كشبابٍ عربي مهتمٍ بقضايا عروبته ندركُ ما حدث في نكبة 48، ولكن أغلبنا لا يدركُ ما كان مصيرُ كل أولئك الذين تم اقتلاعهم من أراضيهم وبيوتهم، ولا يعرفُ محاولة سلخ ذاكرته وموروثه الشعبي، Yسرائيل التي تعمل على إرساء قواعدها وكينونتها تعمل على تعتيم حق العودة للفلسطينيين، ونحن نمر باليوم العالمي للاجئين، موازاة مع مخلفات الحروب الدامية التي تمر بالوطن العربي، ماذا نعرفُ عن "اللجوء" و"اللاجئين"؟
من يتوقعُ أن يجد إجابة شافية، أو جملةً معلبةً كما تظهر عبر مختلفِ وسائل الإعلام، فلا أنصحه بإكمال بقية المادة. أين ذهب فلسطينيو النكبة؟، سوى أنهم أصبحوا لاجئين في الشتات، في دولٍ مجاورة (لبنان، سوريا، الأردن والعراق)، أو دولٍ أبعد، أو أصبحوا أبناء المخيمات داخل وخارج فلسطين، ربما يتضح لنا اليوم كجيل صار يعتمده في إعلامه على أكثر من الراديو والتلفزيون والجريدة، وتعرّف عن معنى اللجوء عن كثبٍ.
بعد النكبة السورية والعراقية التي عرفناها في السنواتِ الأخيرة: في انتظار حق العودة، من يكفلُ للاجئ حياةً كريمة؟ نحن جيل نعرفُ التاريخ بالعناوين وليس بالخلفيات الحقيقية، ربما تعودنا على المعلومة الطازجة دون بحث طويلٍ، في أولِ مرةٍ عرفتُ فيها أن للجوء قوانين تطبق على اللاجئ في أي دولةٍ وجدت من خلال صديقةٍ فلسطينية تنتمي إلى لاجئي مخيم عين الحلوة في الجنوب اللبناني، كنتُ من الذين يعتقدون أن المخيم عبارة عن خيمة، ولكن اللاجئ فيه كبقية السكّان ويتمتع بنفس حقوق أي من المواطنين.
لم أكن أعرف أن المخيمات عبارة عن بناءات على رقعةٍ لا يمكن أن تتمدد عرضيًا مهما تمددت أرقام المواليد، لذلك كان يعمدُ أهله إلى تمدد عمودي فالمتر المربع الذي كان يحمل عشرة أشخاصٍ، سيحمل عشرة آخرين، في طابقٍ آخر، ولنا أن نتصور كيفُ يعيش أفرادٌ يفتقرون لمساحة مناسبة لمد أجزائهم دون تطبيق الساقين أو تكوير الجسد ككل.
كيف يتعلمون ويأكلون؟، ماذا يلبسون وبماذا يحتمون في البرد والمطر والعواصف سوى بالله، وكيف يمارسون حياتهم، والأهم من هذا كله: هل ينعمون بحق العمل، إذا كانت أغلبُ دولنا العربية لا توفر مناصب بعدد مواطنيها الأكفاء، ماذا عن –لاجئ-؟!
الحديث عن قضية اللجوء، تضعنا أوجها لوجهٍ مع قضيةٍ إنسانيةٍ بالدرجةِ الأولى، لنختبر إنسانيتنا قليلًا، الذي فرّ هاربا من الموت المحقق طمعا في حياةٍ أقل موتًا، وكذلك الذي نُفي غصبًا يتكور في غصته، ماذا سيقدمُ له بلدُ اللجوء؟ التاريخُ شاهدٌ على كلِ الانتهاكات التي طبقت على المخيمات داخل وخارج فلسطين، ستلمعُ في رؤوسنا مجازر صبرا وشاتيلا وتل الزعتر، ماذا حدث في مخيم نهر البارد وبرج البراجنة، ومؤخرا ماذا حدث في مخيم اليرموك، إلا صور الهياكل العظمية، وأبسط حقٍ قد نطالب به هو حق البطن.
زد على أن الحل الوحيد أنذاك للفلسطيني النازح هو بناء مخيمات داخل الوطن كما عبر عنها مريد البرغوثي في سيرته "رأيتُ رام الله"، أبعدُ من قضية اللجوءِ، ماذا نعرفُ عن أوضاع اللاجئين بعد التهجير؟، ماذا كفلت لهم القوانين الدولية للعيش كإنسان طبيعي وحقهِ في أبسط الحقوق الإنسانية من تعليم، مأكل، ملبس، تطبيب، عملٍ وبيتٍ لضمان أقلِ درجات العيشة كريمة، ما هو اللاجئ في تعريف الأونروا والجامعة العربية، وماذا عن حقهِ في العودة وتقرير المصير وحق التعويض، وماذا عن قانون العودة الذي تنصهُ إسرائيل اليوم؟
هُنا ليس بوسعي الغوصُ في وضعية اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، ولا اللاجئين العرب الذي أكلتهم الحرب ففروا بنصفِ أجسادٍ في قواربِ الموت فابتلعهم البحر بثقبٍ صغيرٍ أو الذين هربوا مشيا على الأقدام، الإحصائيات والتحقيقات تثبتُ أن المخيمات لا توفرُ في الأغلبِ ملبسا وغطاءً، مأكلا وتعليما وتطبيبا يليقُ بالإنسان، في يومِ اللاجئ ليس بوسعنا أن نقول: "في انتظار حقِ العودة، أين اللاجئون من الحياة؟"