شبكة قدس الإخبارية

الوجه الجديد لفيسبوك.. هل يخدع زوكربيرغ المستخدمين؟

هيئة التحرير

علوم وتكنولوجيا - قدس الإخبارية: أشعل انتشار الأخبار الكاذبة في فيسبوك فتيل قضايا لم تكن لا على البال ولا على الخاطر، ففي وقت تبدو فيه شبكة فيسبوك ككيان قوي ينعم بحياة هانئة، خرجت أسماء كبيرة من داخله تؤكّد عكس ذلك تماما.

"مارك زوكربيرغ" (Mark Zuckerberg)، وبعد صمت طويل، قرّر الحديث على العلن مؤكدا أن شبكة فيسبوك تُعاني بالفعل من بعض المشاكل من ناحية طريقة الاستخدام، سيسعى بنفسه للقضاء عليها خلال عام 2018، موجّها جهود مهندسيه أيضا نحو تقديم حلول فعالة، ليبقى السؤال: هل هي خطوة لمساعدة المستخدمين؟ أم مجرد محاولة أخرى للحصول على مزيد من البيانات؟.

التأثير الاجتماعي السلبي

حرصت المؤسسات خلال الأعوام الماضية التي شهدت نموا هائلا لشبكة فيسبوك، على القيام بأبحاث لدراسة الأثر النفسي للشبكات الاجتماعية بشكل عام على المستخدمين، وشبكة فيسبوك بشكل خاص. وتلك دراسات خلصت بنسبة كبيرة إلى وجود تأثير سلبي يدفع للكراهية تارة، ويحثّ على الانتحار تارة أُخرى، لتخرج مُنظمات حقوق الإنسان مطالبة بإيجاد حلول للحد من استخدام المراهقين لهذا النوع من الشبكات.

ولم تبلي شبكة فيسبوك خلال فترة الانتخابات الرئاسية في أميركا بلاء حسنا أبدا، فهي تحوّلت لتصبح مرتعا لمروّجي الأخبار الكاذبة عبر حملات مُنظمة تقف وراءها حسابات روسية ساهمت بحسب الدراسات في تغيير الرأي العام الأميركي من خلال نشر مُشاركات مدفوعة ظهرت لأكثر من 126 مليون مواطن أمريكي، ليخرج "زوكربيرغ" ويؤكد أن مهندسي الشبكة سيعملون بالطاقة القصوى للقضاء على تلك الظاهرة، منوّها بالاستعانة ببعض الجهات الخارجية كذلك للتأكد من مصداقية الأخبار التي تنشر على الشبكة.

تلك الخطوات والتصريحات هدّأت قليلا من موجة الغضب العارمة التي خرجت ضد فيسبوك. لكن "تشامت باليهابتيا" (Chamath Palihapitiya)، أحد المسؤولين السابقين في فيسبوك خرج ليؤكّد أن تلك الخطوات ليست كفيلة أبدا بمحو العار الذي تخلفه الشبكة الاجتماعية، ذاكرا في نفس الوقت أنه نادم على الأدوات التي طوّرتها الشبكة الاجتماعية والتي تؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي للمجتمع.

"باليهابتيا" قال إن التفاعلات التي يحصل المستخدم عليها على مشاركته عبارة عن جرعات مؤقتة من الدوبامين (الذي يمنح العقل شعوره بالسعادة) تؤدي مع مرور الوقت إلى تفككه، دون وجود أدنى شعور بالمسؤولية من قبل إدارة فيسبوك. أما "شون باركر" (Sean Parker)، الذي كان أول رئيس لشبكة فيسبوك، فقال إن موظفي الشبكة ومؤسسيها قاموا باستغلال ثغرات موجودة في التكوين النفسي للإنسان.

