غزة - خاص قدس الإخبارية: مقيمة غير شرعية في وطنها هي اليوم، مهددة بالانتزاع من بين أسرتها الجديد في الضفة المحتلة وإعادتها إلى قطاع غزة التي غادرتها قبل عامين للقاء خطيبها، فسياسات الاحتلال تمنع أهالي غزة من الإقامة في الضفة.
الشابة ف.أ -التي تتحفظ على ذكر اسمها خوفا من ملاحقتها من قبل الاحتلال وإبعادها عن الضفة- تروي لـ قدس الإخبارية، أنها قبل عامين تعرفت على زوجها، وقد قررا الارتباط، إلا أن الاحتلال كان العائق الوحيد بينهما، "حاولت الخروج من قطاع غزة بكل السبل، حتى تمكنت أخيراً من السفر بتحويلة طبية لمشافي الضفة المحتلة".
كان عليها الخروج في موعد أقصاه 3 أيام، فودعت أهلها وأقاربها وخرجت لا تحمل إلا حقيبتها الصغيرة، لتخرج عبر معبر بيت حانون "إيرز" إلا أن المفأجاة كانت أن موظفي الشؤون المدنية الفلسطينيين لم يتركوها للحظة، بل وصادروا وثائقها أيضا مع بقية المرضى، وأبقوهم تحت المراقبة حتى في المشفى، "كان الشعور قاسي، خطيبي لا يبعد عني سوى أمتار قليلة، ولا أستطيع من رؤيته".
لم تفقد ف. أ الأمل، خلال رحلة العودة الصعبة التي طوال طريق تفكر بطريقة تعيدها إلى الضفة مجددا، وقبل وصوله بنصف ساعة أرجع موظفو الإدارة المدنية لها أوراقها.
تقول، "دخلت المعبر، وقد قررت أنني لن أعود لقطاع غزة، ولن تذهب معاناتي هذه هباءً منثوراً، وقبل الدخول إلى مكان التفتيش في المعبر، كنا في صالة واسعة جداً - فالمعبر يشبه المطار- دخلت إلى الحمام، وبقيت فيه نصف ساعة تقريباً، بدلت فيها ملابسي، وخرجت من جديد، كانت المسافة بين الحمام ومدخل المعبر 100 متر، أحسستها بعيدة جداً لخوفي من المغامرة، خاصةً أن بوابة إلكترونية موجودة على المدخل، وكان يفترض من الجندي الموجود هناك أن يفتحها لي، رأيته يغلق مكتبه ويخرج، كان واضحاً انشغاله بأمر ما، فتح لي الباب وخرجت، وكان قريب زوجي ينتظرني في الخارج، عدنا إلى الضفة الغربية، والتقيت بخطيبي".
لم ترغب ف.أ في تذكر يوم عرسها، فقد كانت غريبة بدون أهل، وهي اليوم مقيمة غير شرعية في وطنها.
أستاذ القانون الدولي رائد أبو بدوية يعلق، أن الاحتلال يؤثر على العلاقات العاطفية، على الرغم من أن اتفاقية جينيف الرابعة تجبر الدولة المحتلة على تسهيل لم شمل العائلات التي تعيش تحت الاحتلال.
لكن من الواضح أن أطماع الاحتلال في الضفة المحتلة هي من تمنع انتقال الغزيين للسكن فيها، فهي تحاول التغيير في ديموغرافيا المنطقة بزيادة أعداد المستوطنيين، لذلك فإن إيقاف لم الشمل بكل أشكاله يخدم أهدافهم.
يضيف أبو بدوية لـ قدس الإخبارية، "أنا لا أظن أن إسرائيل سترفض نقل مكان السكن من الضفة إلى غزة فهي ليست معنية بغزة، بدليل أن العديد من الأسرى الفلسطينيين تم إطلاق سراحهم بشرط الإبعاد إلى هناك".
أبقت اتفاقية أوسلو على صلاحية لم الشمل بيد الاسرائيليين، ليس رضىً من الفلسطينيين، لكن هذا الموضوع ارتبط بما يسمى بمفاوضات حق العودة، وخلال هذه المفاوضات تم تقسيم حق العودة إلى مجموعتين، هما لاجئي عام 48 والذي ترك أمرهم لمفاوضات الحل النهائي، فيما بدأت المفاوضات حول موضوع النازحين، الذي هجروا إبان النكسة عام 67، وافترضت أوسلو أن عودتهم ستكون عبر برنامج "لم الشمل".
يقول مدير الارتباط المدني في مدينة نابلس لؤي السعدي إن آخر دفعة للم الشمل صدرت في 28-9-2000، وبمجرد اندلاع الإنتفاضة في ذات العام، لم توافق حكومة الاختلال على أي ملف لم شمل للعائلات الفلسطينية في الضفة الغربية.
لكن قبل عام 2000، وافق الاحتلال على عدد من طلبات لم الشمل، ورغم إيقافها بأمر عسكري إسرائيلي، إلا أن مفاوضات جرت بين الرئيس أبو مازن وحكومة الاحتلال بعد الإنتفاضة تم بموجبها إعطاء الهوية الفلسطينية ولم الشمل للمقيمين غير الشرعيين في أراضي السلطة الفلسطينية، أي الذين دخلوا بتصاريح زيارة ولم يغادروا، لكن وبمجرد وصول نتنياهو إلى الحكم تم إيقاف كل هذه الإجراءات.
أما عندما يتم الحديث عن لم الشمل للعائلات داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وعائلاتهم في المناطق والدول التي تعتبرها دولة الاحتلال "دول معادية" فهي بذات الصعوبة أيضاً.
فيمنع الفلسطينيون المقيمون في غزة أو المسجلون في السجل السكاني للقطاع منعا باتا من العيش مع أزواجهم أو زوجاتهم في مناطق السيادة الإسرائيلية، ويشمل هذا المنع المطلق سكان الضفة الغربية المحتلة من الرجال دون 35 عاما، والنساء دون 25 عاما، وهذا المنع تم تشريعه عام 2003، ويتم تجديده بشكل شبه سنوي.
ووفقاً لمعطيات وزارة داخلية الاحتلال فقد تم تقديم 2666 طلب "لم شمل" أغلبيتها في القدس المحتلة، بين الأول من كانون الثاني 2013، والواحد والثلاثين من آب 2017، قبل الاحتلال منها 1264، ورفض 600، وجمد 1134 بينما لا يزال 678 طلبا قيد الدراسة، وأغلبية هذه الطلبات مقدمة من نساء فلسطينيات يرغبن بالعيش مع أزواجهن من سكان القدس.
وبحسب مركز القدس للمساعدة القانونية، فإن رفض هذه الطلبات يؤدي إلى تفتيت وتمزيق المئات من العائلات الفلسطينية، بينما يحرم الإطار القانوني الحالي الفلسطينيين من الحصول على أي وثيقة قانونية، أكثر من تصريح إقامة مؤقت يجب تجديده بشكل دائم.