شبكة قدس الإخبارية

هل يفتح حل اللجنة الإدارية طريق الوحدة؟

هاني المصري
أقدمت حركة حماس، في خطوة مهمة، على حل اللجنة الإدارية من دون شروط، ودعت حكومة الوفاق إلى القيام بمسؤولياتها في قطاع غزة، وإلى عقد لقاء مع حركة فتح وبقية الفصائل لبحث تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتطبيق اتفاق القاهرة، وإجراء الانتخابات العامة. صحيح أنها خطوة متأخرة، ولكنها "ضربة معلم"، وينطبق عليها قول "أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا". وكنت قد دعوت مثل غيري إلى الإقدام على هذه الخطوة، ولو من جانب واحد، أو بالتزامن مع إلغاء الإجراءات العقابية. كما دعوت الرئيس و"فتح" إلى إلغاء الإجراءات العقابية، ولو من جانب واحد، لأن التنازل عن المصالح الفردية والفئوية من أجل خدمة الوطن والشعب والقضية لا تضعف من يُقدم عليها، بل تقويه أمام شعبه . الخبر الجيد يتحقق إذا أقدم الرئيس على إلغاء الإجراءات العقابية، والدعوة للشروع في حوار شامل بالقاهرة يحدد له زمن قصير، يتركز على خطة لتنفيذ اتفاق القاهرة، مع السعي لتطويره، آخذين العبر والدروس من فشل الجهود السابقة لتطبيقه، ومع ضرورة أخذ التطورات السياسية الهائلة التي حدثت منذ توقيعه حتى الآن، وانعكاسها على القضية الفلسطينية، بما فيها ملف الوحدة، في الحسبان. أما الخبر السيئ بأن تماطل "فتح" قبل الاستجابة، انتظارًا لمعرفة التفاصيل، وإلى ما يمكن أن يحدث خلال لقاء الرئيس بترامب، يوم غد، في نيويورك، أو أن تطلب من الحكومة ممارسة العمل في قطاع غزة، وانتظار سيطرتها الكاملة قبل إلغاء الإجراءات العقابية، أو قبل الشروع في الحوار لتنفيذ الاتفاق، مما سيقابل بتعطيل من "حماس" التي تريد أن تعرف ماذا ستحصل مقابل التخلي عن سيطرتها الانفرادية على القطاع. تكمن أهمية ما جرى في عودة مصر لتنشيط دورها في ملف المصالحة، ونجاحها في إقناع "حماس" بحل اللجنة الإدارية، الأمر الذي من شأنه، في الحد الأدنى، استئناف الجهود الرامية إلى إنهاء الانقسام التي تجمّدت منذ فترة. وفي الحد الأقصى، هناك فرصة أكبر لإحداث تقدم ملموس في هذه الجهود. ما سبق لا يعني أن الطريق أمام الوحدة باتت سالكة، فالجهود السابقة فشلت حتى قبل تشكيل اللجنة الإدارية، وتطبيق الإجراءات العقابية، ويمكن أن تفشل مجددًا إذا لم يتم استخلاص الدروس والعبر من التجارب السابقة الفاشلة، وإذا لم تتوفر القناعة والإرادة أن العودة إلى ما قبل الانقسام من دون توفر رؤية وطنية لإنقاذ القضية وإعادة بناء الحركة الوطنية والتمثيل يعني إمكانية الانقسام مجددًا، وأن الوحدة يمكن أن تخدم طرفي الانقسام والأطراف العربية والإقليمية والدولية، ولو تكتيكيًا. أهم درس يجب الإستفادة منه ضرورة عدم تكرار القواعد والطرق التي اعتمدت سابقًا، والتي أبرز سماتها تأجيل البت في القضايا الأساسية المختلف عليها، مثل: الاتفاق على البرنامج السياسي، وأسس الشراكة، والأمن، وتوحيد المؤسسات في السلطة والمنظمة، مقابل التركيز على الجوانب الشكلية والإجرائية، مثل