فلسطين المحتلة- خاص قُدس الإخبارية: على الرغم من تطور القدرات العسكرية لدى قوى المقاومة، إلى ما وصلت عليه الآن من قصف قلب مدن الاحتلال الرئيسية بالصواريخ وأشكال التفجير المختلفة، إلا أن المقاومة الشعبية حافظت على أسلحتها الثابتة التي يعاد استخدامها في هذه الأثناء بانتفاضة العاصمة، لتبقى حاضرة وبقوة.
"المقلاع، الإطارات المشتعلة، الحجر، المسامير، والمصائد" إلى جانب العديد من الأدوات التي استخدمها شباب فلسطين في مواجهاتهم مع الاحتلال، هذا ما ميّز انتفاضتي الحجارة والقدس، لتعدّ رموزٌ ثابتة في خدمة القضية الوطنية الفلسطينية.
حكايات مقاوم
وفي الحديث مع حسن حميد (اسم مستعار)، أحد الشباب الذين خاضوا المواجهات مع الاحتلال على حدود غزة، قال "عقب إعلان ترمب قرار جعل القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، وتوجيه الفصائل للتصدي المباشر مع الاحتلال على حدود قطاع غزة، هبّت روح المقاومة لديّ، وتأهبت للمسير مع مجموعة من أصدقائي، لهبة ونصرة المسجد والأقصى والقدس الذي يهوّد على مرأى وأعين العالم ووسط تخاذل عربي ودولي".
وأضاف لـ"قُدس الإخبارية"، "منذ فجر جمعة الغضب، تجمعنا بعد صلاة الفجر؛ كي نضع خطة لتوزيع المهام على كل فرد بداخل المجموعة، فكل له مهامه، منهم من جمع عدد كبير من الحجارة في أكياس مصنوعة من القماش، وبعضهم توجه لشراء إطارات مستعملة، إلى جانب صناعة مقلاع وقنابل يدوية "مولوتوف"، وبعد صلاة الجمعة ذهبنا حيث مكان المواجهات وبدأنا بالسير قدماً على قدم وساق؛ كي نوصل رسالة للمحتل الذي يستخدم كافة أسلحته المدمرة والتي من شأنها أن تفتك أجسادنا، لكننا على يقين بأن النصر بأيدينا".
وبحسب الشاب المقاوم، فانه يعي جيداً مدى حداثة الأسلحة وتطور الإمكانيات لدى المقاومة، إلا أنه أبى أن يسترجع أدوات الانتفاضة الأولى، كونها حاضرة دوماً ومن المستطاع تملكها بأي وقت، ووفقاً للظروف المادية الصعبة جعلت الكثير من الشباب يقدمون على استخدام تلك الأدوات البسيطة، فالتعاون والعمل المشترك كفيل بقذف الرعب بداخل قلوب قوات الاحتلال.
لكن ما أثار الاهتمام هو والد حسن، الذي كان من المقاومين في انتفاضة الحجارة، وله الكثير من الذكريات الجهادية مع أصدقائه وأخيه الذي ارتقى شهيداً بعد إصابته بشكل مباشر في الصدر بعيار ناري متفجر، أودى بحياته، ومن هنا تبدأ الحكاية، حيث قال "في ليلة شديدة الظلمة، كان يفرض علينا منع التجوال آنداك، إلا أن روحنا الجهادية سعت لقلب الأوضاع وبدأت حالة الطوارئ بين صفوف جيش الاحتلال الذين كانوا متناوبين على منطقة سكننا، لاعتقال أي شخص يتجول بعد أذان المغرب، وفي ذات اليوم قمنا برشق جيب عسكري بالحجارة وبالقنابل المتفجرة اليدوية "مولوتوف"، لكن بعد إصابة مجند إسرائيلي إصابة خطيرة، دقّ ناقوس الخطر وبدأ انتشار واسع لجيبات الاحتلال في كل مكان، فحاوطوا المنطقة كلها، وحينها كنا نحن محصورين في مفترق فرعي، ولا يوجد أمامنا أي سبيل سوى الهروب لأقرب مكان آمن، لكن ما حدث كان أخطر".
"الجيش انتشر، وبدأ يعتلي أسقف المنازل، وما كان أمامنا سوى منزل أخي الذي ضحى بحياته من أجل إنقاد مجموعة بأكملها، فأسفل منزله سرداب طويل أشبه بنفق، كان يخبئ به الحبوب والقمح إلا أنه حينها استخدمه وسيلة لمكوث المطاردين والمقاومين، أثناء جولات التفتيش المفاجئ، إلى جانب أنه يختزن أسلحتهم بداخله"، يقول والد حسن
وتابع، "حينها هرعنا سوياً لقرع باب منزله، ففتح الباب ورأى ما رأى، فكانت يده ممدودة للخير، وأسرع بتأميننا، بعدها داهم الجيش منزله وأبرحوه ضرباً للاعتراف حسب ما ورد على ألسنتهم بأن هناك من زعم بوجودهم في المكان وأوشى عليهم، إلا أنه أصر على النكران، فما كان منهم إلا أن احتجزوه خمسة أيام على ذمة التحقيق وفي تلك اللحظة لم يحتمل مزيداً من التعذيب، وفاضت روحه إلى العلياء".