ولم يكن كلام "باركر" بتلك البساطة، فهو قال إن فيسبوك غيّرت علاقة الفرد بالمجتمع، وببقيّة الأفراد بطبيعة الحال، مؤكّدا تدخّل الشبكة بحجم إنتاجية الإنسان بشكل غريب جدا، وتلك تأثيرات سلبية لا يعرف ضررها على عقول الأطفال سوى الله. مضيفا أن عقلية تطوير فيسبوك كانت قائمة على إيجاد طريقة لدفع المستخدم لقضاء أكبر وقت ممكن على الشبكة، ومن هنا جاءت ميزات مثل زر الإعجاب الذي يعطي المستخدمين شعورا بأنهم مساهمون في المجتمع.

"زوكربيرغ" وتدارك الموقف

امتصّ "زوكربيرغ" ردود أفعاله وحاول التفكير جيدا قبل التطرق لتلك الاتهامات، فهو لم يرغب بتكرار تباين تصريحاته الذي حصل في قضية الأخبار الكاذبة، ليلتزم بذلك الصمت لفترة طويلة. إلا أنه ومع بداية 2018 خرج بمشاركته السنوية التي يتحدث فيها عن أهدافه الشخصية خلال العام، وبعد أن انتهز أعواما سابقة لتعلّم اللغة الصينية، ولتطوير مساعد رقمي يستخدمه في المنزل، خرج هذه المرة مؤكّدا أنه سيُخصّص هدفه في 2018 لإعادة شبكة فيسبوك لمسارها الصحيح مرّة أخرى.

اعترف "زوكربيرغ" بشكل غير مباشر بوجود مشاكل في الشبكة الاجتماعية، وتحديدا التأثير السلبي الذي تتركه على مستخدميها، لكن ذكاءه هذه المرة لم يخنه أبدا، وتطرق لمسببات المشكلة أولا، وللحلول المقترحة التي سيقوم مهندسيو فيسبوك بها ثانيا، واعدا بمزيد من التحسينات خلال العام الميلادي الجاري.

بحسب "زوكربيرغ"، فإن شبكة فيسبوك بدأت كوسيلة لتسهيل التواصل بين المستخدمين حول العالم بنيّة تقوية الروابط الاجتماعية قدر الإمكان حتى لو كانت افتراضية، لكن وبسبب ازدياد عدد الصفحات العامة وحسابات الشركات التي أصبحت تستغل وجود أكثر من 2 مليار شخص على الشبكة الاجتماعية، بدأت المشاركات غير الشخصية، أي التي تنشرها تلك الصفحات والحسابات، باحتلال المراتب الأولى في صفحة آخر الأخبار (News Feed) الخاصة بالمستخدم، الأمر الذي يجعل تفاعله مع الشبكة غير فعال أبدا، فحتى وعند مشاهدة مقطع مضحك، لن يشعر المستخدم بأي شيء شخصي.

استند المؤسس والرئيس التنفيذي للشبكة الاجتماعية على دراسات وأبحاث قام بها بنفسه بعد الاستعانة ببعض المُختصين في المجال النفسي، ليرد بذلك على تصريحات المسؤولين السابقين وعلى الأصوات التي طالبت بتقليل دور فيسبوك في مشاركة واحدة، أما عن التغييرات التي ستحدث على أرض الواقع فهي ستكون تدريجية، تبدأ من تطوير خوارزميات فيسبوك للحد أولا من المشاركات التي تنشرها الصفحات العامة والشركات، فاسحة المجال بذلك أمام مشاركات أصدقاء المستخدم وأفراد عائلته للظهور قبل أي شيء، وهذا لتعزيز التواصل بين المستخدم وأصدقائه، والعودة بذلك لجذور فيسبوك التي جاءت لهذا الغرض بالأساس.

ولن يتوقف دور الخوارزميات عند هذا الحد فقط، بل ستقوم بتحليل كل مشاركة ينشرها الأصدقاء للتأكّد من أنها ستعجب المستخدم أو أنها ستدفعه للتفاعل معها، وبالتالي ستظهر المشاركات التي تكون احتمالية التفاعل معها من قبل المستخدم ذاته أعلى.

النوايا الخفيّة

لم يكن تأثير مشاركة "زوكربيرغ" إيجابيا أبدا، فهو خسر ما يقارب 3.3 مليار دولار أمريكي خلال ساعات قليلة من نشر تلك المعلومات، وذلك بسبب انخفاض سعر سهم فيسبوك في سوق الأوراق المالية، إلا أن هذا المبلغ قد يبدو بسيطا بالنظر إلى ثروته التي تتجاوز 72 مليار دولار أمريكي.

