شبكة قدس الإخبارية

انتصار وهمي ومع ذلك نحتفل

سامر عطياني

تواردت الأخبار من سجون العدو الصهيوني تفيد بانتصار الأسرى في معركة الكرامة والتي امتدت على مدار أربعين يوما كاملة، معركة صمد فيها الأسرى صمودا أسطوريا كعادتهم في كل المواجهات مع العدو، واختفى فيها من نصَّبوا أنفسهم قيادات علينا عن الشارع، فمنهم من اتخذ من نفسه "ابن بطوطة الفلسطيني" وأمضى جل فترة الإضراب في الترحال من بلد إلى آخر دون أي ذكر لقضية الأسرى وإن كان على هامش أي لقاء، وآخرون حاوروا العدو الصهيوني على آليات كسر الإضراب وإفشاله.

يضاف إليهم التضامن "الخجول" من الجمع الفلسطيني الشعبي والذي اقتصر على خيم التضامن "الخاوية" في كثير من المناطق، وبعض المواجهات مع العدو على نقاط التماس من الرجال الصادقين.

سأتحدث عن الإضراب، وعنا نحن، ولكن قبل الحديث، يتوجب عليّ توضيح مجموعة من النقاط الأساسية ولنعتبرها قواعد الحديث في هذا المقال:

أولا: لا يحق لنا نحن من خارج السجون أن ننتقد أداء من هم في داخل المعركة وعلى خط الاشتباك الأول مع العدو بشكل هجومي، ولكن من حقنا أن نعطي بعض الملاحظات، أو الاقتراحات لتطوير العمل في المرات القادمة، فهذه المعركة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة مادام العدو جاثما على أرضنا.

ثانيا: ليس هناك أي شخص مقدس، كلنا بشر، نخطئ ونصيب، وللجميع الحق في إبداء الرأي ضمن حدود النقاش والنقد البناء الهادف إلى التغيير والتطوير.

ثالثا: يتوجب علينا أن نمتلك الجرأة الكافية للحديث بموضوعية دون تجميل للواقع أو تزييف للحقائق وأن نكون صادقين مع أنفسنا لنستطيع الاتعاظ من التجربة وبناء كم تراكمي فوقها لاستغلاله في المعارك القادمة.

لنبدأ..

أعلن الأسرى الفلسطينيون في سجون العدو الصهيوني إضرابهم المفتوح عن الطعام مطالبين بتحسين شروط السجن وليس التحرير، مع العلم أن هناك أسرى استحقوا الحرية قانونا وعلى سبيل المثال لا الحصر:

- من أنهوا محكومياتهم وتم تحويلهم إلى الاعتقال الإداري دون مسوغ قانوني.

- الأسرى ما قبل اتفاق أوسلو حيث نص الاتفاق المشؤوم على اعتبار الأسرى ما قبل الاتفاق أسرى حرب وسيتم إطلاق سراحهم بعد توقيع الاتفاق وتنصل العدو من هذا البند.

ملاحظة مهمة على هامش هذا المثال:

تم توقيع اتفاق اوسلو على ثلاث مراحل رئيسية:

المرحلة الأولى: ما سمي باتفاق إعلان المبادئ ووقع في واشنطن في أيلول من عام ١٩٩٣ وهذا الاتفاق لم يأت على ذكر الأسرى نهائيا.

المرحلة الثانية: ما سمي باتفاق غزة أريحا أولاً ووقع في القاهرة في أيار من عام ١٩٩٤ وكان حينها عدد الأسرى في سجون العدو ١٠٥٠٠ أسير فلسطيني تم الاتفاق في المادة ٢٠ منه على الإفراج عن خمسة آلاف أسير، أفرج عن ٤٤٥٠ وتنصل العدو عن الإفراج عن الباقي.

المرحلة الثالثة: ما سمي باتفاق طابا ووقع في أيلول من عام ١٩٩٥ حيث ورد في المادة ١٦ من الاتفاق الإفراج عن ٦ آلاف أسير فلسطيني لم يلتزم العدو بتنفيذ البند كاملا.

وفي اتفاق "واي ريفير" أو "واي بلانتيشن" والموقع في تشرين أول من عام ١٩٩٨ تعهدت أمريكا بإلزام العدو الصهيوني بالإفراج عن ٧٥٠ أسير على ثلاث دفعات التزم العدو بدفعة واحدة تكونت من ٢٥٠ أسير احتوت على ١٦٥ أسير جنائي و ٨٥ أسير سياسي.

- المعتقلون الإداريون دون تهمة وبحجة وجود ملف سري.

- الأسرى المرضى كحالات إنسانية تستوجب العلاج.

ولكن ما دفع الإسرى لتغييب هذا البند المهم هو عدم ثقتهم بالشارع الفلسطيني المساند للأسرى وهذا ما أكده الشارع بنفسه بشكل واضح وجلي خلال الأربعين يوما الماضية، إضافة لعلم الأسرى التام بممارسات قيادات السلطة المتصاعدة في قمع أي حراك مساند لأي عمل وطني ثوري.

