يقول المثل الشعبي: "إلي بجرّب المجرب عقله مخرّب"
منذ إعلان الرئيس الامريكي "دونالد ترامب" القدس عاصمة لكيان الاحتلال الزائل وأنا انتظر الأحداث والأيام عساها تحمل في جوفها ما يعيد للقضية ألقها، وأن أكتب مقالاً إيجابياً لا استطيع فيه حصر المواقف الإيجابية والتحركات الفعلية القادرة على التأثير الحقيقي وتغيير الواقع، تريثت منتظراً وطال انتظاري دون جدوى.
أزِفَ الوقت للكتابة، والأيام حملت الخيبات، وكما قال المثل "إلي بجرّب المجرّب عقله مخرّب"، جربناهم سابقاً وعرفنا مواقفهم، أتحدث هنا عن النظامين الرسميين العربي والإسلامي يضاف إليهما النظام الرسمي الفلسطيني، فمنظمة التحرير الفلسطينية وبعد غياب امتد لـ١٢ يوما عن الساحة والواقع اجتمعوا تحت حراب الاحتلال في رام الله، حيث اجتمعت اللجنة التنفيذية لتثبت لنا أن لا جديد سيحدث، ولن يحصل أي تطور على المواقف مهما تطورت الأحداث، ولتبرهن لنا أيضاً أن رضا السيد الأمريكي وطفله المدلل المغروس في خاصرتنا أهم وأولى من كل القضايا المصيرية، فخطاب رئيسها "محمود عباس" كان باهتاً مكروراً لا يرتقي لمستوى الحدث ولا إلى تضحيات شعبنا العظيمة ودمائه السائلة على مذبح الحرية، كان مستجدياً منبطحاً ذو محتوى فارغ معنويا مفضوح عمليا بالتخاذل والتراجع.
هذا كان فلسطينيا، أما عربيا وإسلامياً فالشعوب وعلى رأسها شعبنا الفلسطيني صدحت حناجرهم "بواد" وغرّدت الأنظمة كما "الزغاليل" "بواد" آخر لا يمُتُ بصلة لوادينا، حيث انقسمت مواقف الأنظمة الرسمية إلى قسمين:
القسم الأول: اكتفى بالتصريحات الرنانة المخاطبة لشعوبها من أجل امتصاص غضبهم الجماهيري ودون فعل حقيقي يَنصُر القضية ويسترد الحقوق كما حدث في الأردن على سبيل المثال لا الحصر، غضب جماهيري حاشد اجتاح المملكة من شمالها إلى جنوبها تنديداً بالقرار الجائر فيما لم يقم النظام الرسمي بفعل حقيقي يلبي الطموحات الشعبية، لن نقول طرد السفير الأمريكي كرد احتجاجي على الرئيس الأمريكي، ولكن لم يتم حتى استدعاء السفير أو القائم بأعماله وإبلاغه رسالة احتجاج على أقل تقدير مع العلم أن القدس تحت الوصاية الأردنية.
القسم الثاني: هُم عربٌ ولكن من الذين أطاعوا رومهم، وعدوهم، حيث جندوا طاقاتهم وإمكانياتهم المختلفة ليس للتضامن مع القدس وفلسطين، وليس نصرةً لقضيتنا المركزية أو مساهمة في رفع الظلم الواقع على شعب ضاق ذرعاً من أشكال التخاذل المختلفة والمتنوعة، فحشدوها وجندوها دعما للكيان الصهيوني الزائل ومن أجل شتم الشعب العربي الفلسطيني راجيين بذلك رضى أسيادهم في تل ابيب ومثال ذلك النظام السعودي ولا داعي لسرد الأحداث فكلنا نعلم والشمس لا تغطَّى بغربال.
ولكن قبل الحديث عن الآخرين ولنكن منصفين ونقول الحقيقة دون مواربة وقبل أن نوجه اللوم على الأنظمة الأخرى وشعوبها مطالبينهم بالانتصار لقضيتنا، يتوجب علينا أن ننظر إلى الوضع الداخلي الفلسطيني وإعادة ترتيبه، فالوضع السياسي والتنظيمي لمنظمة التحرير الفلسطينية مترهل جداً وباءت جميع محاولات إصلاحها بالفشل بسبب سياسة التفرد بالقرار من قبل أحد التنظيمات المسيطرة عليها وإقصاء أطياف أخرى من أبناء شعبنا وحرمانهم من حقهم في التمثيل العادل داخل المنظمة.
كما أننا يجب أن نعترف بأننا فشلنا في كبح جماح تغول رأس المال واليمين الفلسطينيين في دماء شعبنا ومنعهم من تغليب المنفعة الشخصية على المنفعة العامة، حيث أصبحنا نشاهد مباريات علنية على شاشات التلفزة بين رجالات السلطة اليمينيين حيث يتنافسون أيهم يقدم تنازلات أكثر من أجل منفعة شخصية خالصة كتصريحات رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطينية، ومن قبله تصريحات جبريل الرجوب وعزام الأحمد، تصريحات تنوعت بين التنازل والتخاذل وتفريغ غضب الجماهير والكذب والتدليس وخداع الشعب.
لذلك وأمام هذه الخزعبلات السلطوية وقيادييها التي لا تسمن ولا تغني من جوع سوى زيادة مقدار كرامتنا المهدورة، نحن أمام خيارين:
الخيار الأول: بقرار شعبي، إعلان حَلّ السلطة الفلسطينية وإعلان أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر أرض محتلة وليتحمل الاحتلال كافة المسؤوليات المجتمعية والإنسانية في كل مناحي الحياة، وبهذا ستتاح الفرصة للمقاومة الفلسطينية لإعادة ترتيب أوراقها بالضفة الغربية دون الخوف من الاصطدام بأبناء شعبنا من المنتسبين إلى السلطة كما هو حاصل حاليا.
الخيار الثاني: بقرار شعبي أيضا، الإعلان عن موت منظمة التحرير وتشكيل إطار وطني فلسطيني حقيقي جامع لكل أطياف الشعب الفلسطيني دون استثناء تكون قيادته قادرة على الدفاع عن حقوق شعبنا وتنتهج منهجاً واحداً لتحرير فلسطين ألا وهو الكفاح المسلح ولا بديل عنه، تستلم من خلاله دفة القيادة من أجل الهدف حتى الوصول إليه، وأحد أهم أدوار هذا التشكيل إعادة بناء صفوف وكوادر المقاومة تحت راية العلم الفلسطيني، وبهذا يصبح الرحيل لجميع القيادات الحالية المهترئة واجبا ومطلبا وطنيا.
شعبنا ضَحّى ولازال يضحي، وسيستمر بالتضحية حتى تحرير آخر حبة ترابٍ من أرضنا، إن شعبنا في الميادين يعلن مع كل إشراقة شمس أنه على استعداد تام للتضحية في مقابل نيل حريته وتحرير أرضه كاملة غير منقوصة، ولأن العالم الدولي لا يفهم سوى لغة القوة، سيستمع إلينا ويصغي بكل جوارحه، ولكن يحتاج لقيادة حقيقية قوية وليست خانعة وهزيلة كالقيادة الحالية تقوم بإيصال مطالبه للعالم الدولي ويناقشها بقوته المستمدة من الإرادة الشعبية ويقاتل من أجلها.
وكما استطاع شعبنا انتزاع الاعتراف بالمنظمة في وقت سابق سيستطيع أن ينتزع بقوة الحق المسلوب الاعتراف بأي إطار وطني جامع سيتم تشكيله مستقبلاً.