وبالعودة إلى صُلب الموضوع، فإن كلام "زوكربيرغ" قد يبدو كردّة فعل طبيعية لرئيس تنفيذي يحرص على الشركة التي أسسها، فهو يرغب في أخذ زمام المبادرة لتجنّب الأسوء، لأن النفي لن يفيد أبدا، والأصوات ضد الشبكات الاجتماعية بشكل عام تزداد يوما بعد يوم، وهذا يعني، بشكل أو بآخر، نواياه الحسنة من خلال تلك المبادرة. إلا أن نفس تلك التصرّفات يُمكن أن تؤخذ في اتجاه آخر، أو على الأقل، هذا ما تحدث عنه بعض المختصّين.

يرى البعض أن مشاكل فيسبوك تزداد مع مرور الوقت، الأمر الذي أدى لتقليل حجم البيانات التي يشاركها المستخدم مع الشبكة الاجتماعية، فمن الأخبار الكاذبة، إلى الإعلانات التي لا تتمتع بالمصداقية، وصولا إلى تصريحات المسؤولين، وكل تلك الأمور تزيد قلق مستخدمي الشبكة الاجتماعية وتمنعهم من مشاركة المزيد من البيانات الشخصية، وهذا يعني تأثيرا سلبيا بالنسبة لفيسبوك التي تعتبر بيانات مستخدميها وقودا لتشغيل محرّك المعلنين للحصول على عائدات مادية في كل عام. وبالأرقام، فإن قيمة فيسبوك، وعلى الرغم من جميع تلك المشاكل، نمت بنسبة 40٪ تقريبا مقارنة بالعام الماضي.

ما سبق يعني أن "زوكربيرغ" لا يسعى لإعادة الروابط الشخصية لمستخدمي الشبكة الاجتماعية رغبة منه في إعادة الشبكة إلى جذورها، بل رغبة منه في دفعهم للعودة إلى مشاركة مزيد من البيانات الشخصية مع الأصدقاء، ليتحسن شعورهم من جهة، وتزداد قيمة بيانات فيسبوك من جهة ثانية، إلا أن تلك التخمينات، وعلى طريقة "باركر"، لا يعلم سوى الله بمدى صحتها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإعلانات لن تتأثر أبدا، وستبقى ظاهرة كما هي، صحيح أن مشاركات الصفحات العامة لن تظهر بنفس الكثافة، إلا أن "زوكربيرغ" أشار بشكل مباشر إلى إمكانية الاستفادة من البثّ الحي والمباشر نظرا لتأثيره العالي مقارنة بالفيديو العادي، ومن جهة أخرى، وبالحصول على مزيد من البيانات، ستدفع فيسبوك المعلنين والصفحات العامة للدفع لقاء ظهور مشاركاتهم، لأنها الوسيلة الأضمن لوصولها لنسبة أكبر، وهذا قد يعني أن "زوكربيرغ" يلعب على أكثر من حبل في نفس الوقت، لتكون شبكته الاجتماعية هي الرابح الأكبر، كما هو الحال دائما وأبدا.

لن تنتهي قضية تحسينات فيسبوك بين ليلة وضحاها، تماما مثل مشكلة الأخبار الكاذبة التي استمرت لأكثر من عام، فبسبب عدم وجود تشريعات لتنظيم التقنية في الولايات المتحدة الأميركية، يلعب المستثمرون دورا مهما في القضايا الاجتماعية، فإلى جانب الأصوات التي طالبت بتصحيح أدوات فيسبوك، خرجت أصوات أخرى مطالبة آبل بزيادة الأدوات التي تسمح للأهالي بالتحكم في الأجهزة الذكية الخاصة بأطفالهم، وتلك أصوات لن تختفي أبدا، وستزداد مع مرور الوقت لتقويم التقنية باستمرار في ظل غياب الرقابة القانونية.

المصدر: الجزيرة نت/ فراس اللو