شبكة قدس الإخبارية

فلسطينيات في سوق العمل: أجور متدينة وعقود وهمية واستغلال غير محدود

شذا حنايشة

جنين – خاص قُدس الإخبارية: "أعمل خمسة أيام في الأسبوع لأكثر من سبع ساعات في اليوم، زوجي أسير ولا يوجد معيل لأولادي الستة، وأنا آخذ 375 شيقل في الشهر أفضل من أن أمد يدي للناس". تقول "أم يزن" عاملة النظافة في احدى المدارس الخاصة بمحافظة جنين.

وتكمل "أم يزن" حديثها عن تجربتها الصعبة موضحة سبب موافقتها على العمل مقابل راتب متدنٍ بالقول، "لا يوجد بديل عن هذا العمل، تركت تعليمي الجامعي بسبب الأوضاع المادية، طلبت من المديرة رفع راتبي قليلا لكنها تقول لي إن لم يعجبك العمل يمكنك المغادرة ويوجد المئات يوافقن على هذا العمل وبراتب أقل".

حكاية "أم يزن" ليست حالة خاصة أو شاذة، ففي فلسطين تُسجل آلاف الحالات لنساء وفتيات دفعتهن الظروف الصعبة والغياب التام للجهات المختصة إلى القبول بظروف عمل غير إنسانية وأجور لا تستحق حتى عناء الاستيقاظ مبكرا من النوم!

"أم أحمد" أرملة وأم لأربعة أطفال تعمل سكرتيرة بلا عقد عمل لدى احدى أطباء الأسنان، وتحصل على 700 شيقل شهريا، تتحدث من جانبها بما لا يختلف كثيرا عن حكاية "أم يزن" فتقول، "أنا بحاجة للعمل، وإيجاد عمل لشخص لم ينهي تعليمه أمر صعب، في البداية كنت أحصل على 500 شيقل ولكن بعد وفاة زوجي أصبح الراتب أكثر، راتبي لا يكفينا لنهاية الشهر ولكن ماذا نفعل، لنا الله".

استغلال الفتيات لا يتم فقط للواتي لم ينهين تعليمهن، بل يصل الأمر للخريجات الجامعيات، اللواتي يقعن ضحية أرباب عمل يستغلون قلة فرص العمل وحاجة الفتيات للعمل والدخل الشهري.

فتروي سهى الخريجة الجديدة عن تجربتها في العمل بمجال التسويق موضحة أنها تحصل على راتب لا يزيد عن 400 شيقل شهريا، وترى أن العمل براتب متدنٍ يعود إلى قلة الفرص في سوق العمل وحاجة الخريجين الجدد إلى خبرات.

تقول سهى، "أنا خريجة جديدة وفي كل مكان ذهبت إليه طلبوا مني شهادات خبرة وسنوات طويلة من العمل، هذا العمل يزيد من خبرتي، الراتب نعم قليل لكنه يغطي جزءا ضئيلا من مصروفي الشخصي، وفي النهاية أفضل من لا شيء".

ويظهر رفض جميع من تحدثنا إليهن ذكر أسماءهن جانبا آخر من معاناة النساء في سوق العمل، ويتمثل في حالة الخوف المستمر من الطرد بسبب حتى مجرد الشكوى وإن كان دون ذكر ما يشير لمكان العمل أو هوية صاحب العمل، هذا عدا عن تجاوز أصحاب العمل بشكل صريح قانون الحد الأدنى للأجور، الذي يلزم أرباب العمل بدفع رواتب شهرية لا تقل عن 1450 شيكل.

"استغلال الفتيات ومنحهن أجور متدنية أمر لا أخلاقي بتاتا، وفي العادة يتم في قطاعات محددة مثل رياض الأطفال والخياطة وأحيانا السكرتارية ولكن الحل يبقى في أيدِي العاملات"، يقول أمين سر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين حسين فقهاء.

