شبكة قدس الإخبارية

عندما رسم عمال الداخل المحتل ملامح الانتفاضة

إسلام الخالدي

فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخباريةالمواجهة المباشرة مع المحتل، وإلقاء الحجارة، وإشعال الإطارات، لم يكن هو فقط ما ميز الانتفاضة الأولى، فقد شل الفلسطينيون الحياة العامة في الأراضي المحتلة من خلال عصيان مدني وإضرابات عن العمل، الأمر الذي استفز الاحتلال مراراً ودفع لاتخاذ تدابير جديدة بحق الفلسطينيين.

وعلى أعقاب الإضرابات المستمرة والتي كانت تفرضها تنظيمات الانتفاضة على العمال الذين يعملون داخل الأراضي المحتلة عام 1948، من خلال البيانات الشهرية التي كانت تصدر، جعلت الضرائب والخسائر تلحق بأرباب العمل، الأمر الذي أدى إلى ملاحقة العمال واعتقالهم واغتيال بعضهم.

مذكرات تاريخية

وفي الحديث مع الخمسيني رياض أحمد، الذي كان يعمل داخل الأراضي المحتلة خلال الانتفاضة، قال لـ "قدس الإخبارية": "كنا نمارس الضغط على الاحتلال عن طريق الإضرابات، وذلك يأتي ضمن فعاليات البيان السياسي لكل فصيل، ففي كل شهر كان يصدر بيان للقيادة الموحدة باسم قاوم".

ويتابع: "بعض أرباب العمل من الإسرائيليين تأثرت مصالحهم سلباً بسبب هذه القرارات، فالناتج كان سلبياً أودى بحياتهم الاقتصادية للهاوية، في حين كانت الضرائب بالمجمل تعود للجانب الإسرائيلي كمحتل، وكانت غزة تحت وصاية إدارات ضابط ركن، فكل وزارة فيها تخضع لوصاية"، مؤشراً إلى أن إضراب العمال لأيام طويلة ممتدة دون وقت معلن عنه، جعل الاحتلال يتخذ إجراءات جديدة وصارمة بحقهم، ومنها النفير العام عليهم والاغتيال والملاحقة.

وبعد اتخاذ قادة الفصائل قرارًا بمصادرة تصاريح عمال الأراضي المحتلة، الأمر الذي كان سبباً باعتقال بعض العمال وملاحقتهم، إلى جانب حرمانهم من صندوق التقاعد والذي كان كسيف مسلط على رقابهم، إلا انهم ضحوا بذلك، لأجل استمرار الانتفاضة.

إجراءات انتقامية

وعن الاجراءات التي اتخذها الاحتلال مقابل تلك الاضرابات، يضيف أحمد لـ "قدس الإخبارية": أن الاحتلال لجأ لمحاصرة الفلسطينيين اقتصادياً عبر العديد من المجالات، كمصادرة مساحات واسعة من الأراضي تحت ذرائع مختلفة، كإجراء انتقامي ضد الفلسطينيين، وحرمانهم من مساحات كبيرة من الأراضي المنتجة زراعياً، إلى جانب مصادرة الأموال وسرقة البضائع التجارية للتجار الذين يقدمون على الإضراب، بالإضافة إلى توجيه العملاء لحرق المحلات؛ مما ألحق خسائرًا فادحة بحق التجار.

ويؤكد أحمد، على استخدام الاحتلال أساليب غير مشروعة إلى جانب المذكورة سابقاً، كفرض حظر التجول وتقييد حركة دخول العمال إلى الأراضي المحتلة، من أجل خلق وضع اقتصادي صعب للغاية، إلى جانب سياسية هدم البيوت بحجة عدم الترخيص.

إضرابات فاجأت الاحتلال

بينما يشير محمد زقوت (45عاماً) وهو عامل اخر داخل الأراضي المحتلة خلال انتفاضة الحجارة، "مع اندلاع شرارة الانتفاضة الأولى مارس المستوطنون كافة أشكال الاضطهاد والتنكيل بحق الفلسطينيين، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الحياتية، وعلى أعقاب ارتكاب مجزرة مدينة جباليا شمالي قطاع غزة، بعدما أقدم سائق شاحنة إسرائيلي على دهس مجموعة من العمال الذين كانوا عائدين لبيوتهم، مساء 8 كانون الثاني عام 1987، مما أدى لاستشهاد 4 منهم، الأمر الذي أدى لانتفاض الروح الفلسطينية واشعال لهيب الانتقام".

ويضيف زقوت لـ "قدس الإخبارية"، "هذه الحادثة كانت سبباً باتخاذ العمال أساليب متنوعة لقهر المحتل رداً لكرامة الشهداء، باستمرارهم لحملات الإضرابات المفاجئة وغير المتوقعة، فلم يكن بحسبان الاحتلال ذلك، مما تسبب في حالة فوضى عارمة في صفوف الاحتلال، وألحقت خسائر كبيرة بأرباب العمل، ليتخذ بحق العمال أقسى أنواع الإجراءات والرد، ومنها يصل لمرحلة القتل.

العمال جزء من النسيج الوطني

وفي الحديث مع الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، يقول لـ "قدس الإخبارية": "العمال الذين كانوا يعملون داخل فلسطين المحتلة عام 1948، هم جزء من النسيج الوطني ومن الحركة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي وعملهم الاقتصادي والتجاري مع الاحتلال كان أمرًا واقعًا ولم يكن نابعًا عن تنكر، بل كانوا جزء من الحالة الوطنية الفلسطينية واستطاعوا أن يلعبوا دوراً كبيراً في المقاومة الفلسطينية، وجزء منهم أقدم على تنفيذ بعض العلميات الفدائية، ومنهم من شارك بالتفكير والاعداد والتجهيز ومنهم انتقل للمقاومة الفلسطينية بشكل كامل ومنظم".

ويضيف المدهون: "لأن الاحتلال كان أمراً واقعاً والحالة الاقتصادية صعبة جداً، فأصبح الاعتماد على اقتصاد المحتل بذهاب الشباب الفلسطينيين للعمل داخل الأراضي المحتلة، منهم تفرغ للعمل في المصانع والبعض قام بأعمال البناء ليوفروا لقمة العيش، لكن مع اندلاع الانتفاضة بدأت توجهات جديدة للعمال، من ضمنها الإضرابات التي كانت تؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي".

حقيقة واقع العلاقة التجارية والاقتصادية كانت أعقد من أن يتم بترها مع الاحتلال بشكل فوري وبضربة واحدة، فكان يأخذ هذا الأمر وصلة وتدرج بالتعامل مع الإسرائيليين، حتى تم ابعاد عدد كبير من عمال غزة، الأمر الذي زاد الطين بلة على واقع الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي، هذا ما أوضحه.

ويشير المدهون لـ "قدس الإخبارية"، "إلى أن العمال كانوا يتعرضون لعمليات قمع واستهداف، وارتكب بحقهم عدة مجازر منها الدهس، وأخرى حينما قام أحد المستوطنين بإطلاق النار على مجموعة عمال فلسطينيين، مما أدى لاستشهاد عشرة عمال ووقوع عشر إصابات، الأمر الذي أدى إلى حالة انتقالية، أسست لردة فعل من العمال نفسهم على مثل هذه المجازر، كونهم كانوا أكثر ارتباطا بقضيتهم وثوريتهم، وما يمكن وصفهم إلا حالة من النسيج المقاوم الفلسطيني".