في اثناء العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة في العام 2014، ظهر توفيق عكاشة على فضائية «الفراعين» عده مرات متواصلة طيلة العدوان، ليعرب عن احترامه للجيش الصهيوني قائلاً: «إنه يرفع قبعته له»، واصفا الصهاينة بـ «الرجال الذين انتقموا لثلاثة قُتلوا، فردوا بقتل المئات». وأبدى عكاشة عدم اكتراث بعدد ضحايا العدوان الصهيوني الأخير على غزة، بل ظهر شامتا بأهل قطاع غزة، وبمن سقط وسوف يسقط منهم. وفي أحد اللقاءات رفع عكاشة حذاءه لأهالي غزة، مكملاً ذلك بوصلة سبّ وقذف. قائلاً: «بلا غزة بلا نيلة».
وقد أثنت القناة الثانية الصهيونية بتوفيق عكاشة، بعد هجومه على قطاع غزة، وقد بثت الفضائيات الصهيونية مقاطع من أحاديث عكاشة، خلال تشويشها على الفضائيات الفلسطينية، اثناء حرب غزة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حتى فوجئنا بدعوة توفيق عكاشة، السفير الصهيوني بالقاهرة حاييم كورين، لتناول وجبة العشاء بمنزله في الدقهلية، وعلى الفور لبي السفير الصهيوني الدعوة مساء الأربعاء (24/2/2016). واستمر اللقاء أكثر من ثلاث ساعات تخللها العشاء، واتفق الجانبان على مواصلة اللقاءات، واستمرار التعاون المشترك بينهما.
بعد اللقاء أوضح عكاشة، في حواره لـ«المصري اليوم»، يوم الخميس (25/2/2016)، أنه أكد للسفير الصهيوني علمَه بمكان هيكل سليمان، وبأنه مستعد للسفر إلى الكيان الصهيوني ليدلهم عليه. وأضاف في حواره، أنه تحدث مع السفير الصهيوني حول كتابه الجديد وعلامات آخر الزمان من وجهة نظرهم وهيكل سليمان، وقال للسفير الصهيوني: «أنتم غير قادرين على تحديد مكانه ــ هيكل سليمان ــ وأنا مستعد أن آتي إليكم لتحديد مكانه».
لكن ما لم يقله عكاشة ما هي الأدلة التاريخية على وجود هيكل سليمان في بلادنا فلسطين؟! فعلماء الآثار الذين يبحثون عن أرشيف تاريخي للمرحلة السابقة لممالك داود وسليمان. لم يعثروا على ذلك في فلسطين، علماً بأن الدول المجاورة قد قدمت أرشيفاً تاريخياً للمرحلة نفسها.
ففي السنوات الأخيرة، بدأ الإجماع على فكرة وجود المملكة الدوادية ـ السليمانية يتداعى تدريجياً، وإن كانت هذه الفكرة لا تزال تهيمن على خطاب الدراسات التوراتية، ومن يواليهم من أصحاب الفكر الآسنِ حراسه من بعض الأكاديميين العرب. فقد أصدر ليتش، نقداً معتدلاً في حدته للاستخدام التاريخي للقصص التوراتية من منظور (أنثروبولوجي) بنيوى. والموضوع السائد في كتابه هو أن الكتاب العبري بوصفه نصاً مقدساً لا يوفر مصدراً تاريخياً ولا يعكس بالضرورة حقيقة عن الماضي.
إنه يمثل عند ليتش، تبريراً للماضي يكشف عن عالم القصّاصين أكثر مما يكشف عن أية حقيقة تاريخية. ويطرح أسئلة مهمة جداً تثير شكوكاً حول التقديمات السائدة لحكمي داود وسليمان، وتُسائل تاريخية هذه المرحلة الهامة كما قُدمت في الموروثات الكتابية؛ أنا شخصياً أرى ذلك غير قابل للتصديق. ليس هناك أي دليل أثري على وجود هذين البطلين أو على وقوع أي من الأحداث التي ارتبطت بهما. ولو لا قداسة هذه القصص لكان وجودهما التاريخي مرفوضاً بالتأكيد.
إن السمة الأكثر إدهاشاً في الخطاب ــ الكتابي ــ هي الصمت المطبق للسجل الآثاري حول ما يتعلق باللحظة التعريفية ــ فترة سليمان وداود ــ في تاريخ المنطقة. يشير مِلَّر، إلى أنه ليس هناك دليل على المملكة الداوودية ــ السليمانية خارج التقاليد والموروثات الكتابية، وإن المؤرخين الذين يتحدثون عن هذا الكيان إنما يفترضون مسبقاً صحة المعلومات التي يأخذونها من الكتاب العبري.
شكك عالم الآثار الإسرائيلي يسرائيل فنكلشتاين، من جامعة تل أبيب بوجود أي صلة لليهود بالقدس، جاء ذلك خلال تقرير نشرته مجلة «جيروساليم ريبورت» الصهيونية، توضح فيه وجهة نظر فنكلشتاين، الذي أكد أنه لا يوجد أساس أو شاهد إثبات تاريخي على وجود داوود، هذا الملك المحارب الذي اتخذ القدس عاصمة له والذي سيأتي (الميا) من صلبه للإشراف على بناء الهيكل الثالث، مؤكداً أن شخصية داوود كزعيم يحظى بتكريم كبير لأنه وحد مملكتي يهودا وإسرائيل هو مجرد وهم وخيال لم يكن لها وجود حقيقي. كما يؤكد فنكلشتاين أن وجود باني الهيكل وهو سليمان بن داوود مشكوك فيه أيضاً.
