الوطن".