إن أحدى أكبر الكوارث التي عاد بها علينا اتفاق العار "أوسلو" هي أننا بتنا ننسى في كثير من الأحيان أننا نعيش تحت الاحتلال وأننا أصبحنا في دولة مستقلة، وما حدث من نقلة نوعية سلبية بعد العام ٢٠٠٥ وما حدث من ترتيبات أمنية واقتصادية جديدة، بيوت، سيارات وسفريات، ومن يواجه العدو هم القليلون، هذا بكل تأكيد انعكس على الجسد الفلسطيني والعقلية الفلسطينية، حيث أصبح الكثير يتعاملون مع أنفسهم على أنهم خارج دائرة الاستهداف، مع أن العدو يسعى لإبادة كل فلسطيني والمسألة فقط بالنسبة له مسألة أولويات ومن هو أقرب الى دائرة الخطر على مشروعه وأمنه، لكن بالمحصلة كل فلسطيني هو هدف في بنك الأهداف الصهيونية.
وبالمناسبة، لا يمكن لسيارة غريبة على المنطقة وبالتحديد سيارة معتمة الزجاج أو من نوع GMC أو اي سيارة غريبة على المنطقة أن تمر مرور الكرام على شاب عايش ونشط في الانتفاضة الاولى والثانية او أواخرها إلا ويستغرب من وجودها ويستنفر جسدياً ونفسياً حتى لا تكون سيارة مستعربين.
هذا الواقع ألقى بظلاله على الحركة الطلابية وهي صاحبة النصيب الأكبر من الاستهداف، حالة من الترهل والتراخي والانقسام والمشهدية والفراغ والافتقار الى التجديد في أدوات العمل والاستعداد للمواجهة وعدم تحمل المسؤوليات، كل هذه تمظهرات لما وصلت إليه الحركة الطلابية في الجامعات الفلسطينية وبالتحديد جامعة بيرزيت وإدارتها المنشغلة في جمع التمويل كي لا تنهار المؤسسة في ظل إهمال متعمد من السلطة لهذه المؤسسة، ناهيك عن معظم أساتذتها المنشغلين في البحث عن إنشاء المعاهد الممولة داخل الجامعة او في مشاريع أبحاث تؤمن لهم العائد المالي.
كان بإمكان الاحتلال اعتقال عمر الكسواني من أي منطقة تريدها نظراً للواقع الأمني المستباح والمخزوق للضفة مع ضرورة التأكيد على أن عمر انتصر على الاحتلال ومخابراته ٤ مرات وفشلت كل جهوده لاعتقاله، لكن الاحتلال هدف في دخوله حرم الجامعة إلى كي وعي الطلبة وتخويفهم وإيصال رسالة إلى الحركة الطلابية شريان الشارع الفلسطيني بأنكم تحت السيطرة وبأننا قادرون على الوصول إليكم في عقر داركم ولن نتهاون في ذلك! وحتى لا يأخذ الموضوع أكبر من حجمه وتسجل المخابرات والقوات الخاصة الصهيونية لنفسها انتصاراً عرمرمياً علينا، يجب الإشارة إلى أن المستعربين دخلوا حرم الجامعة حوالي الساعة ٤:٠٠ عصراً أي كان معظم الطلبة قد غادروا حرم الجامعة وبالتالي تكون العملية أسهل بكثير فيما لو كانت في وقت آخر، وفِي تاريخ التجربة الكفاحية الفلسطينية وحاضرها تجارب كثيرة أذلت وركعت الوحدات الخاصة الصهيونية، فهذه الوحدات لم ولن تنسى الشهيد محمد الأسود "جيفارا غزة" ولا الشهيد محمود ابو الهنود "صائد الدوڤدوڤان" وصولاً إلى الشهيد أحمد إسماعيل جرار الذي أدخل أفراد الوحدة الخاصة الى المشفى وهم مصابون بالرعب والهلع، وابن عمه الشهيد أحمد نصر جرار، وكلنا نعرف كيف أذل المستعربين وكل أجهزة العدو.
ربما تكون هذه الضارة النافعة، وتكون هذه الضربة الأمنية فرصة لتحويل الهزيمة إلى انتصار وأن يشكل حدث البارحة صعقة توقظ الحركة الطلابية من سباتها لتتخذ إجراءاتٍ جديدة ولتبحث عن وحدتها وأدواتها في مواجهة العدو وأجهزته، فهي إحدى قلاع الصمود القليلة المتبقية والواجب عليها أن تكون في رأس حربة المواجهة للمشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، وأن تعي حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقها، والأهم من ذلك ألا تبقى أداة في يد الجهات المتنفذة وألا تنتظر من أحد أن ينشر الوعي داخل صفوفها أو يملي عليها تعليماته، بل يجب أن تبادر في تدعيم صفوفها الداخلية واستعادة المكانة للثقافة الأمنية وربما تشكيل لجان طلابية من كافة الكتل تكون مهمتها حماية أمن الجامعة وتكون على قدر من المسؤولية والتنسيق العالي بالتعاون مع حرس الجامعة وإدارتها، وهذا لا يجب أن يقتصر على جامعة بيرزيت بل كل الجامعات لأنه ومرة أخرى لا يوجد فلسطيني خارج دائرة الاستهداف.
كلنا نعرف أن الأزمة ليست إجرائية فقط ولكن جذورها ضاربة في العمق، لكننا شعب حي لم ولن نستسلم والضربة التي لا تميتنا تزيدنا قوة وبأس.