وكأن قطر وتركيا لم تكونا صديقتان لإسرائيل، أو إنتهت صداقتهما لها، كي تحل مصر والإمارات صديقة إسرائيل مكانهما، حيث فجرت التفاهمات التي جرت في القاهرة الشهر الماضي بين حركة حماس والتيار الإصلاحي في حركة فتح بزعامة النائب محمد دحلان جدلاً واسعاً، وغضباً أشد في الساحة الفلسطينية لدى الرئيس محود عباس وفريقه، والعربية خاصة قطر، ومناصري حركة حماس خارج فلسطين وليس داخلها.
حركة فتح شنت ولا تزال تشن هجوماً على حركة حماس ودحلان بعد التفاهمات وإدخال وقود مصري لتشغيل محطة توليد الكهرباء المتوقفة عن العمل منذ ثلاثة أشهر، بعد أن اتخذ الرئيس عباس قراراته غير المسبوقة ضد غزة بحجة الضغط على حماس لإستعادة الوحدة الوطنية.
أما قطر والجزيرة التي كانت مشغولة في حصارها من قبل السعودية والامارات ومصر، فقد اتخذت موقفاً بعد نشر قناة الجزيرة تقريرا لها على إثر مقال رأي نشر على صحيفة هآرتس بعنوان "بلا عباس وبلا حماس"، وصف فيه محلل الشؤون العربية في الصحيفة تسفي برئيل المرحلة الفلسطينية القادمة، وقال هناك خطة ترعاها الإمارات ومصر، بالتعاون مع إسرائيل، تهدف لتنصيب القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، زعيماً للفلسطينيين في غزة، وخلق واقع جديد في المنطقة.
يبدو أن تفاهمات حماس دحلان لم تزعج حركة فتح فقط، إنما أزعجت قطر، خاصة أنها تعطي للإمارات دورا في التخفيف من الأزمة الانسانية في قطاع غزة بواسطة دحلان، إضافة إلى تحسن العلاقات المصرية الحمساوية منذ عدة أشهر والزيارة الاخيرة التي قام بها رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار عمقتها، وأحدثت اختراقا مهما في العلاقة بين الطرفين كما ورد على لسان السنوار وإعتبرها إيجابية، لذا بدأت الحركة بإقامة المنطقة العازلة على الحدود كخطوة لبناء الثقة وإثباتها جدية في ترميم العلاقة مع مصر وتطويرها.
تقرير الجزيرة بني على مقال رأي معلوماته يتداولها الفلسطينيين في قطاع غزة منذ فترة من الزمن، وتم طرح بعض منها في مؤتمرات العين السخنة التي عقدت في شهري تشرين/أول اكتوبر، وتشرين ثاني/ نوفمبر من العام الماضي، وسهلت حركة حماس للمشاركين في المؤتمرات للسفر لمصر ورأت انها خطوة إيجابية تجاه غزة لتفكيك الحصار والتخفيف من معاناة غزة.
العلاقة بين حركة حماس والتيار الإصلاحي في حركة فتح بزعامة النائب محمد دحلان ليست جديدة، ولم تنشأ خلال الأزمة التي تمر بها حركة حماس وقطاع غزة منذ القرارات غير المسبوقة والعقاب الجماعي ضد حركة حماس والغزيين. فالعلاقة لها جذورها حيث تسمح حركة حماس لتيار دحلان بنشاطات سياسية واجتماعية والتظاهر والاحتجاج والتجمع السلمي، ضد الرئيس محمود عباس في قطاع غزة وقراراته التي استهدفت أعضاء التيار وقطاع غزة.
ومنذ العام ٢٠١٢، برزت علاقة بين حركة حماس ودحلان، بدأت بعقد تفاهمات غير معلنة، والسماح لتيار دحلان بالقيام بنشاطات عن طريق تبرعات مالية للغزيين ضمن مشاريع ونشاطات إنسانية مخصصة تركز عملها على فئة الشباب والأطفال، والأسر الفقيرة والمهمّشة وأسر الجرحى والشهداء، والشباب المقبلين على الزواج وغيرها. وجميع هذه المشاريع ممولة من دولة الإمارات، وتشرف على تنفيذها المؤسسة الفلسطينية للتواصل الإنساني "فتا" التي تترأسها جليلة دحلان وتزور قطاع غزة من فترة لأخرى. إضافة إلى توزيع أموال على أسر الشهداء الذين سقطوا في عدوان العام ٢٠١٤ وغيرها من النشاطات الاجتماعية بواسطة لجنة الوفاق الوطني بالشراكة مع تيار دحلان. وكانت الإمارات أقامت في غزة مشروع إسكان الأسرى.
