ندرت في آخر مراحل النضال الفلسطيني وهباته المتواصلة حكايات المطاردين، أسماؤهم العالية وأفعالهم المشرفة، آخرهم باسل الأعرج (استشهد صباح 6-3-2017) في مدينة البيرة، وقبله محمد الفقيه (فجر 27-7-2016) في صوريف شمال غرب الخليل، وقبلهم كان معتز وشحة (ظهر 27-2-2014) في بيرزيت، وسبقهم محمد عاصي (فجر 22-10-2013) في كهف بين كفر نعمة وبلعين غرب رام الله.
في ذروة هذه الندرة غير المتوقعة، يخرج الشاب أحمد نصر جرار (24 عاما) من مدينة جنين، ليعيد لأرض الواقع صوت مكبرات جيبات الاحتلال وهي تنادي: سلم نفسك، وعلى خطى من سبقوه، لم يُسلم نفسه، لم يتوارى عن الأنظار خوفا من استشهادٍ قريب، تعمق في الاشتباك، وجعل الملاحقة الاستخباراتية والأمنية والجاسوسية تُعلنه هدفا يجب القضاء عليه بأقصى سرعة.
في ليلة 9 كانون ثاني 2018، حيث قتل الحاخام رزائيل بطلقات المقاومين، أصبح لدينا مطارد اسمه "أحمد نصر جرار"، لم يسمع أحد باسمه من قبل، لكنه ارتبط بمسيرة والده الشهيد نصر جرار، والذي اعتقل عام 1978 وأفرج عنه عام 1988، ليعتقل بعدها في عام 1994 ويفرج عنه عام 1998.
كما كل المطاردين، صار أحمد حكاية الجميع، دعواتهم بأن يسلمه الله، وفخرهم بأن يكون ندا للاحتلال، وجبلا في زمن السهول والأراضي المنبسطة.
يوم الأربعاء 14/8/2002، طوّقت قوات الاحتلال منزل المواطن محمد عبد الله أبو محسن في مدينة طوباس، وأطلقت أربع قذائف باتجاه المنزل الذي جرت في محيطه اشتباكات عنيفة بين نصر جرار وأفراد مجموعته الذين ألح عليهم جرار بمغادرة المكان والانسحاب وعدم قدرته على الانسحاب معهم لكونه مقعدا، استطاعت المجموعة الانسحاب من الموقع الذي تعرّض لقصف من الطائرات الصهيونية مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه قبل أن يتعرض للهدم عن طريق الجرافات الصهيونية، ليرتقي نصر شهيدا تحت الأنقاض.
اليوم، وبعد 16 عاما، صباح الثلاثاء 6-2-2018، في بيت مهجور، مكون من غرفتين، في بلدة اليامون غرب جنين، استشهد المقاوم أحمد نصر جرار، بعد أن خاض اشتباكا بطوليا مع ثلاث وحدات عسكرية اسرائيلية، تاركا وراء جثمانه المقدس الذي اعتقله الاحتلال، دماءه وملابسه ومصحفا.
استشهد أحمد قبل أن يستنفد كامل رصاصاته، ليكمل من خلفه أحمد جديد، الطريق.
تشابهت الحياة كما تشابهت المطاردة بين أحمد ووالده نصر، ووصل التشابه حتى طريقة الاستشهاد، ففي 1/1/2000 فشلت محاولة اغتيال نصر بعد أن قامت قوات الاحتلال بتطويق منطقة سكناه في وادي برقين إلا أنه استطاع الانسحاب بعد أن شعر بتحركاتهم ، وهو ما جرى لأحمد في عدد من ليالي نهايات كانون ثاني 2018، حين كان أحمد ينسحب من ملاحقته في واد برقين وبرقين والكفير ويُفاجئ الجميع أنه "حي"، وما زال، "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".