افتتحت هبة القدس في أواخر 2015 بعملية مسلحة هي عملية بيت فوريك (إيتمار) وافتتحت الهبة الحالية بعملية "الجبارين" الثلاثة بالقدس، وأزعم أن هذه سلسلة متصلة منذ العام 2014، منذ أسر المستوطنين الثلاثة، وحرق الطفل محمد أبو خضير، وحرب غزة.. كل من يلاحظ تحولات الجيل الجديد، يمكنه أن يدرك دور الرافعة الذي قامت به الحرب الأخيرة.. يصرّ بعضنا على قراءة كفاحاتنا على أنها جزر معزولة، سواء بين المقاومة المسلحة والشعبية، أو بين نضالات المناطق.
لا يمكن القول إن نضال المقدسيين كان ممكنا دون الفاتحة التي صنعها "الجبارين" الثلاثة، ولا يمكن إخراج عملية عمر العبد من المعادلة، العملية الأولى صنعت الأزمة التي أعادت حشد الناس، واعتصام الناس ورباطهم كان حجر الزاوية بعد ذلك، وعملية عمر العبد منحت نضال المقدسيين بعده الفلسطيني العام، واحتمالات تطور المعركة، فكما ضغط حشد المقدسيين على أعصاب العدو، ظل العدو متخوفا من عمليات لا يدري من أين تأتيه.
كان ثمة خشية من استغلال عملية "الجبارين" لتقسيم الأقصى، ولكن ما حدث فيما بعد في القدس يثبت أن الواجب والصحيح في الوقت نفسه، هو إكمال عملية المواجهة، والبناء على أي عمل مقاوم، لا التفرغ للذم والتقريع وجلد المقاومين، وهذا هو الفرق بين من انشغل بالتقييم السلبي لعملية "الجبارين" وبين من بنى عليها.
العدو الوقح، الذي عودنا على عدم التنازل، الذي أذل الشرف العربي بحادثة حارس السفارة بالأردن؛ يمكن أن يخضع ذليلا، ويولي هاربا دون سابق إنذار، كما فعل من قبل بانسحابه من لبنان وغزة، وكما ذل وخضع لعمليات تبادل الأسرى، المهم الثبات والصمود، والنتائج قد تأتي وقد لا تأتي، ولكن كونها تأتي متفرقة، يعني أن الأصل الثبات في معركة طويلة الأمد.
نحن لسنا ثلاثة شعوب، بل شعب واحد، خلق العدو بيننا ظروفا جغرافية واستعمارية متباينة، من جهة علينا أن نقرأ نضال أي منطقة على أنها جزء من نضالنا الواحد، ولكن تقييم نضالاتنا في كل منطقة يجب أن يراعي الظروف الخاصة حتى لا نقع في مقارنات اعتباطية.
المقدسيون حققوا انتصارا عظيما برباطهم وحشدهم، وكشفوا لنا عن حكمة الله أن جعلهم حراس المسجد المقدس من دون العالمين، ولكن القدس لم تتحرر، والانتصار حصل في معركة جزئية، وقد سبق للمقاومة أن حققت عددا من الانتصارات من هذا النوع مثل استكمال إخراج الاحتلال من غزة، وإتمام صفقة تبادل الأسرى، ولا يمكن لنا أن نتخيل أننا في كل معركة كبرى أو جزئية في صراع معقد طويل يمكننا أن نحقق دائما أهدافنا الأساسية أو الجزئية.. فالمقارنات التي تفترض الفشل في المناطق الأخرى غير صحيحة.
وحتى الأمس كنا نقارن بفخر سلوك المقاومة في غزة مع مجرمي الاحتلال الذين بين أيديها وبين سلوك الحكومة الأردنية مع المجرم القاتل الصهيوني حارس السفارة.
المطلوب الآن هو البحث في تطوير كفاحاتنا، وكيفية حشد الجماهير على نضالات جزئية محصورة، يمكن من الناحية العملية حشد الجماهير عليها، ويمكن من الناحية المعنوية الشعور بجدواها، دون أن نغيب إشكالية عامل السلطة المعيق بالنسبة للضفة الغربية.
الوحدة في القدس، كانت على أساس مواجهة الاحتلال، وكانت الوحدة في الشارع وفي الصلاة، ولم يكن الأقصى ببعده الديني، ولا الصلاة بما هي أداة نضال؛ سببا للانقسام الإيديولوجي.. هذا هو المستفاد الصحيح من درس الوحدة.