ولكن بعد البحث والمقابلات لاحظنا أنه لم يكن هذا الاستغلال حكرا على هذه الوظائف فقط، فالمدارس الخاصة كان لها نصيب كبير من هذا الاستغلال، حيث تقول أحلام مدرسة التربية الابتدائية في احدى المدارس الخاصة، "أعمل في هذه المدرسة منذ أكثر من خمس سنوات، لم يزد راتبي عن 500 شيقل، على الرغم من أني مسجلة كمعلمة في التربية والتعليم إلا أنه لم يسألني أحد عن راتبي"

وتضيف أحلام، "في العقد الموقع مكتوب أنني أتقاضى الحد الأدنى للأجور لكن على الواقع لا آخذ ربعهن، هناك ظلم نعم ولكن المئات يحلمون بهذه الوظيفة".

وعن سبب موافقتها على ذلك، تقول أحلام: "أولا لن اضطر للوقوف في طوابير المتقدمين للتربية والتعليم الطويلة للحصول على فرصة، ثم أن التعليم مهنة راقية وسامية، وأنا من خلال عملي هذا أوصل رسالة وأساعد شخص على التعلم".

ويرى وكيل وزارة العمل ناصر قطامي أن جزءا من المسؤولية تقع على الفتيات اللواتي يوافقن على العمل مقابل هذه الرواتب، ويقول، "عدم التزام المشغل بقانون الحد الأدنى للأجور خرق للقانون، ولكن موافقة العاملات تواطؤ مع صاحب العمل، يجب أن يعرفن أنهن يساهمن ويساعدن المشغل على انتهاك حقوقهن"، وفق تعبيره.

لكن قطامي لا ينكر في الوقت ذاته أن المسؤولية تقع أيضا على الحكومة والقطاع الخاص والنقابات، مشددا على ضرورة التحرك من أجل إنهاء هذه الظاهرة وإيجاد حل جذري لها.

ويعزو ناصر قطامي هذا الاستغلال إلى ثلاثة أطراف وهم العامل والمشغل والوزراة، مضيفا أن الاستغلال يتم في المناطق المهمشة مثل مناطق C والقرى "والمدن البعيدة عن الوسط". ويعترف أن ذلك يرجع قلة الكوادر التفتيشية في الوزارة، وعدم قدرة الوزارة على متابعة كافة القطاعات في كافة المناطق، مضيفا، "قدراتنا محدودة ومقيدة قليلا لكن هذا لا يمنع من ممارسة دورنا".

وعن دور الاتحاد والجهات الرسمية في الحد من هذا الاستغلال يقول فقهاء، "لا يمكننا الدخول إلى أي مؤسسة فلسطينية واتهامها بإعطاء رواتب متدنية دون دليل، الجهات الرسمية لا تستطيع التحرك ما دامت لم تتلق شكوى رسمية من احد العمال"، مشيرا إلى أن الاتحاد يسعى جاهدا لتوعية العمال بموضوع العقود والحد الأدنى للأجور من خلال الورشات الإرشادية والندوات والإعلانات التوعوية.

الجدير ذكره أن قانون الحد الأدنى للأجور أصدر في الأول من كانون الثاني للعام 2013 ووقع من قبل أطراف العمل الثلاث: القطاع الخاص، والنقابات العمالية، والحكومة، وينص على أن يكون الحد الأدنى للأجور الشهري في جميع مناطق السلطة الوطنية وفي جميع القطاعات 1450 شيقلا، وأن يكون الحد الأدنى للأجور لعمال المياومة، خاصة العاملين بشكل يومي غير منتظم إضافة إلى العمال الموسميين، 65 شيقلا يوميا، وأن يكون الحد الأدنى للأجور لساعة العمل الواحدة للعامل 8.5 شيقل.

ومع المعطيات والشهادات المتوفرة، يبدو واضحا أن هؤلاء العاملات ضحية ظروف اقتصادية سيئة ومشغل يستغل حاجتهن، وجهات رسمية تصدر القوانين دون أن تتابع لاحقا من يطبق القانون أو من سيتأثر بهذه القوانين إيجابا أو سلبا.