غزّة- خاص قُدس الإخبارية: 5 سنوات على صفقة "وفاء الأحرار" التي أبرمتها المقاومة الفلسطينية مع الاحتلال، حيث تُعدّ واحدة من أبرز عمليات تبادل الأسرى على مدار تاريخ الصراع مع المحتل الإسرائيلي، وتضمنت الافراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين من جميع أماكن تواجدهم واختلاف أطيافهم.
وتتضمن الاتفاقية "وفاء الأحرار" إخلاء المقاومة سبيل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل الإفراج عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا من سجون الاحتلال، تم إطلاق سراحهم على دفعتين.
وتم الإعلان عن التوصل لاتفاق عملية التبادل في 11 من أكتوبر عام 2011 بوساطة مصرية، فيما جرت عملية التبادل في 18 من الشهر ذاته؛ لتشكّل واحدة من أضخم عمليات المقاومة للإفراج عن الأسرى.
وكانت صفقة "وفاء الأحرار" عقب نجاح المقاومة في إخفاء الجندي شاليط حيًا لأكثر من خمسة أعوام ليرغم الاحتلال على عقد صفقة لتبادل الأسرى مقابل استعادته.
تفاصيلها
25 من يونيو، استهدفت العملية قوة إسرائيلية مدرعة من لواء جفعاتي كانت ترابط ليلاً في موقع كيريم شالوم العسكري التابع للجيش الإسرائيلي على الحدود بين مدينة رفح الفلسطينية وإسرائيل.. وإنتهى هذا الهجوم بمقتل جنديان وإصابة 5 آخرين بجروح وأسر شاليط (جلعاد شاليط - هو ابن نعوم وأفيفا شاليط وهم يهود من أصل فرنسي هاجرا لفلسطين قبل عدة عقود" وأسر بعد عدة أشهر من تجنيده
وقع جلعاد في قبضة المقاومة الفلسطينية حيث تم أسره ونقله إلى قطاع غزة على يد مقاتلين تابعين لثلاثة فصائل فلسطينية، أسروه من داخل دبابته شرق محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، واستشهد خلال تأديتها اثنان من منفذيها وعدد من المخططين لها لاحقًا.
ونفَّذت العملية بمهارة وتقنيّة عسكريّة عالية المستوى تخطيطًا وأداءً في أقلّ من 15 دقيقة في الموقع العسكري الإسرائيلي شرق رفح، وانسحب المنفذون ومعهم شاليط دون أن يتمكن الاحتلال من تعقبهم.
وأنجزت المرحلة الأولى من الصفقة بالإفراج عن 450 أسيراً و27 أسيرة من سجون الاحتلال مقابل إطلاق المقاومة سراح شاليط، في حين تمت المرحلة الثانية بعد شهرين بالإفراج عن 550 أسيرًا، وسبق الصفقة الإفراج عن 20 أسيرة بشريط فيديو يُظهر شاليط وهو حي.
ولاحقًا كشف أحد مؤسسي كتائب القسام عبد الحكيم حنني أن نائب القائد العام للقسام الشهيد أحمد الجعبري أخبرهم أنه أرسل فرقة كاملة من الاستشهاديين مع الجندي "شاليط" خلال تنفيذ صفقة "وفاء الأحرار"، حيث أوضح حنني في مقابلة تلفزيونية "كل واحد منهم كان على وسطه حزام ناسف، وكان قرار القسام إذا كان هناك أي خيانة، يجب ألا يسلم شاليط حيًا".
بنود الصفقة
• الإفراج عن 450 معتقلا يقضون أحكاما بالسجن المؤبد. والإفراج عن جميع النساء المعتقلات في السجون الإسرائيلية وعددهن 30 سيدة. وضمنهن من يقضين أحكاما بالسجن المؤبد • الإفراج عن جميع المعتقلين من كبار السن. جميع المعتقلين المرضى. عن معتقلين من مدينة القدس وعددهم 45 معتقلا. • الإفراج عن معتقلين من فلسطينيي 48، الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية وعددهم 6لل، مع العلم أن إسرائيل كانت تعارض بشدة الإفراج عن أي معتقل من القدس ومن فلسطينيي 48، لأنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية. • تم الاتفاق على إبعاد 200 معتقل من الذين سيفرج عنهم ويقطنون الضفة الغربية لقطاع غزة أو إلى دول عربية، مع العلم أن إسرائيل كانت تطالب بإبعاد 500 معتقل.
• وتم نقل شاليط و477 من المعتقلين الذين يقضون أحكاما مؤبدة للقاهرة. وقامت إسرائيل بالإفراج عن 550 معتقلا آخرين، وتم إعادة شاليط لإسرائيل.
صفقات تاريخية سابقة
ومنذ قيام دول الاحتلال الإسرائيلي في العام 1948 على أنقاض القرى والبيوت الفلسطينية المهدمة، وعلى أشلاء جثث آلاف الشهداء ودماء عشرات الآلاف من الجرحى وآلام مئات الآلاف من المعتقلين، جرت عشرات عمليات تبادل للأسرى ما بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي ودول مصر والأردن وسوريا ولبنان ومنظمة حزب الله اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية، تم بموجبها إطلاق سراح آلاف المعتقلين الفلسطينيين والعرب من سجون الاحتلال الإسرائيلي، واستعادة المئات من رفات الشهداء المحتجزة لدى سلطات الاحتلال في ما تعرف بمقابر الأرقام.
