قلقيلية - خاص قدس الإخبارية: "قبل أشهر قليلة زرته، قلي يما كنت أحك إيدي اليسار فوقعت شقفة حديد صغيرة منها من الشظايا اللي بجسمي"، هذا ما قالته والدة علاء ذياب، المعتقل لدى الأجهزة الأمنية منذ تسع سنوات.
تعود خيوط القصة لعام 2009، حيث كان الاحتلال يطارد خلية للمقاومة، تتضمن كلًا من "إياد أبتلي، علاء ذياب، محمد عطية" لمدة ثلاث سنوات، خلال فترة المطاردة خضعت عائلة ذياب لتضييقات من الاحتلال كما عائلات المطارديَن الأخريَن، شمل هذا اعتقال بعض أفراد عائلته واستدعاء والدته، وتخريب البيت واقتحامه بشكلٍ متكرر وإطلاق الرصاص على جدرانه كما تقول والدة علاء، ختام ذياب.
"باشا اللي يحمي موطنه.. يحمي الرجال بمسكنه"، هكذا تصف الأنشودة التي وثقت للحادثة، عبد الفتاح شريم، الشاب الذي آوى المطاردين في سرداب حَفرهُ أسفل الدرج في منزله، اعتقل عبد الفتاح لدى وقائي قلقيلية، وعلى إثر اعتراف أحدهم بأنه أوصل أحد المطاردين لبيت عبد الفتاح، اقتحمت حشودات أمنية منطقة سُكنى شريم، وأجرت تحقيقاً ميدانياً مع زوجته ميرفت صبري، التي نفت وجودهم في منزلها، ليسمع صوت انفجار أثناء التحقيق معها.
كان صوت الانفجار لقنبلة ألقتها الأجهزة الأمنية في السرداب إذ وجدته ليحصل بعدها اشتباك بين المطاردين والأجهزة المقتحمة للمنزل، بعد أن حصل الاشتباك قامت الأجهزة الأمنية بإخراج زوجة عبد الفتاح من المنزل واقتيادها لمركز وقائي قلقليلة، لتبدأ ميرفت رحلة امتدت سنة داخل أقبية سجون السلطة الفلسطينية بتهمة مساعدة "ميليشيات مسلحة، وعرقلة عمل السلطات، والتدخل بقتل قصد".
تقول والدته ختام، "كان يغطي منطقة درج المنزل سقف بلاستيكي، لكنهم كبوا عليه الوقود وحرقوه وهبطوا على البيت من أعلى،"، مضيفة "بعدها كسروا اشي بالحيط ودخلوا أنبوب مي كبير وبلشوا يدخلوه جوا السرداب ليخنقوهم وبعدها رشوا عليهم غاز جوا ليخلصوا عليهم، كانت المنطقة كلها سلطة حشود حشود والله وين ما أطّلع ما ألاقي إلا تعون الأمن بكل محل!".
تخبرنا والدة علاء رواية استشهاد محمد عطية، فتقول "قلي علاء يما استشهد بحضني، شفته وهو روحه بتطلع، وجسمه كان مفتّح من القنبلة اللي ضربوها، أعيّط ومش عارف شو أعمل!"، مضيفة"ما ساعد علاء على مقاومة المياه والغاز أن علاء كان يجيد الغطس جيداً ولعل هذا ما أنقذه وساعده على التحمل علماً أنه نجى من الموت بأعجوبة ومكث في العناية المشددة 21 يومًا واستخرجت من جسده رصاصة استقرت بجانب قلبه، وخضع لعدة عمليات بسبب تضرر عينيه وما زال بحاجة أخرى.
بعد استخراج الجثث من السرداب الكل أتوا لمنزل العائلة معزيين باستشهاد علاء"، لكن قلب أمه كان ينكر ارتحاله، فتقول "شيء في قلبي كان يقول لي إنه لم يزل حيًا، فعندا رفعوا الجثث ونقلوها الشارع وأخذوا برشها بسيارات الإطفائية، رجل الدفاع المدني قال لزملائه "هذا الرجل فيه روح"، وكان يقصده علاء".
بعد ساعات، وصلت مكالمة لوالدته ختام، وكان أحد الضباط فقال لها "اسمعي صوت ابنك"، فتقول "كان علاء يهذي أثناء نقله للمشفى "يما يما"، واستطعت تمييز صوته، واطمئننت أنه لا زال على قيد الحياة، مضيفة "كنت مش سامعة صوت علاء من 3 سنين بسبب المطاردة فصاروا الناس يقولولي مش صوت علاء إنت بتتخيلي، ابنك مستحيل عايش، رديت عليهم والله لو يغيب عني العمر كله لأميز صوته من بين كل الخلق".
عقب انتهاء العملية الأمنية في المنطقة تقول والدة عبد الفتاح شريم إن جيش الاحتلال جاء عقب انسحاب قوات السلطة الفلسطينية وقام الجنود بحفر منطقة السرداب كلها ليطمئنوا لعدم وجود نفق تحت المنزل ولكنهم لم يجدوا شيئاً.
