فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: لأول مرة منذ نهاية العدوان الأخير على غزة عام 2014، تكتشف قوات الاحتلال الإسرائيلي أنفاقا مخصصة لمهاجمتها من غزة، وهي أنفاق شرعت حماس في حفرها بعد انتهاء العدوان الأخير لتنفيذ عمليات هجومية ضد الاحتلال الإسرائيلي، مثل عملية أسر الجندي "جلعاد شاليط" التي نفذت عن طريق نفق أيضًا عام 2006 وقتل أثنائها جنديان بجيش الاحتلال أيضا.
وفق ما كشفت عنه قوات الاحتلال، فإن هناك تطورًا واضحًا في حفر الأنفاق وتجهيزها، فالأنفاق مكونة الآن من وحدات خرسانية أكثر سُمكًا لمنع الماء من الوصول لها أثناء المطر والتسبب بانهيارها، وهي مجهزة بالكامل بالكهرباء والاتصالات والتهوية والقضبان الخاصة للنقل، "لقد استمرت عملية الكشف عن النفق مدة شهرين، ونحن نعتقد بأن هناك المزيد"، يقول "بيتر لرنر" المتحدث باسم قوات الاحتلال، ويضيف، "النفق الذي وجدناه على بعد بضعة أمتار من سور بقرب تجمع سكني إسرائيلي كان كبيرًا بما يكفي ليقف فيه رجل ويحمل الأسلحة بل وقذائف الآر بي جي".
حماس وحرب الأنفاق الأكثر كفاءة
تُعَد الأنفاق حاليًا التحدي الأبرز الذي تواجهه قوات الاحتلال لا سيما مع التطور في بنائها وتجهيزها من جانب حماس، وهو تحدي يستنزف ميزانيتها العسكرية في الحقيقة، نظرًا لاحتياجها إلى مئات الملايين من الدولارات لتطوير تقنيات الكشف عن الأنفاق تحت الأرض وتحديد موقعها وعُمقها بدقة ومن ثم تدميرها، في مقابل ميزانية أقل بكثير تتكبدها حماس لحفر النفق الواحد لا تتعدى 200 ألف دولار، وهو ما يعقد المعركة بين الطرفين أكثر من صواريخ حماس في السابق، والتي نجحت القبة الحديدية الإسرائيلية في الحرب الأخيرة بقطع الطريق على 90% منها.
ليس غريبًا إذن الجهد الكبير الذي تبذله حماس هذه الأيام لبناء المزيد من الأنفاق بطول الحدود مع غزة، والتي صرحت أن عددها يصل لخمسين، وهي أنفاق يشعر بحفرها أحيانا سكان "الكيبوتسات" على الحدود مع غزة، كما يقول بعض المستوطنين القاطنين هناك، "لقد سمعت صوت مطرقة وإزميل بشكل واضح، وجاري هنا يقول بأنه يستطيع سماع أصوات حفر من تحتنا"، هكذا يقول أحد سكان المستوطنات.
في الجنوب المحتل المتاخم لغزة ينتشر القلق هذه الأيام من اندلاع حرب جديدة بسبب الأنفاق قد لا تكون قوات الاحتلال "جاهزة لها بما يكفي، وهو قلق حاول وزير جيش الاحتلال "موشيه يعالون" أن يخفف من حدته بإعلان الجاهزية الإسرائيلية التامة لمواجهة حرب "تحت الأرض" في أي وقت، غير أن معالم المعركة التي لا تزال خفية ولو جزئيًا على الاحتلال تعني أن الثقة التامة بإشعال حرب كاملة على غزة غير موجودة، وهو ربما هدف آخر من معركة الأنفاق التي تمضي فيها حماس؛ أن تنقل المعركة لمكان يصعب على الإسرائيليين فيه امتلاك زمام المبادرة، وبالتالي تصبح هي أقدر على اختيار التوقيت المناسب لها ولقطاع غزة لإشعال المعارك.
يشي بذلك الارتباك الذي أصاب "إسرائيل" في 2014 أثناء حربها مع حماس بعد أن وصل 13 مسلحًا من الحركة إلى حقل تابع لكيبوتز إسرائيلي في الجنوب عبر نفق، في مفاجأة غيّرت من الحسابات الإسرائيلية التي انصبت سابقًا على ضرب حماس داخل القطاع وقواعدها الصاروخية وإمكانياتها العسكرية الظاهرة على الأرض، إذ أبرزت الحادثة أنذاك عدم إدراك الاحتلال الدور الذي قد تلعبه شبكة الأنفاق وحجمها، وقد صرح يعالون حينها أن تدمير تلك الأنفاق سيستغرق يومين أو ثلاثة أثناء الحرب، وهي فترة امتدت لسبعة أسابيع دون أن تحقق النتائج المرجوة، قبل أن يستغرق الأمر تمويلًا وأبحاثًا ضخمة لكشف وتدمير مجموعة قليلة منها خلال العامين الماضيين، وهي مجموعة لا تتعدي نقطة من بحر الأنفاق الموجودة على حد قول مسؤولي حماس.
"لقد كان واضحًا من الأنفاق التي وجدناها في يوليو 2014 أننا نواجه أمرًا مختلفًا تمامًا عن الأنفاق الضيقة التي عرفناها سابقًا؛ إنها أنفاق واسعة ومجهزة بنظام اتصالات داخلي وبجدران أسمنتية سميكة، وهي محفورة على أعماق أكبر ويمكنك أن تتحرك فيها بأريحية، وما إن دخلتها حتى أدركت أن أهدافها تتعدى مجرد أسر جندي من على الحدود؛ إنها مصممة لنقل مجموعة مقاتلين كاملة في وقت قصيرة مباشرة إلى داخل المستوطنات والمعسكرات المتاخمة للحدود، "هكذا يقول أحد المهندسين الإسرائيليين ممن يعكفون على تصميم تقنيات لكشف الأنفاق الفلسطينية.
