قبل تسع وثلاثين عاما من اليوم توقف قلب الرجل الأخطر في العالم عن النبض، وتوقف جسده عن الحراك، وعقله الذي كان يشتعل ثورة لا تهدأ هدأ وخلد إلى الموت بعد صولات وجولات من الإرهاق الفكري من أجل إعداد الخطط وتنفيذ العمليات الفدائية حول العالم، توقف قلب الرجل الذي أصبح بين ليلة وضحاها الأخطر في العالم أجمع والمطلوب الأول لكل أجهزة المخابرات والإستخبارات العالمية والعربية.
وضع هدفا بين عينيه، وقال "نقول ما تقوله المخيمات"، حدد هدفه ووضع له الشعار "وراء العدو في كل مكان"، اختلى بنفسه ليحقق مقولته ويوصل صوت المخيمات إلى العالمية وليسمع صدى صرخات أبناء شعبه لكل بقعة مسكونة على وجه الأرض، اعتكف مع رفاقه من أجل أن يصبح شعاره واقعا ملموسا لا يستطع أحد أن ينكره وأصبح كما يريد.
نتحدث عن وديع حداد المولود في مدينة صفد عام 1927، والذي كان أحد مؤسسي حركة القوميين العرب ومن ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وترأس فرع المجال الخارجي للجبهة، وقام بعمليات نوعية آثرت العمل الكمي النوعي للثورة الفلسطينية مما أعطاها طابعا عالميا جعلها من أهم القضايا في العالم أجمع، ومحط أنظار الجميع، وتتوقف القلوب عند ذكر القضية وذكر اسمه.
وديع حداد، ذلك الرجل الذي توقف قلبه عن النبض تاركا خلفه شعبا عظيما شرد من أرضه قسرا، ولا يجد مأوى يحميه حر الصيف وبرد الشتاء، شعبه الذي أجبره العالم على أن يفترش الأرض ويلتحف السماء، طاردا اياه من أرضه لينشئ خنجرا مغروسا في خاصرة الأمة العربية وقلبها النابض تمهيدا لسرقتها مستقبلا وهذا الذي نعيشه اليوم من سرقة لخيرات أرضنا واختطاف للأمة العربية.
وديع حداد، صاحب عمليات خطف الطائرات والتي اوقفت بريطانيا العظمى على قدم واحدة من أجل الإفراج عن أسرانا الفلسطينين في سجونها وسجون العدو الصهيوني حينما خطف إحدى الطائرات البريطانية.
وديع حداد، صاحب عملية مطار الثورة حينما خطف اربعة طائرات من أجل أن يوصل صرخة مظلوم لأحرار العالم، فاستطاع بذلك أن يجند الكثير الكثير من أحرار العالم أمثال جورج إبراهيم عبدالله، و كارلوس، وأبطال الجيش الأحمر الياباني الذين قدموا من اليابان من أجل تنفيذ عملية فدائية داخل الأرض المحتلة باسم الحرية والتحرر من الظلم والامبريالية، وإنصاف شعب تكالبت عليه وحوش الأرض.
وديع حداد، صاحب عملية مطار عنتيبي والتي قتل فيها شقيق المجرم بنيامين نتياهو رئيس وزراء حكومة العدو الصهيوني، ليوصل رسالة لقادة العدو الصهيوني أنهم جميعا تحت الاستهداف وفي كل مكان رغما عن الظروف وأن مصيركم معروف، الموت أو الرحيل.
اليوم، وبعد تسع وثلاثين عاما، إن أردنا سرد العمليات التي خطط لها ونفذها هذا القائد الفلسطيني الفذ فلن تستطيع مجلدات العالم على احتوائها، ولن يكفي مداد القلم لذلك، وهذا الامر طبيعي جدا، فأسطورة كهذه حياتها مغروسة حتى أخمص قدميها بالعمل السري والتخفي والعمل الدءوب الذي لا يتوقف من اجل قضيتنا العادلة وحقنا في العودة الى ارضنا التي شردنا منها، لن تكفيها بضع سطور لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولكن نستطيع أن نتذكره ونذكر بعضنا بما فعل، نستطيع أن نقرأ عنه وعما فعل من أجلنا جميعا، ولنتذكر جميعا انه حينما نتذكر هذا القائد يرتجف العدو خوفا من ذكراه، فعدونا لا ينسى، ويراقبنا ان تذكرنا او نسينا، فذكرى وديع هي صرخة من نوع اخر في وجه العدو الصهيوني، فعدونا لازال يخشاه على الرغم من موته.
اغتاله العدو الصهيوني وتوفي في برلين الشرقية، عن طريق دس السم له في حبة "شوكولا" كان يحبها اوصلوها له عن طريق عميل سري، لم تتضح بعد شخصيته ولا من هو الى الان، ولكن معظم الروايات التي تناقلها قادة الثورة الفلسطينية ورفاقه المقربون تقول ان العميل هو احد اركان نظام عربي.
فلنتذكر وديع اليوم وكل يوم، ولنتمسك بقضيتنا أكثر، ولنعاهد الشهيد وباقي شهداء فلسطين ممن ضحوا بأنفسهم من أجل القضية التي آمنوا بها بالسير على دربهم، وبالقراءة والتثقف حتى نستطيع المواصلة على درب الحرية والتحرير والعودة الى فلسطين واقامة دولتنا الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني من البحر الى النهر.
ولنتذكر دائما ما قاله وديع حداد: لا أريد فلسطين دون صفد، ولا أريد صفد دون بيتي، ولا أريد وطني منقوصا شبرا واحدا.