وعلى الزائر للمكان أن يُجهز نفسه باللباس المناسب والحذاء الجيد، بينما يتكفل موفق شيخة (أبو أحمد) بتوفير سُلَّم حديدي ومصباح يدوي وعبوة مياه؛ فذلك جزء من عمله في مجلس بلدية بيت ليد بمدينة طولكرم (شمال الضفة الغربية).
بغير هذه الأدوات لن يتمكن أحد من الوصول إلى مغارة "هُرُبّة باطن الحمام" أو "جعيتا" كما يسميها الفلسطينيون، لا سيما سكان البلدة، أما محاذير الدخول فلا تقل أهمية عن ذلك.
على مدى ملايين السنين تشكلت الهوابط والصواعد من الصخور الكلسية المترسبة داخل المغارة، فأضافت لها بُعداً جمالياً ورونقاً كأنها لوحات فنية رُسمت بأيدي أبرع الفنانين بالعالم، أما أعمدتها فبدت كما لو أنها رومانية البناء.
موفق شيخة دليل السائحين ورفيقهم لمغارة جعيتا فلسطين |
الجمال والعلاج وفي الهُرُبّة -التي تعني المكان المتسع حسب تفسير أهل البلدة- تشرئب أعمدة من الصخر نحو السماء وتهبط أخرى صوب الأرض، لتشكل سوية تحفا فنية معمارية طبيعية التكوين والنشأة، ونتوءات تشبه بالضبط مغارة جعيتا اللبنانية.
تقول روايات يقصها الأهالي للزوّار حول تسميتها "هُرُبّة الحمام"، إن أسراب الحمام البري تعشش بين شقوقها بكثرة، وكان الناس يأتون ليلا لاصطياده بتغطية فتحة المغارة بقطعة قماش كبيرة يحدثون بها ثقبا صغيرا مضاء، ثم يُلقون بالحجارة في قعرها ليبدأ الحمام بالطيران فيصطدم بعضه ببعض حتى يهتدي لمكان الضوء فيظن أنه طوق النجاة، فيبدأ التدافع عبره ليجد نفسه وقع في شراك الصيادين.
لا يكلُّ أبو أحمد ولا يملُّ من مرافقة الوفود السياحية والباحثين الزائرين للمغارة، التي أضحت معلما سياحيا يقصده الكثيرون، لا سيما أهالي القرية الذين تتنوع زياراتهم بين سياحية وعلاجية.
فعلى مدى سنين طويلة استخدمت مياه المغارة التي تتجمع بحوض حجري بشكل طبيعي في العلاج من حصر البول، و"لا ندري إن كان ذلك علماً أم محض اعتقاد لدى الناس"، هكذا يقول أبو أحمد.
يردد الرجل كثيرا كلمات، مثل: "انتبه"، و"تحسس بيديك الطريق"، و"اخفض رأسك"، لكي يجنب الزائر اصطداما بأحد الأعمدة المتدلية أو نتوءاتها الحادة، فهي تبدو كمسلات أو سيوف؛ فالانحناء ضروري لتصل لنهاية المكان بسلام.
أصل النشوء تشكلت هذه المغارات بفعل عمليات الانطواء والانكسار في هيئة طبقات القشرة الأرضية التي أحدثت تشققات في هذه الطبقات، ومع توالي السنين تسربت مياه الأمطار التي تحوي ثاني أكسيد الكربون لتتحول إلى حامض كربونيك مخفف يتفاعل مع كربونات الكالسيوم لتشكل عامل ضغط وحتّ للكلس الموجود على هذه الشقوق.
يقول الباحث الجغرافي وأحد سكان البلدة المهتمين هاني قرارية إن هذا النوع من المغارات يطلق عليها "المغارات الكاريستية"، ويوجد بفلسطين العديد منها، لكن ميزتها تكمن في طول عمرها وتطورها، ويبدو ذلك واضحا في الستائر الصخرية والأعمدة الكلسية، ويكمن جمالها بكونها باطنية تحت الأرض؛ مما يجعل هواءها رطبا باردا لعدم دخول أشعة الشمس إليها.
تتوسط المغارة صخرة ضخمة، حيث تقول إحدى روايات الأهالي إن أحد السكان القدماء تعلق بها لاصطياد الحمام من الأعشاش المتدلية فسقطت عليه ودُفن أسفلها، أما فوهتها الواسعة فقد نجمت عن سقوط الهوابط وعدم قدرة السقف على حملها.
أمام كل هذا تقف بلدية بيت ليد عاجزة عن تهيئة المغارة أو حتى حمايتها، كما تظل وعود المسؤولين حبرا على ورق، كما يقول منصور الصوص رئيس البلدية.
ويبحث الصوص عما يُعزز مسارات السياح للمغارة عبر تهيئتها واستصلاح الطريق المؤدي إليها، عله يخفف بذلك من هواجس الأهالي الذين يرقبون بخوف وحذر طلبة من جامعات إسرائيلية ومستوطنين يزورون المغارة بين الحين والآخر .
المصدر: الجزيرة نت