تشويهٌ متعمد!اعتقلت ميرفت لمدة عام لدى الأجهزة الأمنية، بسبب عدم إخبارها للأجهزة الأمنية مكان المطاردين، "لو اشرتيلنا بس عالمكان دون ما تحكي كان ما حبسناكِ بس إنتِ تستري عليهم"، هذا ما تقول ميرفت إن ضابط الوقائي قاله له عقب اعتقالها، وتتابع "كان بده إياني أحكي عنهم ليصفّوهم!".
نشرت الأجهزة الأمنية صوراً للعملية التي نفذتها يومها، مع نشر صور سرداب المطاردين وفيه زجاجات من الخمر، ليقول إنه أمسك "زعراناً يدّعون المقاومة"، بحسب والدة علاء، "حاولوا خلق صورة من رؤوسهم عن المطاردين ليشوهوا سمعتهم بين الناس، ولكن كل الناس يعرفون من علاء محمد وإياد ويعرفون من عبد الفتاح وزوجته فلم يصدقهم أحد".
" قالوا كلاماً سيئاُ عن ميرفت وأشاعوه بين الناس بسبب إيوائها مطاردين في سرداب في ساحة البيت دون وجود زوجها في المنزل، كان كلاماً بشعاً ولا يصدر من مسلم، الحمد لله أن سمعتنا طيبة وما زالت وهذا الكلام لا يصدقه طفل حين يسمع قصة هؤلاء الأبطال".
9 سنوات من التعذيب!تنقل عبد الفتاح وعلاء بين المحاكم لمدة سنة ونصف بعد الحادثة، طعنت المحكمة العليا بعدم دستورية حكم علاء ذياب (20 عاماً)، وحكم عبد الفتاح (12 عامًا) وصدر قرار الإفراج بعد ذلك عنهما، إلا أنه بعد فترة قصيرة أعيدت إدانتهما فعبد الفتاح اتهم بثمانية تهم منها، "مساعدة ميلشيات عسكرية مسلحة ومناهضة سياسة السلطة الفلسطينية، وعرقلة عمل السلطات الفلسطينية والتخطيط لإثارة عصيان ضد السلطة"، وبالتهم ذاتها اتهمت زوجته ميرفت حسب ما ورد في محضر النيابة العامة.
أما علاء فقد أٌدين بتهمٍ عديدة، انتهت به لعشرين عاماً في سجون السلطة الفلسطينية، أمضى منها هو وعبد الفتاح تسع سنوات فقط، تعقّب صبري "القرار سياسي بحت وليس قانوني، وما يدل على هذا أن القرار طعن فيه من المحكمة العليا ثم أعيد مجدداً!، كما أن كل المسؤولين الذين حاولوا أن يحلوا الإشكالية مثل المبادرة ومصطفى البرغوثي وناصر الدين الشاعر لم يصلوا إلى شيء، لأن احتجازهم سياسي وطالما أن السلطة غير راضية عنهم فلن يتم الافراج عنهم.
أما والدة شريم فتؤكد "حاولنا كثيراً وقدمنا طلبات استرحام ولم يحصل أي شيء، علاء وعبد الفتاح لولا الإيمان الذي بقلوبهم لم يكونوا ليصبروا، فالحمد لله عكل حال"،
أكثر من ثلاثة آلاف يوماً على اعتقالهما، منها 3 سنوات قبعا خلالها في سجن أريحا، قبل أن ينتقل عبد الفتاح إلى سجن "طولكرم"، تقول والدته إنه كان يطلب منهم عدم زيارته في أريحا بداعي بعد المسافة، مضيفة "بعد أن زرته آخر مرة في سجن طولكرم قال لي كنت بديش تشوفيني بحالة سيئة، كنت مخنوق بأريحا ولهيك قلتلك ما تيجي ولا تخلي ميرفت والبنات يجو".
تقول طفلة عبد الفتاح آية، التي كانت تبلغ أربعة أعوام حين وقوع الحادثة والآن هي في الصف السابع، "زمان ما زرته لأنه كان بأريحا، بس بستنى أزوره وهو بطولكرم، شعور محزن كثير لما أتذكر إنه أبوي مش معي بكل اشي بحياتي، بشتاقله كثير، أما طفلته الصغرى، جنى التي كانت تبلغ خمسة شهور حين اعتقل والدها، والآن هي في الصف الثالث قالت "كثير انبسطت بس سمعت إنه بابا انتقل عطولكرم وإني رح أرجع أزوره".
جدتهما في زيارتها الأخيرة لعبد الفتاح في سجن طولكرم جلبت في طريق عودتها هدية لكل منهما مدعية أنها من أبيهما لتخفف حزنهما، تخبرنا "طبعاً والدهن لا يستطيع أن يجلب لهن هدايا وهو بالسجن، لكنكم لن تستيطعوا أن تتخيلوا مدى سعادتهما حينها، كما أن نفسيتهن تغيرت تماماً عندما قلت لهن إن هذه الهدايا من عبد الفتاح!".
