غزّة- خاص قُدس الإخبارية: لا زال الوضع الاقتصادي المتردي في قطاع غزّة، يلقي بظلاله السلبية على مناحي الحياة المعيشية، فبعد فقدان أعداد كبيرة من الشباب فرصهم في الحصول على عمل، توجّه العديد منهم إلى الانخراط في مهنة الصيد البري كخطوة للخروج من الضائقة والأزمة المالية التي يتعرضون لها.
يذهب الشبان حاملين شباك الصيد إلى العديد من المحميّات التي توجد على حدود قطاع غزة، وخاصة في منطقة الواحة شمالًا، ومنطقة جحر الديك شرقاً لصيد الطيور النادرة والمهاجرة، والتي تأتى بشكل موسمي مهاجرة من دول أوروبا فيتم اصطيادها إما بغرض الطعام أو بيعها للزينة، والبعض يتخذها وسيلة للتسلية والترويح عن النفس في ظل الظروف القاسية التي يمرون بها.
ومن الطيور التي يتم اصطيادها بشكل كبير طائر "السمان والفر والهدهد والحسون والكنانير" بكافة أشكالها وألوانها، ويمارس الشبان طقوس مهنتهم مع بداية شهر مايو من كل عام حتى نهاية ديسمبر، حيث يتركز في هذه الفترة رحلات هجرة جماعية لعدد كبير من الطيور، يكون الصياد بغزة على علم ودراية بموعدها.
وفيما يتعلق بالمواسم، فتتم عمليه الصيد خلال موسمين الشتاء والصيف، فصيد الشتاء يطلق عليه "الجردي" وصيد الصيف يطلق عليه "البلدي" وفيه يتم صيد طائر الحسون.
وما يثير الجدل أن تزايد أعداد الصيادين الذين يمارسون تلك الهواية أثّر بشكلٍ كبير على استنزاف أعداد كبيرة من الثروات الطبيعية المختلفة، تحت مسمى "الصيد الجائر" في ظل غياب القوانين التي من شأنها تنظيم عملية الصيد، حيث أن هذه الطيور لها فائدة كبيرة ولاسيما على الزراعة والمزارعين، فبعض الطيور المهاجرة تقوم بالقضاء على نوع من الديدان السامة التي تتعرض لها بعض المحاصيل الزراعية.
في منطقة الواحة شمال قطاع غزة يخرج الصياد أبو محمد الأشقر، برفقة مجموعة من الصيادين حاملين على دراجاتهم النارية أدوات الصيد من العصي والشباك، ومع صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس وهى الفترة التي تبدأ بها الطيور بالبحث عن طعام لها وتتنقل من مكان لأخر.
الصياد أبو محمد يقول، "اتخذ من صيد العصافير مهنة لكسب المال وتوفير متطلبات أسرتي في الوقت الحاضر، فقد كنت أعمل في مهنة القطيف داخل الأراضي المحتلة، ولا مجال الآن للعمل بالتصريح هناك، لكن اليوم أنا بحاجة للصيد وما يجلبه من مال ورزق لكي أوفر لأطفالي وعائلتي قوت يومهم خاصة في ظل تأزم الوضع المعيشي".
"للذكر مثل حظ الأنثيين"
وحول أسعار العصافير التي يصطادها، قال أبو محمد، "أنا أركز في هذه الأوقات وهى فصل الصيف على صيد طائر الحسون كغيري من بعض الصيادين لأن سعر الحسون الذكر يصل لـ 300شيكل، وذلك حسب مواصفات الجمال والصوت القوي المتوفرة فيه، أما الأنثى من الحسون فلا يتجاوز سعرها 150 شيكل."
وبيّن في حديثه لـقُدس الإخبارية، أن عملية الصيد تحتاج إلى جهد، فهي مهنة ليست سهلة ومحفولة بالمخاطر، وهى تربص قناصة الاحتلال والدبابات لنا على الحدود، خاصة وأننا نمارس تلك المهنة في أقصى نقاط تفصل على الحدود مع الأراضي المحتلة، وهى المناطق الزراعية الخالية فهناك عدد من الأصدقاء ممن يمارسون مهنة الصيد استشهدوا بعد إطلاق الأبراج العسكرية النار صوبهم.
