فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخبارية: تصادف اليوم الذكرى التاسعة والعشرين على الانتفاضة الفلسطينية الأولى، "انتفاضة الحجارة" التي اندلعت في الثامن من كانون الأول من العام 1987م، بعد قيام سائق شاحنة "إسرائيلي" بدهس مجموعة عمال فلسطينيين مما أدى لاستشهادهم على حاجز بيت حانون "إيرز"، الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م.
في اليوم التالي لتشييع الشهداء قام الشباب الغاضب والأطفال بالهجوم على أحد معسكرات جيش الاحتلال الاسرائيلي في مخيم جباليا بقطاع غزة، ليمتد الغضب الشعبي ويعم كافة المدن والقرى والمخيّمات الفلسطينية، وأطلق عليها الفلسطينيون "انتفاضة الحجارة"، كون الحجارة إحدى أدواتها الرئيسية المستخدمة فيها تجاه سياسات الاحتلال.
وتقدر حصيلة الضحايا الفلسطينيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء انتفاضة الحجارة بـ 1162 شهيدا، بينهم حوالي 241 طفلا، بالإضافة إلى 90 ألف جريح، وتدمير ونسف 1228 منزلا، واقتلاع 140 ألف شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية، بحسب أرقام مركز الإعلام الفلسطيني 2011.
أيقونات الانتفاضة
وقال النقابي عاطف عيايدة لـ"قدس الإخبارية": "كان إضراب العمال الفلسطينيين عن العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948، يأتي للمشاركة بالمظاهرات وتشييع الشهداء وشكل إضرابهم أبرز أشكال تأجيج وإشعال الانتفاضة الأولى، ورفض آلاف العمال العمل في المصانع والبناء داخل الخط الأخضر، ما كبد قطاع البناء لدى الاحتلال خلال العام الأول للانتفاضة 240 مليون دولار".
من جهتها قالت سميرة حسنين مسؤولة دائرة المراة في نقابلة العاملين في قطاع غزة لـ"قدس الإخبارية": "إن المرأة الفلسطينية شاركت في تهريب السلاح من الدول المجاورة للأراضي المحتلة، وطرزت الأعلام وشاركت في المظاهرات، وأعدت الطعام وأوصلته للمقاومين والمطاردين في الجبال"، واعتقلت 433 امرأة، وبلغت عدد حالات إجهاض النساء في الانتفاضة حوالي 1700حالة جراء استنشاق الغازات السامة والضرب المبرح من قبل جيش الاحتلال، وفق أرقام وزارة الأعلام الفلسطينية.
ويحمل الشاب رياض سامي (48 عاماً) من مدينة الخليل في طيات ذاكرته عن أيام الانتفاضة كتابة الشعارات على الجدران، التي كانت بلاغاً مقدساً لدى الأهالي، ويستذكر مشاهد العروض العسكرية التي كانت تجوب البلدات الفلسطينية تنديداً بسياسات الاحتلال، ويغزو صوته التحسر على أيامها المليئة بالتعاضد والترابط الاجتماعي كما يقول.
ومن أيقونات تلك الانتفاضة أيضا، مدينة "بيت ساحور" التي تميزت بالعصيان المدني ضد الاموامر العسكرية الصادرة عن سلطات الاحتلال، واعتمدت على المظاهرات الشعبية ومقاطعة البضائع الإسرائيلية، بالإضافة لرفض سكانها دفع الضرائب للاحتلال، وعدم الاكتراث بأوامر منع التجول والكتابة على الجدران، وأنشؤوا مزرعة أبقار محلية لتحدي سيطرة اقتصاد الاحتلال على المنطقة.
جرائم متنوعة
وخلال الانتفاضة أيضا، وثقت عدسة المصور الصحفي "موشي ألبرت" في شباط 1988 انتهاج جيش الاحتلال لسياسة تكسير العظام اعتداء جنود الاحتلال بأيديهم وأقدامهم، وانهاليهم بالضرب على الفتيين وائل وأسامة جودة من قرية عراق تايه شرقي مدينة نابلس العائدين لبيوتهم مع أغنامهم، ثم بدؤوا بتكسير أياديهم بالحجارة، وبعد نشر الفيديو تفجرت هبة دولية وحقوقية مناصرة للفلسطينيين.