وعن أدوات الانتفاضة التي ما زالت حاضرة وبقوة إلى يومنا هذا، أشار إلى أن استخدام تلك الأدوات ما هي إلا حفاظ على المقاومة الشعبية لأسلحتها البسيطة، مؤكداً على أن الروح الجهادية في تلك الفترة كانت أقوى مما نحن عليه الأن، فالنزاع المستمر بين الفصائل يقوي عزيمة الاحتلال بفعل المزيد والتطاول على حرمات البيت المقدس.
سلاح رهن الإشارة
ومع التطور الراهن لأسلحة المقامة إلا أن التوجهات نحو استخدام أدوات قديمة في الدفاع عن الأرض والعرض ما زالت حاضرة، بحسب ما يبدو واضحًا على أرض المعركة، في حين هناك إطلاق عدد من رشقات الصواريخ على المدن والمستوطنات اليهودية.
"شبكة قدس الإخبارية" تحدثت مع أحد مجاهدي الانتفاضة الأولى وزوجته التي كانت تمد يد العون في مساعدة أبناء التنظيمات ونقل الأخبار لهم، إلى جانب ابنه الذي يمثل اليوم أحد شباب انتفاضة الأقصى.
وقال ممتنعاً عن ذكر اسمه، "بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، ومع اشتداد وتيرة الأزمة على الصعيد المحلي واستمرار حملات الاعتقال الواسعة والتي كانت تشنها قوات الاحتلال بحق أبناء غزة، فما كان منا إلا القيام بالدور المنوط بالدفاع عن الأرض وتعزيز روح المقاومة فيما بيننا، ونزع الخوف الذي كاد يسيطر على نفوس بعضهم، بوضع خطط في كيفية الدفاع والتصدي وصناعة المزيد من القنابل اليدوية؛ لاستخدامها في المواجهات".
وعن مسيرات الغضب أضاف لـ "قدس الإخبارية"، بأن "الشبان الفلسطينييون يسعون دوماً إلى اشعال الإطارات المستخدمة "الكوشوك" خاصة في مسيرات الغضب، أو لسد الطريق أمام مركبات الجيش ومحاصرتهم واغتنام الفرص بقتلهم أو اللحاق بهم، إلى جانب استخدام المسامير المدببة وزرعها في الطرقات لخلق الحيل والسيطرة على مركبات الجيش واعاقة وصولهم إلى الطريق المنوي الذهاب إليه"، مشيراً إلى استخدام المقلاع والحجر الذي بدا حاضراً في انتفاضة القدس اليوم، وما نراه عبر شاشات التلفزة الذي يوضح مدى تأثر شباب فلسطين بأسلحة المقاومة الشعبية البسيطة، فاستخدام سلاح يبدو ظاهراً للاحتلال يجعل صاحبة رهن الاعتقال.
وفي الحديث مع زوجته، قالت "كان الاحتلال يعتقد بأن النساء، لم يكن لهن دور هام من الممكن أن يؤثر عليهم، فممارسات المحتل وغطرسته تزداد مما يدفعنا لفعل دور هام، بنقل الأخبار للشباب المقاومين وتنبيههم، وإيصال الأخبار إليهم عبر كبسولات كان يظنها الجيش بأنها عقار طبي، حتى لو تمكن الجيش من تفتيشنا نبتلعه على الفور؛ كي لا يعلم السبيل الذي من خلاله نرسل به المعلومات".
حجر ومقلاع وسكين، كلمات شديدة اللهجة، يعرب بها ابنه الذي ما زال يذهب حيث مكان المواجهات مع الشباب على حدود القطاع، فيقول "نواصل التحدي مع المحتل الذي يظن نفسه بان أذكى، فلولا دعم أمريكا وبعض من دول العرب لهم، فما وصولا لما هم عليه، فنحن الفلسطينيين بالسكين والحجر نقاتل الاحتلال ومن يؤيده، وسنظل على هذا الدرب حتى نتمكن من دحر كل مستوطن يعتقد بأن فلسطين له".
ويضيف لـ"قدس الإخبارية"، بأن توجههم لاستخدام أدوات المقاومة الشعبية والتي كان يتم استخدامها في الانتفاضة الأولى، نظراً لتوفرها الآني وبكل وقت، ولصعوبة الحياة العامة اليوم يجعل الشباب يفكرون بما هو يناسب مستوياتهم وامكانياتهم، فمواجهات تتجدد يومياً لا يناسبها إلا تلك الأدوات.