كشف تحقيق أجراه تلفزيون "وطن" بالتعاون مع "مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية" ان بلدية البيرة أنفقت ما لا يقل عن 1.5 مليون شيكل على عملية تكرار مياه المستوطنات للمستوطنين دون أي مقابل مادي يدفعه المستوطنون، بل على العكس يدفع ذلك الفلسطيني من جيبه.
وأظهر التحقيق أن المحطة تعالج نحو 5 آلاف متر مكعب يومياً من المياه العادمة، وتخدم قرابة 50 ألف فلسطيني ومستوطن، لاسيما وأنها تعالج مياه المستوطنات المحاذية لمدينة رام الله خصوصا مستوطنتي "بسيغوت" المقامة على أراضي جبل الطويل، و"بير يعقوب" المقامة على أراضي سطح مرحبا في المدينة.
وبين التحقيق أن المحطة تعالج يوميا حوالي 75 مترا مكعبا من مجاري المستوطنات وفقاً لتأكيدات الطاقم الإداري والفني في المحطة، ويبلغ سعر معالجة الكوب الواحد (4 شواقل و30 أغورة/ 1.3 دولار) وفقاً لكشوفات بلدية البيرة.
وكشف التحقيق أن البلدية تنفق يومياً (322 شيقل/ 100 دولار)، ما يقارب ( 10 آلاف شيقل/ 3 آلاف دولار) شهريا، كتكلفة لتكرير مجاري المستوطنات، أي ما يقارب حوالي (118 ألف شيقل/ 32 ألف دولار) سنويا، مبينا أنه تم تكرير أول كوب من المياه العادمة للمستوطنات مع تأسيس المحطة مطلع عام 2000، حيث يصبح مجموع ما أنفقته البلدية حتى اليوم لصالح المستوطنين قرابة 1.5 مليون شيقل، وما زال الانفاق سارياً لغاية اللحظة، دون أن يتكلف المستوطنون دفع شيقل واحد مقابل هذه الخدمة.
ضرائب الفلسطينيين
وأوضح التحقيق أن بلدية البيرة تفرض ضريبة على مواطني المدينة مقدارها (1.8 شيكل) ضريبة، على كل كوب مياه شرب مستخدم مقابل عملية التكرير، لنصل إلى نتيجة أن المواطن الفلسطيني من سكان مدينة رام الله هو الذي يدفع ثمن المياه التي يشربها المستوطنون المستفيدون من مشروح محطة التكرير.
وأشار التحقيق بلدية البيرة في عام 2007 رفعت الضريبة على المواطنين من (1.8) شيقل إلى (2.8) شيقل، بزيادة (60 أغورة)، موضحاً، أن "جزءًا من هذه الضريبة يُنفق على تكرير مياه المستوطنات"، وباعتراف رئيس البلدية في حينها جمال الطويل.
تضارب في التصريحات الرسمية
من جهته رئيس قسم الهندسة في بلدية البيرة موسى جويّد، أوضح أن " استقبال مياه المستوطنات الإسرائيلية وتكريرها في المحطة جاء في عام 2000 بعد اتفاق سياسي بين السلطة وإسرائيل".
وقال جويد "لا يوجد أي اتفاقية أو علاقة أو اتصال من قريب أو بعيد بين بلدية البيرة والمستوطنات، كاشفاً "الاتفاق كان على المستوى السياسي"، وأن "تكرير مياه المستوطنات كان مقابل سماح "إسرائيل" بترخيص محطة التنقية".
وفي السياق ذاته نفى مجلس المياه الوطني تصريحات البلدية السابقة، مؤكدا أنه تم ربط مياه المستوطنات العادمة بالمحطة رغما عن السلطة الفلسطينية.
وقال مدير عام مجلس المياه الوطني في سلطة المياه أحمد الهندي، "إن الجانب الإسرائيلي قام بمد خط مباشر لشبكة الصرف الصحي من المستوطنات لمحطة التنقية دون تنسيق أو إتفاق مع الفلسطينيين، وبشكل أحادي الجانب، مضيفاً، "إن إسرائيل لم تشترط ترخيص المحطة مقابل تكريرها لمياه المستوطنات".
من جانبه، أكد مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين د. عبد الرحمن التميمي، أن تصاميم المحطة أنُجزت قبل قدوم السلطة، وفقاً لترتيبات بين بلدية البيرة وإسرائيل، مضيفاً "بعد قدوم السلطة هناك من أغمض عينيه عن الموضوع".