لا تسمح إدارة سجن طولكرم عبد الفتاح بإجراء مكالمات إلا لرقمين يحددهما ويُمنع من التواصل مع غيرهما فاختار رقم زوجته وأمه، كما تقول العائلة، "ممنوع أكثر من دقيقتين، مع أننا ندفع ثمن الرصيد منا"، مؤكدة "في تنقلاته بين نابلس ورام الله وطولكرم وأريحا بيلاقي بكل سجن نظام ومعاملة شكل".
"أيام طويلة، والغصة واقفة بحلقي، ووالده مريض جداً وكلما سمع اسمه أو حادثه أخذ بالبكاء"، تقول ختام، موضحة أن والده لا يستطيع الخروج من المنزل ولم يزر علاء منذ 8 سنوات، وترعبه فكرة أن يموت وعلاء ما زال معتقلاً بعيداً عنه".
وتستذكر أنه "قبل أعوام كان والد علاء سيخضع لعملية قلب في مشفى بنابلس وكان حينها علاء معتقلاً في رام الله، فطلب منهم أن يرى والده، لكنهم ردوا بالرفض قائلين له لو كنت بسجن الجنيد سيكون من الممكن، لكن وأنت برام الله من الصعب أن نأخذك إلى نابلس، بعد عام خضع والده لعملية ثانية وكان حينها علاء انتقل إلى سجن نابلس، لكنهم رغم ذلك رفضوا طلبه بزيارة والده للمرة الثانية".
ذل الزيارات ووضعهم الصحيأم علاء وأم عبد الفتاح ترويان تفاصيل الزيارة، فقالتا " نمشي في ممر طويل، وبعدها يتم تفتيشنا حتى تجاوز الأمر بإجبار الرجال على خلع ملابسهم ضمن إجراءات التفتيش، بقهرٍ غلبتها بالسخرية قالت أم علاء "هم بيبكي وهم بيضحك والله لازم قبل ما نفوت نرن جرس طيب محنا جايين نزور لليش الجرس هاظ بالسجن!، مستذكرة أنه ذات مرة كان ابنها كان علاء قد طلب "ترمس" لأنه يشتهييه، لكنهم منعوها من إدخاله وتم إرجاعه".
وتضيف أم علاء في حديثها لـ"قُدس الإخبارية"، "كثيراً ما يتم إعادة الطعام، وعندما يسمحون بإدخاله فإنهم يضعونه في وعاء يسدّ الشهية ويصبح باردًا ويفقد مذاقه ولذته"، فيما تؤكد أم عبد الفتاح،" أكل السجون سيء جداً، يحضرون لهم خضروات عفنة، إضافة إلى أن الأسعار هناك غالية جدًا".
لا يسمح لأهالي المعتقلين بلقاء أبنائهم وجهاً لوجه والسلام عليهم، فكل اللقاءات تتم من وراء سياج ومسافة فاصلة، فتقول "بسجن أريحا المسافة بينه وبيني بعيدة وبدون هاتف، وكل الناس خلال الزيارة يتحدثون بصوتٍ منخفض ولا أحد يسمع حديث الآخر، ولكنني عندما أقترب لمحاولة سماعه يصرخ الحارس مرة جديدة "اقعدوا اقعدوا" واضطر حينها للرجوع إلى مكاني.
في محضر النيابة العامة، ذُكر أن عبد الفتاح وقع مغشياً عليه في أكثر من جلسة، يعود السبب كما تقول عائلته لحادثة وقعت مع عبد الفتاح عام 2007، إذ أطلقت عليه قوات الأمن الرصاص وهو في سيارته، فأصابته رصاصة في رأسه، فيما تعقّب والدة شريم "الدكتور قال لنا يومها إنه من الممنوع لعبد الفتاح أن يتعرض لكدمات أو أي سقوط، لأنه هذا بيشكل خطر إضافي على حياته، ولا نستطيع استئصال الشظايا لصعوبة موقعها"، كما تقول والدة شريم.
بعد وصول علاء للمشفى أُدخل غرفة العمليات مباشرة، وأًخرج من جسمه عدة رصاصات، واحدة منها كانت ملتصقة بالقلب دون إصابته كما ذكرت التقارير الطبية، ومكث في العناية المشددة 21 يوماً متواصلاً، وبعد نقله للسجن وإثر الإهمال الطبي أصابه تلوث في عينه اليمنى وتطور الوضع ليفقد القدرة على الرؤية فيها، "كانوا سيستأصلون عينه حتى لا تؤثر على عينه الثانية، لكنه أجرى عملية وتمكنوا من السيطرة على التلوث، وعينه اليسار أجرى بها 5 عمليات وما زالت تحت العلاج"، تشرح لنا ختام وضع ابنها علاء الصحي.
عام 2009، كان أوج نشاط السلطة الفلسطينية ضد المقاومة المسلحة في قلقيلية فقبل هذه الحادثة، اغتالت الأجهزة الأمنية القيادي بحماس محمد السمان ومساعده محمد ياسين، بعد محاصرتهما في إحدى البنايات التي تحصنا بها في المدينة، تمت كل هذه الأحداث في الفترة التي كانت حركتا "حماس وفتح" تحاولان التوصل بها لاتفاق المصالحة.