وبالتالي، يجب علينا جميعا أن نعلم أننا كشعب فلسطيني في داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها نعتبر عاملا أساسيا في صناعة النصر أو الهزيمة في أية مواجهة مع العدو مهما اختلف زمانها ومكانها وأطرافها، وأن تقصيرنا في أية معركة سيقودنا للهزيمة وانضمامنا لها يحرز النصر المؤزر.

إذن، الإسناد الشعبي يتناسب طرديا مع النصر، كلما زاد الإسناد والضغط على العدو زاد المكتسبات المحققة، وكلما قل الإسناد والضغط قلت المكتسبات، وانطلاقا من هذه القاعدة نجد أننا في حقيقة الأمر قد خسرنا المعركة كشعب وانتصر الأسرى، حيث طرح الأسرى مطالبهم وكانت تحتوي على ثلاثة عشر بندا رئيسيا يتفرع بعض البنود فيها لبنود فرعية فيصبح إجمالي عدد المطالب ثلاثين مطلبا.

تحقق من هذه المطالب وبحسب عيسى قراقع رئيس هيئة الأسرى والمحررين 1٢ بندا تقريبا من أصل ثلاثين بند، على أن توضع بعض البنود للنقاش في فترة ما بعد تعليق الإضراب.

أي أننا خسرنا ثمانية عشر مطلبا عادلا وغنمها العدو، أي أقل من نصف إجمالي المطالب، ولم نصل إلى نصف حقوقنا، هل هذا انتصار؟!.

للإجابة عن هذا السؤال لدينا إجابتين، الأولى من ناحية شعبية خارج السجون والثانية خاصة بالأسرى.

لنبدأ بالأسرى...

إن أي حق ينتزعه الأسرى العزل من السلاح والمدججون بالعزيمة والإرادة والكرامة هو انتصار مدوي يستحقون الفرح له وان كان بسيطا جدا، لأن الحقوق لا توهب وإنما تنتزع انتزعا خصيصا إن كانت من فم العدو وفي ظل غياب الداعم الرئيسي لقضيتهم.

الإجابة الثانية شعبيا، في حقيقة الأمر لو كان لدينا قيادة على مستوى تضحيات أسرانا وشهدائنا لما اضطر أسرانا لخوض إضرابات من هذا النوع لتحسين شروط السجن وليس التحرير.

وإن اعتبرنا أن هذا انتصار فنحن نوهم أنفسنا ونكذب عليها للتنصل من المسؤولية ونقاش الموضوع بشكل جدي لتحديد المتسببين بهذا الفشل الصارخ، ومحاسبة المقصرين ومن مسببات الفشل وليس كلها الآتي:

١- الخلافات داخل حركة فتح في السجون.

٢- عدم التوافق على لجنة قيادة إضراب في السجون بسبب إصرار الأسير مروان البرغوثي على أن يكون المتفرد بالقرار مما تسبب بانقسام حاد في الشارع الفلسطيني ليتم تدارك الموضوع لاحقا وتشكيل لجنة قيادة إضراب.

٣- تراجع الوعي الثوري لدى الجمع الفلسطيني، وإيمانه بوجوب الإسناد الحقيقي لقناعته أن هناك من يتسلقون على إنجازاته.

٤- غياب دور السلطة الفلسطينية بشكل كامل وكأنهم لا يعلمون أن هناك إضرابا للأسرى، وسلوك البعض منهم بمحاورة العدو لكسر الإضراب.

٥- غياب دور الفصائل الفلسطينية بشكل عام عن الشارع بالعمل على فعاليات حقيقة تشكل عامل ضاغط على العدو ومساند للأسرى.

٦- ممارسات وسلوكيات السلطة الفلسطينية والتي تمثلت بقمع الأسرى وأهاليهم والاعتداء على المتضامنين مع الأسرى.

كل هذه المسببات مرتبطة ارتباطا مباشرا بالجماهير، فإذا قال الشعب كلمته الفصل انتهى النقاش وسقط المتخاذلون وتم التخلص منهم، وتم إجبار الفصائل على اتخاذ موقعها الطبيعي كمدافعين عن الأرض وإعطائهم الصفوف الأولى.

إذن، الجماهير هي العامل الأول للانتصار، وإن أردنا إحراز الانتصار الحقيقي فيتوجب علينا جميعا العمل على إعادة الألق للقضية الفلسطينية بشكل عام وقضية الأسرى بشكل خاص من خلال زيادة الوعي الثوري لدى الجمع الفلسطيني، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة المقاطعة بين الناس ومحاربة المطبعين مع العدو ومهاجمة، وإقصاء المنسقين امنيا والمفاوضين معه، وإغفال الاعتبارات الحزبية والعشائرية والاجتماعية أثناء عمليات الفرز والإقصاء بين وطني صادق ووطني منتفع.

لذلك نحن لم ننتصر، غيابنا عن الساحة بشكل جماهيري غفير قادر على الضغط والإسناد بالإضافة إلى عدم قدرتنا على حشد كامل الطاقات من أجل الأسرى مما تسبب بإسقاط وخسارة ثمانية عشر بندا من أصل ثلاثين بند، فنحن من خسر هذه البنود وغنمها العدو.

فلنخجل من أنفسنا ولا نحتفل مع الأسرى بانتصارهم وتركهم يحتفلون وحدهم بإنجازهم.