شبكة قدس الإخبارية

بئر السبع: ماذا يقبع خلف أبواب المسجد الكبير؟

شذى حمّاد

النقب المحتل – خاص قدس الإخبارية: على باب المسجد الكبير في مدينة بئر السبع، تقطع تذكرة للدخول، لا لتصلي، فهنا يمنع الاحتلال الصلاة منذ عام 1948.

 يفتح المسجد أبوابه أمامك لتبكيه، بعد أن ترى لوحات فنية معروضة في المكان، ليس لفنان إسرائيلي كما جرى في المعارض السابقة، إنما للفنانة الفلسطينية أنيسة أشقر من مدينة عكا المحتلة.

ربما تبدأ بخلع نعليك قبل دخولك، كما تعتاد عند دخول أي مسجد، إلا أنك ستتذكر أن المسجد مستباح منذ 69 عاما، بعد أن تعريته من سجاد الصلاة، ولم يرفع به الآذان منذ ذاك الوقت، إلا أنه سيبقى بنظرنا "المسجد الكبير".

"لأول مرة منذ افتتاحه: متحف ثقافات الإسلام في بئر السبع يستضيف معرضاً لفنان مسلم"، هكذا عنونت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، خبر إقامة الفنانة الفلسطينية معرضها داخل "المسجد الكبير" الذي حوله الاحتلال لمتحف عام 1953.

 المعرض الذي يحمل عنوان "ذهب أسود" والذي سيبقى قائما حتى شهر آذار المقبل، يشمل مجموعة من اللوحات الفنية والصور الفوتوغرافية التي يزينها الحرف العربي، بتناقض يلفظه المكان، علقت على جدران تحتفظ بدماء شهداء مجزرة ارتكبت داخل المسجد.

مديرة "المتحف" قال في مقابلة مع "هآرتس"، إن "عدداً كبيراً من الفنانين العرب يرفضون عرض أعمالهم في المتحف، ومنهم أنيسة أشقر، التي رفضت أن تعرض أعمالها في معرض مشترك، ولكنها طلبت أن يكون لها معرض خاص لها"، وهو ما أتاحه المتحف لها حتى آذار المقبل.

النائب في الكنيست الإسرائيلي سعيد الخرومي ، دعا الفنانة أشقر لسحب معرضها من المسجد الكبير، وطالبها في بيان له، "بعدم التعاطي والتماهي مع من اغتصب مسجد بئر السبع، والالتزام بمقاطعة متحف بئر السبع المزعوم الذي يعرض أعماله في قاعة الصلاة في مسجد بئر السبع".

وقال في بيان صحفي وصلت قدس الإخبارية نسخة منه، "مسجد بئر السبع هو حق خالص للمسلمين، وهو مغتصب من قبل إسرائيل وبلدية بئر السبع منذ عام النكبة، وفي السنوات الأخيرة وبقرار من المحكمة العليا حولته بلدية بئر السبع الى متحف.. حتى الآن امتنع أبناء شعبنا من زيارة المبنى كمتحف، وأمتنع الفنانين العرب من التعاطي مع إدارة المتحف المزعوم ورفضوا عرض أعمالهم فيه".

وتابع، "من المؤسف أن تقوم فنانة عربية بكسر هذه المقاطعة وعرض أعمالها فيه.. أدعو الفنانة أنيسة أشقر للتراجع سريعاً عن هذا القرار المهين لمشاعر أهلنا في النقب وكل المسلمين والشرفاء في العالم". ليست المرة الأولى التي يتورط بها فلسطينيون ومسلمون مع "المتحف الإسرائيلي"، فقد أقامت الفنانة الإيرانية شيرين نشأت معرضا فيه، فيما وضعت أعمال فنية لفنانين فلسطينيين وعرب، قيل فيما بعد أنه تم نشرها دون اتصال مباشر معهم، إلا أن إصرار أنيسة بالاستفراد في المسجد، في حين يمنع أهالي النقب من إقامة صلاتهم فيه، تخطى كل خطوط التطبيع بنظر كثيرين.

 لمحة تاريخية

"المسجد الكبير"، أول مسجد شيده المسلمون في النقب عام 1906، تزامنا مع بناء المدينة التي اتخذت عاصمة جنوب فلسطين، لتوسطها الطريق الواصل بين الخليل وغزة.

بقي المسجد مفتوحا للصلاة حتى عام 1948، إذ حولته عصابات الهاغانا لمعتقل جمعت فيه أسرى مصريين وفلسطينيين، وتشير رواية شفوية لعودة الأشهب أدلى بها لموقع الجزيرة نت، أن أحد عناصر العصابات ألقى بقنبلة اتجاه الأسرى، ما أدى لاستشهاد عدد كبير منهم، بعدما تناثرت دمائهم على جدران المسجد.

حسب الموقع الالكتروني لما يسمى "متحف الحضارات الإسلامية والمشرق"، ففي عام 1952 تم تحويل "المسجد الكبير" إلى "متحف النقب"، على يد "تسيبي عوفر" - مهندس بلدية بئر السبع، وأتيح حينها لزوار دفع رسوم الاشتراك قيمتها " 100 قرش"، لتتاح لهم فرصة الصعود للمئذنة.

ويكشف الموقع الالكتروني في تعريفه للمتحف، أنه تم استحضار معالم أثريّة مميّزة ومهمّة للنقب إلى المتحف، من ضمنها حفريات تعود للعصور الحجرية والبيزنطية، فيما نقلت إليه فسيفساء مُقدّر تاريخها للقرن الخامس والسادس، إضافة لأداة صوّان من العصر الحجري ومجموعة أدوات وتماثيل من حفريات النقب، وساعة شمسية مصنوعة من حجر أبيض محفور عليها كتابات بيزنطية، تعرض هذه الاكتشافات الأثرية بنسبها إلى التاريخ الإسرائيلي، الذي يدعيه الاحتلال.

بحجة ترميمه، بدأت سلطات الاحتلال بإجراء عمليات ترميم في المسجد الكبير في عام 1992، واستمرت تلك العمليات حتى عام 2008 وتم إنهائه عام 2010، وأطلق عليه "متحف الحضارات الإسلامية والمشرق".

بدأ الفلسطينيون في النقب بخوض معارك جديدة يحاولون خلالها انتزاع حقهم باستعادة مسجدهم وأداء الصلاة فيه، إلا أن محكمة الاحتلال أصدرت قرارا في حزيران 2011، تضمن أن يُستعمل المسجد كمتحف خاص "لثقافة الإسلام والشعوب الشرقية"، إلا أن بلدية بئر السبع لم تطبق القرار حتى كانون الأول من عام 2014، فيما تواصل ارتكاب انتهاكات عديده تمس مشاعر أهالي النقب والمسلمين وتتناقض مع عنوانه، فيما ما زال أهالي النقب يؤكدون رفضهم له ومقاطعتهم وعدم زيارة المعارض التي تنظم داخله.