"إن الانسان صاحب دور في مسيرته التاريخية وفي تغيير نظامه الاجتماعي، إن الانسان لا يستطيع ان يكون من صنع نفسه، أي ان يكون شريكاً في بناء ذاته. ولا ينبغي ان يجرنا هذا القول إلى نوع من المثالية، او على الاخص الى نوع من الرومانسية الفلسفية والصوفية العاطفية، التي يتحدث عنها دائما صناع المدن الفاضلة". هكذا ابتدأ الشهيد شريعتي كتابه، عن كيفية صنع الانسان، وكما قام بقلب المعنى الثوري لدى الانسان "بأن الثوري ليس كل من اشترك في ثورة اجتماعية فحسب، لأن الثوري قبل كل شيء جوهر أعيدت صياغة ذاته، إنسان جعل ذاته التي بنيت أيديولوجيا خليفة لذاته الموروثة عن التقاليد والغريزة"، فحركة التاريخ تتبلور كما ذكر شريعتي في مجموعة من المعاني وابعاد ثلاثة:
1. الاحساس العرفاني " التصوف الممتزج بالبحث والمعرفة".
2. التطور الإنساني- فهو يحكي عن الانسان المنتج والمحروم في نفس الوقت.
3. إن الانسان ظاهرة من صنع الطبيعة ومع ذلك فقد سيطر على الطبيعة وجعلها ذات دور سلبي.
فالكاتب يؤكد على أن الثورية تنشأ غالباً من الأشخاص المحرومين والمنتجين في نفس الوقت، لان الانسان بطبعه ثائر على الظلم والقهر والاستبداد. كما يحكي الكاتب عن السجون التي تضغط على الإنسان:
1. الطبيعة والجغرافيا، والتخلص منها عن طريق العلوم الطبيعية والتكنولوجيا.
2. حتمية التاريخ، والتخلص منها عن طريق كشف قوانين التاريخ وتطوره وتكامله.
3. النظام الاجتماعي والطبقي، والتخلص منه عن طريق الايدلوجية الثورية.
4. سجن النفس، ذكر القرآن (ونفسٍ وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها)، فالقرآن قام بوصف الانسان بالفجور قبل التقوى لان طبيعة الانسان كفور.
وهناك نماذج يجب أن يفكر بها المفكر الذي يريد ان يتخلص من هذه السجون الذهنية والمادية، ويؤسس أيديولوجيته العامة على أساس التطور النوعي للإنسان .. فإذا كان المفكر اوروبياً فلا بد له أن يفكر في هذه النماذج الثلاث:1.باسكال 2.ماركس 3.سارتر .
فإن كان المفكر مسلماً فإنه لا يحتاج إلى كل هذه النماذج، فهنالك الثائر علي (رضي الله عنه) فهو كان يحمل ثورية ماركس وحساسية مزدك فكان يكره المستثمرين ويهاجمهم، ومتعاطفاً مع المحرومين وناصرهم.
وأكد الكاتب على ضرورة العمل الثوري أن يجمع ثلاثة أساسات للعمل الثوري وهي:
1. العبادة: إن العبادة مسألة رئيسية وهي أساساً بمعنى بناء الذات. فعبارة "عبّد الطريق" تقال في شأن طريق أعد بحيث يوصل السالك بسهولة ويسر وباطمئنان وسرعة إلى الهدف. وهناك قمة معنى الاعمال وأعلاه وهو الاخلاص فهو تفرد الوجود الانساني في طريق الايمان.
2. العمل: سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام ؟ أجاب: هو العمـل.
هناك نقطة في غاية العمق في الإسلام، وهي أن كل عمل صالح – اقتصاديا كان أو سياسيا أو صحيا أو في سبيل الناس- بفسر كنوع من العبادة الدينية. وفي الحقيقة لا تمرة للإنسان إلا بما قدمت يداه . وهذا يصدق تماما علاقة الإنسان بالله .فالقيامة والمصير النهائي للإنسان كما ورد في القرآن الكريم(يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ) وهذا ايضا هو الاساس الكلي في العلاقات الاجتماعية والنظام الاقتصادي، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . وأن سعيه سوف يرى).العمل يعني إلغاء دور الطبيعة على يد الانسان. فالإنسان يسلب الطبيعة سلطتها ويبدلها بسلطته هو، وهذا هو العمل المادي، والعمل الاجتماعي على نفس النسق، فالإنسان بعمله يغير مجتمعه ويصنعه.
3. النضال الاجتماعي: يعرف افلاطون الإنسان بأنه "حيواني سياسي" ، وقد ترجمها مفكرونا بأنه "حيوان اجتماعي" ، لأنهم ظنوا بأن صفة الانسان الجامعة هي الاجتماعية لا السياسة. والمقصود بصفة السياسة الرؤية والميل الي ربط الفرد بمصير المجتمع الذي يعيش فيه، وهذه الصلة في موضع تجلي الإرادة والوعي والاختيار عند الانسان، بحيث يحس أن وضعه الاجتماعي مثل وضعه الطبيعي. أي أن يحس بموقعه في الطبيعة أو المجتمع ويعيه، ويتدخل فيه مؤيداً أو معارضا أو مغيراً لبنيته. ومن ثم فالإنسان غير السياسي، إنسان في الحقيقة أبطل وعطل أعلى وأسمى تجل لاستعداده الإنساني. ومن المؤسف أن رجال السلطة الذين سيطروا على مصير المجتمعات ، هلعوا دائما من اهتمام الجماهير بالسياسة والواقع.
قد عبّر الشهيد الثائر علي شريعتي في كتابه هذا عن أهمية العمل الثوري والنضالي الاجتماعي، وأكد على أن من اهم الاشياء التي تنجح هذا العمل هي حالة الايمان بالفكرة والعمل على إحاطة وكره الطبقية والانظمة الاستهلاكية التي تنزع من الانسان قيمته، معناه الصوفي والوجداني، كما رأينا أن شريعتي يستدل من الدين الإسلامي كثيراً، فاستدل بالقرآن وحياة الرسول، عليه الصلاة والسلام، والثائر علي، رضي الله عنه، فالإسلام أو -الدين بشكل عام -هو الذي يشكل للإنسان الانتماء الروحي، فالإنسان دون انتماء بفكرة روحية لا شيء والانسان بطبيعته انسان منتمي "بالضرورة"، وكما أوجد الفرق بالتضاد بين الدول الاوروبية والاسلام-فلم يقل الدول العربية مثلاً- بل ذكر الاسلامية. كما أنه وصف علي بن ابي طالب بالثائر وأن جميع المعاني التي يحملها كل من (مزدك، ماركس، .. ) قد شخصها في علي.
وقدر ركز في كتابه الذي هو رسالة لأي شعب ثائر أن يتخلص من الفكر الاستهلاكي القائم على المادية والتحلي بروح العمل والمجتمع ، وأن يتخلص من الطبقية والرأسمالية الجشعة فلا يوجد ثائر إلا أن يكون مظلوماً أو مستضعفاً أو مقهوراً وموضوعاً في المنظومة الاستهلاكية التي تولد للإنسان في كل يوم معنى للثأر ومعنى للحرية والعمل النضالي.