والأمر الآخر أننا نقوم بتدريب أنواع معينة من العصافير من نفس الأنواع التي يتم اصطيادها، فمن العصافير من يتم تخصيصه للتغريد، ويسمى الزعيق وتكون مهمته إصدار الأصوات عندما يرى أسراب الطيور من فصيلته لجذبها إلى الشبكة، يقول الصياد.
ولا يختلف حال الصياد محي الدين درويش"عن غيره، فيقول، "أستيقظ في الصباح الباكر، وأتوجه كل يوم إلى منطقة معينة من مناطق الصيد المنتشرة في القطاع فعند الوصول أقوم برصد حركة الطيور وطرقها فأقوم بنصب الشباك الأرضية ووضع عدد من أقفاص العصافير ذات الأصوات الجميلة بجانب الشباك لجذب الطيور أثناء تنقلها"
وعن هذه المهنة يقول لـ قُدس الإخبارية، "لم يعد صيد الطيور مجرد هواية، ولكنه أصبح مصدر رزق خاصة بعد أن وجدت إقبالًا كبيراً على أنواع مختلفة من العصافير ودفع مبالغ كبيرة مقابله هذا شجعني على الاستمرار في صيدها، في ظل عدم وجود أي فرصة عمل لي وحول مخاطر المهنة يقول درويش نتنقل بحذر شديد خلال عملية الصيد على الرغم من أن الاحتلال يرى ويشاهد بوضوح ما نقوم به من مهنة سلمية، إلا أنه يحاول في بعض الأحيان إطلاق النار المتقطع اتجاهنا لمغادرة المكان إلا أننا نبقى في أماكننا"
وكانت تمنيات الصياد تتخلص في تحسن الأوضاع في قطاع غزة للأفضل، إضافة إلى توافر فرص العمل والأجور الكافية بدلًا من الذهاب للموت بأنفسنا والتعرض للمخاطر.
البيئة والقانون!
من جهته بين الخبير في الشأن البيئي أيمن دردونة، "أن عمليه الصيد الجائر والتي تشهد إقبالا بشكل واسع تؤثر بشكل سلبي على انقراض العديد من الطيور حيث أن طائر الحسون المشهور انقرض بشكل كبير بسبب ازدياد أعداد الصيادين الذين يداومون بشكل يومي على اصطياده في ظل بيعه بثمن باهظ على الرغم من أن هذا الطائر من أفضل أنواع الطيور الفلسطينية ذات الأصوات والألوان الجذابة".
وأضاف دردونة" لـ"قدس الإخبارية"، " أن الزحف العمراني الكبير واقتصاص العديد من المزارع والأراضي المشجرة إضافة إلى تلوث العديد من المساحات الخضراء يعتبر عامل رئيسي من عوامل انقراض بعض أنواع الطيور المهاجرة، مشيرًا إلى أنه لابد من سنّ قانون للصيد يحدد المواعيد الخاصة بالصيد ومنع صيد الطيور في مواسم الهجرة والتكاثر ويحدد أيضًا الأنواع المحظور صيدها والأنواع المسموح بها.
كما ينبغي العمل على إبراز أهمية الحياة البرية وجعلها هدفاً هامًا في التنشئة التربوية نحو تعزيز مفهوم حماية الطبيعة من أجل توفير بيئة سليمة للأجيال القادمة تشمل استفادتهم منها وتنميتها بشكل مستديم.
ويعتبر قانون البيئة الفلسطيني الذي أقره المجلس التشريعي عام 1999م، لم يتطرق إلى إعداد لوائح تنفيذية وقضائية بشكل تفصيلي عن عمليات الصيد بكافة أنواعها سواء صيد البر أو البحر، وهذا ما جعل الفوضى في عملية الصيد منتشرة دون حسيب ورقيب.