على إثر لقاءات القاهرة قال الدكتور خليل الحية أنه لا وجود حساسية في التعامل مع تيار دحلان، وأن اللقاء مع أعضاء من تيار دحلان جاء في إطار استكمال الجهود الإنسانية والتكافلية بالقطاع التي بدأت منذ سنوات. وأن اللقاءات لم تنقطع، وفي نهاية المطاف هم جزء من شعبنا الفلسطيني، وتجمعنا قواسم مشتركة في العلاقة، وعندما نذهب للقاهرة غالباً ما نلتقي بشخصيات من فريق دحلان، والتقينا كثيراً مع سمير المشهراوي الذي تربطنا به علاقة صداقة وأخوة، وبحثنا مع تيار دحلان إلى جانب الأوضاع الإنسانية في غزة ضرورة إتمام ملف المصالحة المجتمعية.
تنصيب دحلان زعيما للفلسطينيين ربما حلم بعيد المنال، فالأمور ليست بهذه البساطة لأسباب كثيرة، وأن حماس لن تتخلى عن غزة حتى على جثة أخر عنصر فيها، غير انه لا يخفي طموحه بالعودة للساحة الفلسطينية عبر بوابة غزة والتفاهمات مع حماس تسهل له ذلك، حتى لو كان بواسطة الدعم والمشاريع الاماراتية التي ستنفذ في الفترة القادمة. وينظر كثير من الفلسطينيين بريبة وفي مقدمتهم فتح الرسمية ممثلة بالرئيس محمود عباس لمحمد دحلان وإصراره على العودة.
كما لا يخفى على أحد طموح اسرائيل بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وحتى توطين الفلسطينيين في سيناء وقدم عدد من المسؤولين والباحثين الاسرائيليين رؤيتهم في ذلك من خلال مؤتمر هرتسيليا في العام ٢٠٠٢، و2003، و2004، و2008، وهناك خشية كبيرة لدى الفلسطينيين من دفع غزة تجاه مصر، ويحاول رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو جاهدا لتنفيذ ذلك والتملص من مسؤولية اسرائيل تجاه قطاع غزة، وقد قال خلال أزمة تقليص كهرباء غزة انه أجرى اتصالات مع دول اوربية ومصر لتزويد القطاع بالكهرباء، وقد مارست إسرائيل ضغطاً كبيراً على السلطة الفلسطينية للعودة عن قراراها بوقف تحويلات العلاج في الخارج وتمويلها لمرضى القطاع.
قطر تعتبر نفسها الراعي الوحيد لغزة وأزمتها مع السعودية والإمارات ومصر ستحد من قدرتها على مساعدة حماس، وتعتبر تقاربها مع تلك الدول ضربة في الظهر، مع ان المعلومات تقول ان حماس لن تغير موقفها من قطر اي كانت الاسباب وابلغت هذا لمصر خلال لقاء وفد حماس والمخابرات المصرية.
التفاهمات بين حماس ودحلان مرحلية في إقليم يموج بالتطورات الدولية والاقليمية اليومية والمتسارعة، وحماس خياراتها محدودة في الخروج من الأزمة التي تعيشها الحركة وغزة منذ عشر سنوات ولم يتمكن اي من الأطراف العربية رفع الحصار أو إنهاء الانقسام بل أن أطراف عدة ساهمت في تشديده وتعميق الانقسام. وجاءت قرارات الرئيس محمود عباس لتعقد الأزمة وتزيد الأوضاع السيئة أكثر سوء. وتحاول الحركة كسب مزبد من الوقت بعقد تفاهمات وتحالفات جديدة عبر مصر ودحلان وغيره سواء كان ذلك مالاً إماراتياً أو سعودياً للتخفيف من الأزمة والخروج منها في إنتظار ما هو قادم.
الفلسطينيون في قطاع غزة ينتظروا المخلص الآني والجاهز، ويدركوا أن هذه التفاهمات هي مؤقتة وترقيعيه للتخفيف من معاناتهم، وأن حجم الهوة بين الفرقاء، ولا أمل في المصالحة، إضافة الى عدم ثقتهم في خطة الرئيس عباس واجراءاته، وغير مقتنعين بجدواها بعد عشر سنوات من المعاناة، حتى لو كان على حساب المشروع الوطني وإتمام المصالحة، وما يهمهم هو التخفيف من معاناتهم وظروفهم المعيشة اليومية.