وأشار التحقيق أن الجهة الداعمة للمشروع والمتمثلة ببنك التنمية الألماني رفضت التعليق على القضية.
واتهمت مديرة البرامج في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية نور سليم، الدول المانحة بعدم ممارسة أي ضغوط على سلطات الاحتلال فيما يتعلق بشروط التراخيص الممنوحة للمشاريع الفلسطينية.
وطالبت سليم الحكومة الألمانية والدول المانحة، بالضغط على الاحتلال كي تخدم المشاريع الفلسطينيين فقط، وعدم إشراك المستوطنات الإسرائيلية فيها.
وتقع محطة تنقية المياه بـ"واد العين" الذي يبعد قرابة واحد كيلو ونصف الكيلو متر عن طرف المدينة الجنوبي الشرقي، ضمن الأراضي المصنفة "ج" حسب اتفاقية أوسلو، حيث يقيم جيش الاحتلال في جوارها برجا عسكريا للمراقبة، ويمنع الفلسطينيين من الاقتراب منها.
مدير محطة تنقية المياه العادمة التابعة لبلدية البيرة محمود سليمان عابد، كشف من خلال التحقيق أن المستوطنين يقومون بزيارة المحطة بين حين وآخر، قائلاً: "إدارة المحطة تبلغ البلدية برغبة المستوطنين في القدوم، لأننا لسنا أصحاب قرار، أو يقوم المستوطنون بإبلاغ البلدية، والبلدية تسمح لهم بذلك وليس إدارة المحطة"، في حين نفى رئيس قسم الهندسة في بلدية البيرة موسى جويّد هذا الامر، وأي علاقة بين البلدية والمستوطنات.
مطالبة مالية بـ17 مليون شيقل
مصدر مطلع في سلطة المياه الفلسطينية، كشف أن السلطة طالبت سلطة المياه الإسرائيلية بـ (17 ) مليون شيقل في بداية عام 2012 مقابل دخول مياه المستوطنات العادمة إلى محطة البيرة لتنقية المياه، وتعويضا للخلل أو العطب الذي يلحق بالمحطة بسبب عملية التكرير، وهو الأمر الذي لم يلقى استجابة من قبل سلطات الاحتلال.
مديرعام مجلس المياه الوطني في سلطة المياه أحمد الهندي، أكد أن المطالبة المالية بـ( 17 ) مليون شيقل للجانب الإسرائيلي، بمثابة تعويضات عن "التدمير الممنهج للمحطة"، وأن موقف السلطة واضح برفض شبك مياه المستوطنين العادمة، بمحطات الصرف الصحي الفلسطينية.
وتعقيبا على ما سبق قال عضو الإدارة العامة للمجالس المشتركة في وزارة الحكم المحلي سليمان أبو مفرح إنه " لا يوجد أي نوع من المطالبة المالية للمستوطنات بأي شكل من الاشكال، مقابل المياه العادمة التي تتدفق على محطة التنقية".
وأضاف أبو مفرح "فكرة الحصول على الأموال من المستوطنات مقابل تكرير المياه العادمة فكرة مرفوضة لأنها تأتي ضمن إطار اتفاقية مع المستوطنات وهذا مخالف لمبدأ الوزارة العام برفض أي تعاون مع المستوطنات في مجال البنية التحتية".
250 مليون من السلطة لإسرائيل
مع استمرار المحطة في تكرير مياه المستوطنين العادمة رغما عنهم كما يؤكدون وبدون مقابل مادي، فإن السلطة الفلسطينية لغاية اللحظة، دفعت ( 250 ) مليون شيقل لدولة الاحتلال منذ عام 2003، مقابل تكرير المياه العادمة الفلسطينية التي تتسرب من الضفة وتصل إلى داخل الخط الأخضر في خمسة مواقع، وتستفيد منها "إسرائيل" في الزراعة، وفقا لمعلومات مجلس المياه الوطني.
ونوه التحقيق أن وزارة المالية في حكومة رام الله رفضت التعليق على هذه الأرقام، ليبقى القول "إن جزء من الأموال المخصصة للشعب الفلسطيني تذهب هباءاً منثورا لصالح المستوطنات الإسرائيلية، في وقت تعاني فيه السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة وديون متراكمة.