ومارس الاحتلال ضد التعليم خلال الانتفاضة الأولى اعتقالات منظمة وعشوائية لطلبة المدارس والجامعات، وتمثل قمع الاحتلال للعملية التعليمية بالاعتقال والتنكيل ومداهمة المدارس والجامعات وفرض حظر التجوال على المناطق التي تنطلق منها المواجهات العنيفة ضد الاحتلال، وحرم المئات من الطلبة من إكمال تعليمهم المدرسي والجامعي.
ويقول الأستاذ عبد الغفار زبيدي (55 عاماً) ل قدس الإخبارية: "كنت مطلوباً لقوات الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى، لعملي في التعليم الشعبي الذي جاء رداً على سياسة إغلاق المدارس، وتشكلت في الأحياء والحارات لجان شعبية من المدرسين وطلاب الجامعات، في البيوت ورياض الأطفال، لمواصلة التعليم وإنهاء المنهاج المقرر للطلبة".
ويتابع "رغم تعرض التعليم والمعلمين للكثير من إجراءات الاحتلال الفاشية لإفشاله، وصناعة جيل فلسطيني غير مكترث للعلم والحياة، إلا أن الشباب الفلسطيني اثبت دوما أن العلم جزء أساسي من معركة البقاء والتحرر من الاحتلال، وتمتع بإرادة فولاذية استطاعت سحق وقهر جيش الاحتلال وأجهزة مخابراته".
210 آلاف حالة اعتقال تمت منذ بداية الانتفاضة حتى قدوم السلطة منتصف العام 1994، واستشهد نتيجة ممارسة سلطات الاحتلال التعذيب ضد الأسرى (23) أسيراً، ولا زال 32 اسيرأ يقبعون في سجون الاحتلال قبل توقيع اتفاقية أوسلو، 14 أسيراً منهم من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، بحسب أرقام مركز أسرى فلسطين للدراسات.
الأغاني والأناشيد الثورية
ورافقت الأغاني والأناشيد الثورية مسيرة الانتفاضة، وكانت محركاً ومحرضاً بشكل تعبوي لمقاومة الشباب للاحتلال، واعتقل الاحتلال عشرات الفنانين الفلسطينيين بسبب مساهمتهم في التأليف والغناء، ويزداد حماس الشباب مع الأغاني الوطنية الخاصة بالانتفاضة، ويكاد كل شاب فلسطيني من خلال استماعه أو مشاهدته للاغاني الثورية يعلم أن طبول المواجهات دقت.
فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه من تكثيف سياسة الاعتقالات بحق نشطاء الانتفاضة، وافتقرت سجونه للحد الأدنى من شروط الحياة الآدمية البسيطة، وكان الطعام سيئا كما ونوعاً، ولم تكن للأسرى أغطيه أو فرشات أو ملابس، وكانت السجون تتكدس بالأسرى إلى حد أن ينام الأسير على جانبه لكي يفسح مجالاً لغيره من الأسرى للنوم.
ولجأ كيان الاحتلال إلى إضعاف الانتفاضة بتجنيد العملاء والجواسيس، فخلال الانتفاضة الأولى قتل 800 فلسطيني بسبب عمالتهم وتعاونهم مع الاحتلال الإسرائيلي، وكانت مهمتهم التجسس ومراقبة المقاومين، وجمع معلومات عن الملثمين وموزعي البيانات وقادة الفصائل والتنظيمات، وتعقب المطاردين والمطلوبين لسلطات الاحتلال.
وجند جيش الاحتلال أكثر من 80 ألف جندي لوقف زخم الانتفاضة، وتؤرخ نهاية الانتفاضة الأولى بعام 1993 حين وقعت في البيت الأبيض اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الإحتلال، والتي معها بدأت المفاوضات العلنية المباشرة من أجل حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.