غزة – خاص قُدس الإخبارية: لا تكاد تسمع في قطاع غزة عن شيء كما تسمع عن مؤسسات الإقراض التي تدعم المشاريع الصغيرة بنظام القرض الحسن أو القروض الخضراء، ما جعل الإقبال كبيرا على إنشاء هذه المشاريع من قبل الشبان العاطلين عن العمل، سواء كانوا من خريجي الجامعات أو غير الخريجين.
و تتبلور محاور النجاح حول قدرة صاحب المشروع على سداد التزامه بدفع أقساط القرض والموازنة بين التزامات المشروع وطرق إدارته وتطويره، وهذا ما يوضح الفرق بين مشروع بُني على الاقتراض ونجح وآخر معرض للفشل أو فشل بالفعل.
آمنة أبو عرار بدأت مشروعها في تجارة المواشي برأس مال لم يتجاوز 500 دولار، واستمرت في الانتقال من قرض لآخر على مدار 15 عاما لتطوير مشروعها. وتوضح أنها كانت قادرة على تسديد أقساط كل قرض قبل المواعيد المحددة لها، وأنها طورت مشروعها حتى أصبح يستوعب تسعة عمال برأس مال يفوق 50 ألف دينار، بناء على أرباحها التي تجنيها من تجارة المواشي.
وتبين أبو عرار، أنها ستستمر في تطوير مشروعها وستستمر بالاقتراض من مؤسسات الإقراض لتبقى قادرة على زيادة رأس مالها سنويا، مشيرة إلى أنها لجأت لاقتراض 18 ألف دولار في موسم عيد الأضحى لتتاجر بها في الموسم وتحقق قدرا مميزا من الأرباح خلال الموسم.
لكن ليست جميع الطرق في هذا المجال معبدة بالورود، فاختلاف التخطيط وكذلك اختيار المشروع أو اختلاف الظروف المحيطة كلها تلعب دورا حاسما في مسألة النجاح أو الفشل، وفي حال الفشل فإن الثمن قد يكون باهظا أحيانا.
ماهر مازن (اسم مستعار) قرر خوض مغامرة المشاريع الصغيرة لكن الأمر لم يكن كما تمنى، فيقول إنه اقترض في عام 2008 سبعة آلاف دولار وافتتح مشروعا لبيع وصيانة أجهزة الحاسوب، وخصص قسما خاصا بالألعاب، ليجد المشروع نجاحا كبيرا في بداية الأمر ويقبل الأطفال بشكل كبير على الألعاب وتحديدا القتالية منها، مشيرا إلى أن اختيار مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة موقعا لمحله ساهم في هذا النجاح.
لكن يقولون "يا فرحة ما تمت"، وينطبق هذا المثل تماما على حكاية مازن، فالحكومة بقطاع غزة شرعت عام 2008 بإغلاق أماكن التجمع وكان منها مشروعه، ما دفعه لتغيير موقع مشروعه لأكثر من مكان، قبل أن ينتهي الأمر لخسارة كبيرة عمقها زيادة المنافسين وأزمة الكهرباء، ليجد نفسه مضطرا لبيع أجهزة الحاسوب بأسعار زهيدة وتسديد جزء مما تبقى عليه من أقساط، قبل أن يعمل كمندوب مبيعات لعام ونصف ويدفع نصف راتبه لمؤسسة الإقراض تسديدا لقرضه.
وحسب إحصاءات مركز الإحصاء الفلسطيني، فإن نسبة البطالة في القطاع بلغت 42.7% خلال الربع الثالث من عام 2015، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل عن 200 ألف شخص. فيما أكد البنك الدولي أن معدلات البطالة في القطاع تعتبر الأعلى عالميا، خاصة بين الخريجين الذين تزيد نسبة البطالة بينهم عن 60%.
وتقول منى العلمي مديرة إقليم غزة للشركة الفلسطينية للإقراض "فاتن"، إن المؤسسة تمول المشاريع الصغيرة والصغيرة جدا من ذوي الدخل المحدود وتركز على النساء والرياديين والشباب والعاطلين عن العمل، وقد منحت قروضا بنحو 85 مليون دولار لنحو 35 ألف مقترض ومقترضة في غزة والضفة وموزعين على 33 فرعا للمؤسسة.
وتوضح العلمي، أن المؤسسة توفر تمويلات متنوعة كالقروض الاستهلاكية وقروض المشاريع وقروض لطلاب الجامعات والقروض الخضراء، مبينة، أنها قدمت تمويلات إسلامية بأسعار فوائد تعتبر الأقل على مستوى العالم، على حد قولها، حيث تتراوح الفوائد بين 5% و8% وتصل أعلاها لـ 12% للقروض الاستهلاكية.
وتضيف، أن أعلى نسبة اقتراض كانت للمشاريع الإنتاجية بنحو 60%، موزعة على سبعة فروع بالقطاع، وقد أخذت غزة الثلث من المحفظة من عدد المقترضين بنحو 12 ألف مقترض ومقترضة في القطاع، فيما كانت حصة القطاع من محفظة المؤسسة 28%.
وتقيّم المؤسسة نجاح المشروع أو فشله بناء على استمراريته وإن كان المقترض قد لجأ للاقتراض مجدداً لتطويره، معتبرة أن نسبة نجاح مشاريع المقترضين عالية وذالك بتقييمها لنسبة الخطر في محفظة المؤسسة، والذي يقدر بأقل من 1%، مقدرة المشاريع المقترضة الناجحة بما يفوق 90%.
ويرى الخبير الاقتصادي معين رجب، بأن الاقتراض لإنشاء مشروع صغير فكرة مميزة لمواجهة مشكلة البطالة، كون هذه المشاريع تتميز بتكلفتها القليلة وتدني حاجتها للتكنولوجيا ولمستوى خبرة عالٍ لصاحب المشروع، مشدداً على ضرورة دراسة فكرة المشروع ومصدر التمويل بشكل جيد فكلاهما يؤثر على الآخر .
ويؤكد رجب على ضرورة إيجاد هيئة إدارية للمؤسسات المصرفية معنية بإيجاد تدريبات للمُقترضين، مُركزاً على هدف القروض التي تقدم للمستثمرين الصغار وضرورة تخفيض نسب الفائدة عليها، ومراعاة ظروف الرياديين الصغار .
ويدعو لإيجاد جهة مشرفة على المؤسسات المصرفية ومؤسسات الإقراض تتابع قيمة الفائدة وتدرس كيفية إيجاد أولوية لتمويل المشاريع بأدنى نسب للفائدة، بهدف مكافحة البطالة والفقر وخلق فرص عمل.