شبكة قدس الإخبارية

تأسيس المحكمة الدستورية خطوة قانونية أم لعب في الأوراق؟!

مصطفى البنا

رام الله – خاص قُدس الإخبارية: أثار إعلان الرئيس محمود عباس الأحد الماضي عن تشكيل أول محكمةٍ دستورية عليا في الوطن، موجةً من الانتقادات بسبب طبيعة القرار من جهة وتوقيته من جهة أخرى، حيث يأتي هذا القرار في ظل استمرار انعقاد جلسات المصالحة بين حركتي فتح وحماس ما بين العاصمة المصرية القاهرة والقطرية الدوحة من أجل إنهاء الانقسام والاتفاق على آلياتٍ واضحة لحل الأزمات العالقة.

المحكمة الدستورية العليا التي أسسها أبومازن تعتبر الأولى منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، وعيّن على رأسها محمد الحاج قاسم، يليه أسعد مبارك وسبعة أعضاء آخرين من قضاة محكمة عليا وأكاديميين وخبراء في القانون الدستوري، وفقًا لبيان المستشار القانوني للرئيس حسن العوري.

وأوضح العوري أيضًا أن مهمة المحكمة تتمثل في الرقابة على القوانين واللوائح والأنظمة، إضافةً إلى أنها ستعمل على تفسير نصوص القانون الأساسي والتشريعات والفصل في نزاع الاختصاص بين سلطات الدولة.

رفض فصائلي

النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي عن حركة حماس أحمد بحر، وصف تشكيل عباس للمحكمة الدستورية العليا بـ"الكارثة الوطنية"، مستنكرًا القرار الذي وصفه بأنه "صادرٌ عن شخصٍ لا يحمل صفة دستورية".

وأكد بحر أن المرسوم لا يترتب عليه أية آثار قانونية، وبالتالي عدم دستورية التعديلات التي أجراها عباس عام 2010 والتي تهدف إلى "سلب صلاحيات المجلس التشريعي"، حسب تعبيره.

من جهتها، اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن الخطوة تأتي في مرحلةٍ غير مناسبة تشهد فيها الساحة السياسية الفلسطينية انقسامًا منهكًا ومشتتًا للجهد ومسببًا لشرخ غير مسبوق في المجتمع. وذلك وفقا لما أفاد به القيادي في الحركة خضر حبيب، الذي رأى أيضا أن الوضع بحاجة إلى خطوات تعمل على ترتيب البيت الفلسطيني وإعادة الوحدة.

وأضاف حبيب، "تشكيل المحكمة الدستورية العليا في هذا الوقت سيكون له آثار سلبية على الوضع الفلسطيني الراهن"، مؤكدًا بأن هذا الإجراء ينعكس على المصالحة بأثرٍ سلبيٍ، كما أنه كان الأحرى تأجيل الأمر لحين استقرار الأوضاع لأنها أهم محكمة في السلم القضائي في الدولة"، بحسب قوله.

أما القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رباح مهنا، رأى أن الرئيس لا يمكن له أن يتخذ قرارًا منفردًا، "فقرار تشكيل المحكمة الدستورية العليا يجب أن يكون بعيدًا عن السلطة التنفيذية وتحكمها بها، وألا تكون هيئة المحكمة من لون سياسي واحد كما فعل الرئيس عباس".

واعتبر رباح أن تشكيل المحكمة الدستورية العليا يضيف عقبةً جديدة إلى العقبات الموجودة في مشوار إنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس، اللتان "تتلككان" بأشياء أخرى من أجل عرقلة إتمام المصالحة، مضيفًا أن هذه الخطوة من جانب الرئيس عباس ستزيد الأمور تعقيدًا إلى تعقيدها في ظل انعدام التفاؤل من لقاءات الدوحة والقاهرة أصلًا.

فيما أبدى القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين صالح زيدان، امتعاضه من المرسوم الرئاسي، واكتفى في اتصال بالقول بأن جميع المراسيم التي تصدر تستند إلى صلاحية تفتقد لقاعدة ديمقراطية وأساسٍ ديمقراطي، "وكذلك الأمر بالنسبة للقرارات التي تصدر في غزة، فهي تصدر في ظل انقسام يظهر مدى الفساد السياسي والدستوري الموجود".

تجاوز خطير

المستشار والخبير القانوني عبد الكريم شبير تحدث عن البعد القانوني للمرسوم، حيث قال إن "المجلس التشريعي قد شرع قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا رقم 3 للعام 2006 ولم يتم إعادة البحث فيه إلا حينما عقدت لقاءات في القاهرة والدوحة، بالتالي فانه كان من الأفضل تأسيس المحكمة بعد إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وإيجاد حل للموظفين في غزة، تحت إطار القانون".

وبين شبير، أن القانون 3 للعام 2006 تحدث عن المحكمة الدستورية وتشكيلها وصلاحياتها والمعايير التي يتم على أساسها اختيار قضاة المحكمة، مضيفًا "لكن وللأسف ما حدث هو تجاوز قانوني خطير تمثل في اختيار الأعضاء من لونٍ سياسيٍ واحد ومن خارج السلك القضائي باستثناء اثنين منهم، بعيدًا عن القواعد المهنية والقانونية في انتقاء هؤلاء الأعضاء كونهم سيمثلون أعلى سلطة قضائية في الدولة.

وأوضح شبير أنه يجب أن يسبق الاختيار أيضًا مشاورات من نادي القضاة ووزير العدل والجمعية العمومية للمحكمة الدستورية غير الموجودة وغير المفعلة أصلًا"، مضيفًا "من الخروقات القانونية الهامة التي تمثلت في هذا الأمر هو أداء أعضاء المحكمة لليمين الدستورية، فوفقًا للقانون تؤدى اليمين الدستورية أمام الرئيس ورئيس المجلس التشريعي ورئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل وهذا ما لم يحدث".

وأشار شبير إلى أن تأسيس المحكمة في هذا الوقت يعتبر بمثابة ضربةً استباقية، فالمحكمة من صلاحيتها مراقبة التشريعات وهناك العشرات منها التي صدرت في غزة أو في الضفة، "بالتالي فلو حصل نزاع في المستقبل حول هذه التشريعات فسيتم الرجوع لهذه المحكمة التي أصبح معروفًا لأي الأطراف تنحاز"، بحسب قوله

وكانت 18 مؤسسةً حقوقية توجهت برسالةٍ إلى الرئيس عباس فور إعلان تشكيل المحكمة الدستورية العليا، عبرت فيها عن تفاجئها مما أسمته "حالة التكتم والسرعة التي تمت فيها التشكيلة"، دون الأخذ بعين الاعتبار مطالب سابقة رفعتها المؤسسات للرئيس.

وطالبت المؤسسات عبر رسالتها بألا يكون تشكيل المحكمة مبنيًا على محاصصة سياسية تسعى من خلالها جهة من الجهات إلى السيطرة عليها، وأن يصبح تشكيلها تتويجًا لإعادة الحياة الدستورية ممثلةً بإجراء الانتخابات العامة وتوحيد القضاء.