تشكيل الحكومة من دون الاتفاق على برنامجها، ولا على أي أسس ومعايير يتم إعادة بناء وتوحيد الوزارات والأجهزة الأمنية. فـ"فتح" تعطي الأولوية لاستعادة قطاع غزة وانصياع "حماس" لبرنامجها وقيادتها للسلطة والمنظمة. أما "حماس" فتعطي الأولوية للحفاظ على سلطتها في القطاع ومراكمة إنجازات جديدة. ومن دون تغيير هذين الموقفين بصورة جوهرية لا يمكن إحداث اختراق حقيقي في ملف الوحدة. لقد أدى إهمال الاتفاق على القضايا الجوهرية إلى سقوط حكومة الوحدة الوطنية بُعيد "اتفاق مكة"، خصوصًا على صخرة الخلاف على مرجعية أجهزة الأمن، وتفجر الخلاف مجددًا بعد تشكيل حكومة الحمد الله التي كانت في البداية حكومة وفاق وطني، على  الخلاف حول اعتماد موظفي "حماس" فورًا، بينما ترى "فتح" بتطبيق الاتفاق الذي ينص على تشكيل لجنة إدارية قانونية تتولى بحث وحل مسألة الموظفين، من دون التزام مسبق بتعيينهم. ما سبق يدل على أن هناك قضايا عدة لا بد من الاتفاق عليها، وتطبيقها كرزمة واحدة هو الطريق المضمون لإنجاز الوحدة الحقيقية، بحيث يعرف كل طرف منذ البداية ماذا عليه أن يقدم وعلى ماذا سيحصل. أما إعادة تكرار تجربة دعوة الحكومة للعمل فورًا في ظل التعقيدات والتراكمات والأوضاع الناشئة بعد أكثر من عشر سنوات على وقوع الانقسام من دون تسليحها بالسياسة والأدوات والمعايير الكفيلة بالحل؛ يعني وضعها في حقل ألغام سرعان ما تنفجر في وجهها. وعلى سبيل المثال، كيف ستسيطر الحكومة على المعابر والحدود في ظل سيطرة "حماس"، وكيف ستحكم وزارات وأجهزة أمنية عينت القائمين عليها حكومة "حماس"؟ فلا يعقل مطالبة الموظفين المتوقفين عن العمل بقرار من السلطة بالعودة إلى مزاولة عملهم بعد هذا الغياب الطويل، وإبعاد الموظفين العاملين حاليًا، ولا دمج تعسفي للطرفين. الحل يكمن في تشكيل لجنة وطنية إدارية قانونية تنظر بكل وضع الهيكل الوظيفي للسلطة في الضفة والقطاع، وإعادة بنائه على أسس ومعايير تحقق المصالح والأولويات الفلسطينية، وتناسب الواقع والحقائق الجديدة. مثال آخر منظمة التحرير، إذ ينص اتفاق القاهرة على قيام لجنة تفعيل المنظمة بدورها كإطار قيادي مؤقت إلى حين عقد المجلس الوطني التوحيدي، الذي سيقوم بانتخاب المجلس المركزي واللجنة التنفيذية وإقرار البرنامج السياسي. فمن جهة، تطالب "حماس" بتفعيل الإطار القيادي المؤقت إلى حين عقد المجلس الوطني التوحيدي، وهذا ما عارضته "فتح" رغم النص عليه في الاتفاق من جهة أخرى، إذ طالبت بإنهاء الانقسام أولًا، وخصوصًا إنهاء سيطرة "حماس" على القطاع قبل أن تصبح شريكة في المنظمة، وهذا ينطوي على وجاهة. مثال ثالث البرنامج السياسي، فمنذ بدء حوارات القاهرة، كان موضوع الخلاف على البرنامج السياسي من أهم المواضيع التي أعاقت تحقيق الوحدة، خصوصًا في ظل شروط اللجنة الرباعية الدولية التي استخدمت لمقاطعة حكومة الوحدة الوطنية، واستُخدمت من واشنطن وتل أبيب لعرقلة أي حكومة تشارك فيها "حماس" أو تحظى بتغطيتها. صحيح أن هذه العقدة كانت الأكبر في البداية، وأصبحت بعد "إعلان