بينما يعتصم المقدسيون لليوم الثالث على التوالي عند أبواب المسجد الأقصى؛ رفضاً لسياسة تركيب البوابات الإلكترونية وتفتيش المصلين قبل دخوله، فارضين بذلك سيادتهم الإسرائيلية الكاملة على المسجد وروّاده، يسطّر أهالي البلدة القديمة المجاورة لأبواب المسجد، معاني التضامن الشعبي والوقوف صفّاً واحداً ضد المحتلّ كما كانوا دوماً.
فمنذ ساعات الصباح الباكر، ومتى بدأ المقدسيون بالتجمع للاعتصام حتى يظهر كرم المقدسيين المقيمين في الأنحاء، من خلال توزيع المياه الباردة وأكواب الشاي والقهوة، عنب وخوخ وبطيخ وحبات تمر تتطاير بين يد المكرِم والمكرَم، ولا تكاد تمر بضع دقائق حتى يأتي شخص جديد ويبدأ بالتبرع في توزيع ما احتاج المعتصمون.
كلها محاولات فردية بروح جماعية لتخفيف صعوبة الانتظار في هذه الأيام شديدة الحرارة، ولتعزيز وجود المعتصمين على الأبواب لترسيخ الموقف الشعبي المقدسي الذي اتخذه أهل المدينة وأجمعوا عليه، فتجد طفلة صغيرة تدور على المصلين ترش على وجوههم الماء البارد بفرح من هنا، يلحقها مسن يوزع البطيخ والجبنة من هناك.
وكلهم يفعلون ذلك بتلقائية ودون ترتيب واتفاق مع بعضهم البعض، أو كأنهم اتفقوا على ذلك سراً في نفوسهم دون الإعلان.
وهنا يكمن الدور المهم لخط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى ألا وهم أهالي البلدة القديمة، أن يكون كل المقدسيين يداً واحدة، إمدادهم باحتياجاتهم المادية ودعمهم نفسياً لإكمال ما بدأوا به حتى تحقيق ما يريدون.
يقول ناصر قوس أحد سكان حي الجالية الإفريقية في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، أن المعتصمين يأتون منذ الصباح حتى المساء ليبقوا تحت حر الشمس ولا يستطيعون في كثير من الاوقات حتى الذهاب لشراء شيء يأكلونه، فقام شبان الحارة اليوم من تلقاء أنفسهم بشراء مستلزمات مقلوبة وأرسلوها إلى إحدى نساء الحارة لطبخها وتجهيزها وأكل منها معظم الموجودين هناك.
يضيف قوس، "لا ينتظر أحد أن يطلب منّا شيء لفعله، كل شخص هنا يحاول تقديم كل ما يستطيع عليه حتى يدعم وجود إخوته على الأبواب ويقول لهم نحن هنا معكم".
ولا يقتصر الأمر هناك على توزيع المياه والمأكولات الخفيفة والطعام، فكل من احتاج حماماً أو متوضأً أو مكاناً للراحة، استقبله أهالي البلدة بدأوا يتسابقون حول خدمته وأخذه لأحد البيوت.
يحاول المقدسيون ومنذ احتلال القدس، دعم أنفسهم بأنفسهم، وهناك الكثير من التجارب والحالات التي تشهد على اختيار المقدسيين قيادة مدينتهم كما يريدون متحدين أي سيطرة أو سيادة للاحتلال عليهم، ففي جمع رمضان الماضية التي زارها أكثر من ٢٠٠ ألف شخص من انحاء فلسطين لم يتوانى أهل القدس عن خدمتهم وتسيير كل أمورهم دون انتظار أي مساعدة أو تسهيلات من بلدية الاحتلال.
وتكثر الشواهد على دعم أهل المدينة المقدسة لبعضهم، ومنها الذي حصل قبل أقل من شهرين حين ضاع طفل صغير في أراضي عمواس المهجرة، ليستنفر المقدسيون بعدها ويبدأوا عملية البحث ويجدوا الطفل بعد ساعات من بحث الاحتلال دون جدوى. يقول معظم المتواجدين هنا على أبواب الأقصى، أن الموضوع أكبر من زجاجة مياه باردة أو حبة خوخ، الأمر أن يشعر الجميع هنا أنهم يد واحدة وجسد واحد، يعينون بعضهم بعضاً دون سؤال.
وهكذا لليوم الثالث، يكمل المقدسيون اعتصامهم، ويكمل أهل البلدة القديمة والقدس رفع معنوياتهم بانفسهم وإخوتهم، مسطرين عنواناً عريضاً في القدس يقول "متحدين دوماً نقف، ولن نسقط".