700 مليون دولار تكبدتها "إسرائيل" العام الماضي لتطوير تقنيات كشف الأنفاق وتدميرها، وهي تقنيات تؤتي ثمارها جزئيًا كما أقرت حماس نفسها، والتي وجدت معدات إسرائيلية في مواقع الأنفاق المدمرة مثل أجهزة الاستشعار عن البعض والكاميرات، ناهيك عن منظومة استشعار جديدة طورتها شركة إلكترونيات إسرائيلية سيبدأ استخدامها قريبًا، ولكنها منظومة سيكلف تشغيلها حوالي مليون دولار لتغطية كل كيلومتر واحد فقط، مما يعني استمرار الضغط على الميزانية العسكرية الإسرائيلية لرصد الأنفاق وتدميرها، إذ أن نفس المبلغ لدى حماس يمكن إنفاقه لحفر ثلاثة أو خمسة أنفاق مختلفة، ناهيك عن التطورات الحتمية التي ستشهدها عمليات حفر الأنفاق مستقبلًا مما يستدعي الإبقاء على ميزانية البحوث الإسرائيلية.
ليست هناك قبب حديدية تحت الأرض
الأمر إذن أكثر تكلفة من مجرد امتلاك منظومة دفاع صاروخي يتم تدشينها مرة واحدة لحماية "إسرائيل" باستمرار من الصواريخ، ولكنها منظومة معقدة يحتاج تشغيلها وتطويرها لتكاليف مستمرة، وهي منظومة تعمل على مستوى دقيق وصغير لرصد نشاطات تحت الأرض، وليست منظومة ضخمة تغطي الداخل المحتل كله بالجملة لحماية سمائه، وهو ما يشي لنا بالصعوبات التقنية لا المالية فقط، التي تتكبدها "إسرائيل" في معركتها مع حماس تحت الأرض.
"إننا نريد قبة حديدية ولكن تحت الأرض،" هكذا طالب أحد سكان المستوطنات المتاخمة للقطاع، وهو طلب شبه مستحيل بالطبع بالنظر للاختلاف المعروف بين وضوح السماوات وسهولة السيطرة عليها بالأنظمة العسكرية المعتادة، وتعقيد النشاط البشري الدقيق تحت الأرض، والذي يهدف إلى جلب مقاتلي حماس لمواجهة جنود الاحتلال على الطرف الآخر وجهًا لوجه، وللمقارنة هنا بين سهولة تدشين القبة الحديدية وصعوبة تحقيق منظومة دفاعية مشابهة لمواجهة الأنفاق، يمكننا أن نقارن بين سهولة صيد السمك بإلقاء الشباك في المياه أو حتى صيد الطيور في وضح النهار بالبنادق، ومطاردة أسراب نمل تتدفق عبر أنفاق صغيرة يصعب الجزم في أي لحظة بموقعها وحجمها علاوة على أعدادها.
يُقر بتلك الحقيقة "داني جولد" بنفسه، والذي يعتبر الأب الروحي للقبة الحديدية، ففي حديث لأحد الصحافيين معه في تل أبيب، قال: "إن الأنفاق ليست بالأمر البسيط أبدًا على المستوى التكنولوجي كما يعتقد البعض، إنها معضلة لم يتمكن أحد من حلها حتى الآن، وقد بدأت منذ حرب فيتنام ولا تزال الولايات المتحدة تعاني منها في عمليات التهريب بينها وبين المكسيك، لا سيما وأن النقاط التي تبدأ منها على الناحية الأخرى (في غزة) غالبًا ما يستحيل الكشف عنها ولو بالأقمار الصناعية، فالحفر عادة ما يبدأ من الطابق السفلي لمسجد أو مستشفى أو حتى منازل بعض السكان، وتكون مداخل الأنفاق فيها مغطاة بشكل لا يتيح حتى لجميع سكان المنطقة أن يعرفوا بأن هناك مدخل لنفق من هنا، وهو ما يصعب بالطبع مهمة جواسيس "إسرائيل" داخل غزة".
علاوة على كل ذلك، يضيف جولدن، "لا تُعَد الصعوبة فقط في كشف الأنفاق وموقعها تحت الأرض، بل والتيقن أثناء أي حرب مستقبلية من أعدادها أولًا، وأحجامهًا ثانيًا، بما يتيح تقدير القوات اللازمة لمواجهة أي عدد من المقاتلين قد يخرج منها وتحديد مواقع تمركز تلك القوات، وإن كان عنصر التوقيت بعد كل ذلك سيظل عاملًا للاستنزاف نتيجة عدم قدرة القيادة على تحديد توقيت الهجوم المفاجئ، والذي لا تمكن معرفته إلا عند وصول المقاتلين بالفعل لموقع الهجوم، وبالتالي احتياجها لأن تكون على أهبة الاستعداد لهجوم في أي لحظة، وهو ما يُفقدها زمام المبادرة نوعًا ما، ويشكل ضغطًا نفسيًا على سكان جنوب "إسرائيل" بالطبع، مُضافًا للضغط المالي الذي تشكله تلك المعركة اللاموازية على الجيش النظامي الإسرائيلي".
المصدر: نون بوست