بعد أن أنهى ضيوف ندوة "النقب: يوميات المواجهة المُغيّبة" مُداخلاتهم لم يتركهم الحضور المُميز في حلٍّ من أمرهم، فتوالت الأسئلة رغبة في معرفة المزيد. كانت الأسئلة نوعية وعميقة، وتنم عن اهتمام حقيقي نابع من القلب، وليس أدل على ذلك من الأسئلة التي كانت صريحة تستعلم عن خطاب المواجهة في مقابل دولة الاحتلال، بعيداً عن أسئلة المجاملة والتقليد الذي يكرر "قلوبنا معكم".
سألنهم كثيراً عن أنفسهم، عن يومياتهم، أفكارهم، طموحهم، فجأة قلب الاتجاه الاستاذ خالد عودة الله من دائرة سليمان الحلبي للدراسات الاستعمارية والتحرر المعرفي، فقال: ماذا عنا؟ كيف تنظرون إلينا نحن "أهل الضفة"؟ وضعناكم تحت المجهر وسألناكم، ولكن ما انطباعكم انتم عنا وعن هذه الندوة؟
حظي السؤال بإجابة تقليدية عامة نوعاً ما، تتلخص بأننا أبناء شعب واحد صاحب قضية واحدة.
وفي محاولة للتقرب من محيط إجابة هذا السؤال.. نضع هنا كلمات المتحديثن "النقبويين" التي نشروها على صفحاتهم على الفيسبوك بعد مشاركتهم في الندوة.
تعليق أنس أبو دعابس، رئيس رابطة أكاديمي رهط، عبر الفيسبوك، بعد انتهاء الندوة:
عادة اللقاءات مع الجمهور لا تخيفني بل تحفزني .. خاصة إن كُنت قد حضرت مسبقاً لما سألقيه عليهم .. لكن بالأمس كان اللقاء مع الجمهور مغايراً .. كان اعتقادي أن مهمّتنا هي عرض بعض النقاط عن النّقب في قلب الضفة الغربية .. في بلدية البيرة .. على جمهور واع بغية الإكثار من التواصل الفلسطيني الفلسطيني بين النقب وباقي تراب الوطن .. هذا (فقط).
إلا أن الوصول إلى هُناك زاد الأمر أكثر مما أطيق .. فجأة فهمت من الحضور الملفت للإعلام (!) وللنشطاء وللقادمين من النقب أن الأمر أكبر من ذلك .. لست بقدر التمثيل ولا حتى أن أكون المُلم عن النقب .. هُناك على تلك المنصة المتواضعة .. أدركت .. غضبت .. حزنت .. لُمت نفسي .. هي بلادي ولا أعرفها بما فيه الكفاية ؟! .. هو نقبي ولا أحفظه ؟! .. هي منطقتي التي أحب لكن لا أدرك من ماضيها إلا القليل .. كيف لم أسأل جدتي عن ذلك السؤال الذي حاولت أن تسأله المراسلة ولم أعطها ما يشفي غليلها من الإجابة ؟! .. لماذا تكاسلت ولم أقرأ ما كتبه ذلك الراوي عن بئر السّبع ؟! .. ما بي اكتفيت من مشاهدة مرة واحدة لذلك الفيلم الذي حاول تجسيد صورة عن قرية مهجرة في النقب ؟!
تمنّيت لو أن ذلك الأخ الذي لاقيته بمحل الصدفة قبلها بيوم وافق على مرافقتي إلى الندوة .. دون شك كنت سأعتذر عن مداخلتي ليلقي هو ويشرح بما درسه وحفظه وعاشه حينما أكمل الدكتوراة عن النقب.
أعتذر .. فأنا فقير المعرفة .. جداً.
أعد .. أن أجاهد نفسي أكثر للتحسّن ..
أشكر .. القائمين على هذه الخطوة القوية ..
أشجّع .. على زيادة هذه الفعاليات الهامة ..
فما كان في البيرة زادني شغفاً لأعرف أكثر .. لأعطي قضيتي أكثر وقت ومجهود .. لأحفظ كي أنقل .. لأن لا أتهاون ولا أساعد بالنّسيان ..
النقب أنتَ .. النّقب أنتِ .. النّقب أنا.
*****
أما أمير أبو قويدر، طالب جامعي من قرية زرنوق غير المعترف بها، فقال:
سئلت اليوم في رام الله عن المغزى من وراء عقد يوم دراسي في رام الله عن النقب والقرى وغير المعترف بها. طبعا انا الكتب مخربة عقلي والدعاية والتعبئة تملأ رأسي، فأجبت بصورة تلقائية: "تأكيداً على انتمائنا ووحدة مصيرنا الخ". وهو كلام على رغم أهميته وحقيقته إلا أنه يبقى كلاماً إنشائياً عاماً جميلاً.
ما فاتني أن رام الله نفسها مرتبطة فيّ بأشياء جميلة جداً. أذكر مثلاً إنني عندما كنت صغيراً كنت أسمع أغنية "وين عرام الله". في البداية لم أكن أفهم كلمات الأغنية،لكن مع الوقت بدأت أتساءل :"ايش هاي رام الله ووين بتيجي وليش كلهم بيغنو عن رام الله؟". سؤال حيرني، والأغنية لها ذكريات جميلة لانها كانت تُسمع في فترة الأعراس خاصة. اليوم بقدر اقول إني عرفت أخيرا السبب!
عدا عن ذلك أذكر شوكولاته السلفانة التي كنا ونحن صغاراً نحبها جدا "نموت فيها" وكانت وسيلة الإغراء الأولى من الأهل، وعندما بدأت أجيد القراءة كنت دوما أقلب الكرتونة وأقرأ "صنع في رام الله" وأفرح وأشعر بفخر أنني أجدت القراءة، كما كنت أحب كلمة "رام الله" لأنها سهلة القراءة! من هنا بدأت علاقتي برام الله واحساسي اليوم أنني أغلقت دائرة كانت مفتوحة في حياتي، ولكن المرة القادمة رجاءً خذوني إلى مصنع سلفانا! عندما ينتقل الوطن من تعبير مجازي إلى حقيقة!