الدوحة" أقل من عقدة الخلاف على الموظفين، خصوصًا إذا صحت الأنباء عن رفع الفيتو الأميركي الإسرائيلي عن ملف المصالحة، كما صرح موسى أبو مرزوق نقلًا عن أوساط عربية، وكما نقلت مصادر فلسطينية وإسرائيلية عن المبعوث الأميركي جيسون غرينبلات (وهذا من الصعب تصديقه، خصوصًا بالنسبة لإسرائيل التي ساهمت في وقوع الانقسام وتسعى جاهدة لاستمراره وتعميقه). إن أي تغيّر في الموقف الأميركي – الإسرائيلي لن يعدو أن يكون أكثر من مناورة ترجع إلى أن واشنطن وتل أبيب لا تريدان أن يصل الوضع في غزة إلى مرحلة الانفجار الذي سيلقي حممه على إسرائيل، وعلى الجهود الأميركية لتحقيق صفقة القرن والحل الإقليمي، كما تأمل من خلال ذلك في احتواء "حماس"، وإفشال سيرها نحو المحور الإيراني السوري وحزب الله، وهذا يتطلب موافقة "حماس" على العملية السياسية الجاري التحضير لإطلاقها أو عدم تعطيلها على الأقل. مثال رابع، هناك خلاف على تفعيل المجلس التشريعي مع أن اتفاق القاهرة، وكل الملاحق التي أُعلنت بعده، نصّت على عقده بعد خمسة أسابيع على تشكيل الحكومة ولم يطبق هذا البند. الآن، موافقة "فتح" على ذلك أصعب بكثير، لأنها تخشى من أن الأغلبية التي تتمتع بها "حماس"، والتي ازدادت بتحالفها مع تيار دحلان الذي له عدد كبير من الأعضاء، سيجعل الحكومة القادمة تحت رحمتها. كما بمقدور هذه الأغلبية أن تلغي ما تريد من المراسيم بقانون التي أصدرها الرئيس خلال فترة الانقسام. كما تعطي لـ"حماس" أفضلية بأن يحل رئيس المجلس التشريعي الذي يمكن أن يكون من "حماس" أو يحظى بدعمها محل الرئيس إذا شغر منصبه لأي سبب. وبدلًا من ذلك، صرح بعض قادة "فتح" إذا كانت الانتخابات ستعقد بعد أشهر عدة، فلماذا الإصرار على عقد المجلس التشريعي؟ على الرغم من أن الصورة بعد هذا العرض تبدو قاتمة ولا تبشر بالخير، هذا فيما يتعلق بتوقع اختراق جوهري، إلا أنها لا تكتمل من دون الإشارة إلى أن تعمق المأزق العام التي تعاني منه السلطتان المتنازعتان اللتان وصلتا إلى طريق مسدود ينذر بانهيارهما لصالح خيارات وحلول إسرائيلية وغير فلسطينية، الأمر الذي قد يفتح المجال لبعض الانفراجات الجزئية، وهي أفضل من لا شيء، مع أنها لا تضمن عدم الانهيار مجددًا. الموافقة على الشراكة هي كلمة السر لتحقيق الوحدة، من دون هيمنة أو تفرد أو إقصاء أو إلحاق، وبلا احتكار للدين ولا الوطنية ولا الحقيقة، إذ يأخذ كل طرف حقه أولًا من خلال التوافق الوطني الذي يركز على إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات، والمبني على معايير موضوعية، ثم ثانيًا الاحتكام إلى الانتخابات العامة كتتويج لإنهاء الانقسام. أما اعتبار الانتخابات المدخل لإنهاء الانقسام فهي وصفة مؤكدة لعدم عقدها، وإذا عقدت ستكرس الانقسام وتحوله إلى انفصال، فلن تسلّم لا "فتح" ولا "حماس" بخسارة انتخابات تقصي أيًا منهما، ولكنها ستكون خطوة نوعية إذا جاءت ضمن اتفاق على المشاركة، وبما يحفظ أدوار مختلف القوى، وبصورة تعكس نتائج الانتخابات بغض النظر عن الفائز والخاسر فيها.