كما حدث أكثر من مرة أن رفضت إسرائيل مبدأ التبادل، أو التفاوض من أجل التبادل كما جرى في "عنتيبي" و"معالوت" وغيرها من عمليات الخطف واحتجاز الرهائن، كقضية اختطاف الباص الإسرائيلي "رقم 300" المليء بالركاب، حيث اختطفته مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين من عسقلان باتجاه الأراضي المصرية في 12 نيسان 1984، وتمت مهاجمة الباص من قبل القوات الإسرائيلية قبالة دير البلح بقطاع غزة مما أدى لمقتل وإصابة العديد من الركاب الإسرائيليين واستشهاد اثنين من المقاتلين الفلسطينيين وقتل اثنين آخرين بعد أسرهما، وقضية الجندي الإسرائيلي "نحشون فاكسمان" الذي خطفه نشطاء من حركة "حماس" عام 1994 وتم مهاجمة المكان المحتجز فيه مما أدى لمقتله واستشهاد محتجزيه، كما كان هناك العديد من المحاولات لفصائل المقاومة الفلسطينية منها خطف طائرات من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في أعوام 68، 69، 1970 واحتجاز الركاب كرهائن لتحرير الأسرى والأسيرات.
وهناك محاولات عدة لخطف جنود ومستوطنين في فلسطين المحتلة من قبل العديد من فصائل المقاومة الفلسطينية، وكانت أولى تلك العمليات هي أسر الضابط الإسرائيلي "دافيد بن شموئيل شامير" عام 1979 واحتجازه لبضعة شهور في رفح، وتلاها عمليات كثيرة وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان عملية خطف الجندي الإسرائيلي "موشيه تمام" التي نفذتها مجموعة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في منتصف الثمانينات في فلسطين واحتجزت الجندي لعدة أيام، وعندما استحال نقله الى خارج فلسطين قتلوه، وكذلك خطف الجنديين الإسرائيليين "ايلي سعدون وآفي سبارتوس" من قبل مجموعة من حركة المقاومة الإسلامية – "حماس" بتاريخ 3/5/1989، وتم قتلهما ودفن جثتيهما، واكتشفت جثة الأول بعد شهر تقريباً وجثة الثاني بعد بضعة سنوات وكان الهدف مبادلتيهما بأسرى، وفي العام 1992 تمكنت مجموعة من مقاتلي حركة "حماس" من أسر الجندي الإسرائيلي نسيم توليدانو وتم قتله حين هاجمتهم القوات الإسرائيلية.
ولكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل ولم تنجح في تحرير أي من الأسرى، وتبقى عملية أسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" بتاريخ 25 حزيران 2006 هي الأبرز ونأمل أن تنجح في اطلاق سراح العديد من الأسرى لا سيما القدامى منهم.
أما عن أسباب فشل تلك المحاولات فلسطينياً وعدم نجاح اتمام عمليات تبادل جديدة والتي كان آخرها في مايو عام 1985، فيمكن تلخيصها على أنها ذاتية وموضوعية، ذاتية مرتبطة بأجندة الفصائل وعدم اصرارها على ذلك أحياناً، وبخبرة منفذي العمليات ومحتجزي الجنود أحياناً أخرى، وموضوعية تتعلق بالوضع الجغرافي والوجود العسكري المباشر لقوات الاحتلال في كل مدن ومخيمات وشوارع فلسطين مما صعب من مهمة نجاحها، ومن ناحية أخرى طبيعة حكومات الاحتلال المتعاقبة التي ترفض مبدأ التبادل، أو التفاوض من أجل التبادل والرهان على القدرات الأمنية والعسكرية وانتهاج القوة في تحرير المحتجزين لدى المقاومة كما تطرقنا إليه آنفاً.
وفلسطينياً للأمانة المهنية يمكن القول بأن حركة "حماس" تميزت عن غيرها من الفصائل الفلسطينية خلال الإنتفاضة الأولى وكانت الأكثر محاولة وتنفيذاً لعمليات أسر جنود ومستوطنين إسرائيليين، فيما تراجعت غالبية الفصائل عن هذا النهج، أما حركة "فتح" والسلطة الوطنية فركزت اهتمامها ومنذ إعلان المبادئ في أوسلو بتاريخ 13/سبتمبر 1993، على تحرير الأسرى من خلال العملية السلمية والمفاوضات المباشرة، وبالرغم مما سجلناه من تحفظات وانتقادات شديدة لما تخلل "أوسلو" والإتفاقيات اللاحقة وما واكب العملية التفاوضية من أخطاء كبيرة ذات علاقة بقضية الأسرى، إلا أنها "أي السلطة الوطنية الفلسطينية ومن خلال العملية السلمية" نجحت فعلياً خلال الفترة الممتدة ما بين "أوسلو" سبتمبر 1993 وحتى انتفاضة الأقصى سبتمبر 2000 في تحرير الآلاف من الأسرى الفلسطينيين والعرب، وصلت نسبتهم إلى قرابة 90% من الأسرى، وحتى خلال انتفاضة الأقصى تم اطلاق سراح أكثر من ألف وخمسمائة معتقل تحت عنوان "حسن النية" أو تعزيز الثقة.
وتُعد صفقة "وفاء الأحرار" إنجازًا تاريخيًا للمقاومة الفلسطينية، ورسمت لوحة وطنية مشرقة، إذ شملت قيادات فلسطينية تقضي محكوميات عالية في السجون الإسرائيلية تصل إلى 745 عامًا، وأسرى من مختلف ألوان الطيف الفلسطيني، ومن كافة الأراضي الفلسطينية، من قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة والأراضي المحتلة عام 1948 والقدس المحتلة، وآخرين من الجولان السوري المحتل، وهو ما عكس حرص المقاومة على شمولية الصفقة.