يقول العلاّمة طمسن، في كتابه «الماضي الخرافي (التوراة والتاريخ) »: «جرى تقديم ــ القرن العاشر ق.م ــ بوصفه العصر الذهبي لإسرائيل وعاصمتها في أورشليم. كانت تلك الحقبة مرتبطة بالمملكة المتحدة التي تضم السلطة السياسية لشاول وداوود وسليمان وتسيطر على الجسر البري الضخم من النيل إلى الفرات. إضافة إلى مفهومها عن الهيكل الذي بناه سليمان بوصفه مركزاً لعبادة يهوه.
تلك الصور لا مكان لها في أوصاف الماضي التاريخي الحقيقي. إننا نعرفها فقط كقصة، وما نعرفه حول هذه القصص لا يشجعنا على معاملتها كما لو أنها تاريخية، أو أنه كان يقصد منها أن تكون كذلك. ولا يتوافر دليل على وجود مملكة متحدة، ولا دليل على وجود عاصمة في أورشليم، أو وجود أي قوة سياسية موحدة متماسكة، هيمنت على فلسطين الغربية، ناهيك عن إمبراطورية بالحجم الذي تصفه الحكايات الأسطورية. ولا يتوافر أي دليل على وجود ملوك يدعون شاول أو داود أو سليمان؛ ولا نملك دليلاً على وجود هيكل في أورشليم في هذه الفترة المبكرة.
ما نعرفه عن إسرائيل ويهوذا القرن العاشر لا يسمح لنا بتفسير انعدام الدليل هذا بوصفه فجوة في معرفتنا ومعلوماتنا حول الماضي، أو مجرد نتيجة للطبيعة العرضية للآثاريات. ما من متسع ولا سياق، لا شيء مصطنع أو أرشيف يشير إلى مثل هذه الحقائق التاريخية في القرن العاشر في فلسطين. لا يمكن للمرء أن يتكلم على دولة بلا سكان. ولا يمكنه أن يتكلم عن عاصمة من دون بلدة. والقصص ليست كافية».
إذن لا يوجد متسع لمملكة متحدة تاريخية أو لملوك كأولئك الذين جرى تقديمهم في القصص الكتابية لشاول وداوود وسليمان. إن الحقبة المبكرة التي تؤطر فيها التراثات حكاياتها هي عالم خيالي من زمن غابر لم يوجد على هذا النحو أبداً .. لم يكن من الممكن أن توجد مملكة لأي شاول أو لأي داود ليكون ملكاً عليها، ببساطة لأنه لم يكن ثمة ما يكفي من الناس. دولة يهوذا لم تكن فقط غير موجودة بعد، بل إننا لا نملك أي دليل على وجود أي قوة سياسية في أي مكان في فلسطين كانت كبيرة بما يكفي، أو متطورة بما يكفي لأن تكون قادرة على توحيد الاقتصادات والأقاليم العديدة لهذه البلاد. في هذا الوقت كانت فلسطين أقل توحداً بكثير مما كانت عليه لأكثر من ألف عام. ويكاد الحديث أن يكون غير ممكن تاريخياً عن أورشليم القرن العاشر.
ولم تعثر سنوات من التنقيب على أي أثر لبلدة من القرن العاشر، فلو وجدت ، لكانت ما تزال تبعد قروناً عن امتلاك المقدرة على تحدي أي من (العشرينيات) أو أكثر، من بلدات فلسطين القوية المتمتعة بالحكم الذاتي. يقول فنكلشتاين، وسلبرمان: «وكما رأينا، فإنه لا وجود لشواهد أركيولوجية مقنعة على وجود مملكة تاريخية موحدة اشتملت على جميع أراضي إسرائيل -فلسطين-، وكانت عاصمتها في أورشليم«.
لنتوقَّف هنا قليلاً، لدراسةِ أبعاد بيت الرَّب (الهيكل السليماني المزعوم). وإذا علِمنا أن الذراع “الإسرائيلي” القديم، يساوي 52 سم، فإن طولَ المعبد، يُصبح 31.5 متراً، وعرضَهُ 10.5 متراً، وارتفاعه 15.5 متراً. غنيْ عن القول، أن التفاصيل الوارِدة، في الكِتاب المُسمّى بالمُقدَّس، تتَّسِم بالحماقة، والمبالَغَة. ولن يلبث هذا الوصف المدعو بالإلهي، أن يتلاشى كالثلجِ، تحت أشعة الشمس، إذا ما خَضع لنقدٍ يتمتَّع بهذا القدر من الجِدِّيَة، أو ذاك.
لقد عَمل في بناءِ المعبد 183.300 عامِل، ما عدا الحجّارينَ، والعمال الآخرين، الذين يظهرونَ فيما بعد. وطول المعبد ليس أكثر من 31.5 متراً، وعرضه 10.5 متراً. وقد صَرف هؤلاء البناؤون، سبع سنوات، على بناءِ مبنى مؤلَّف من ثلاثة غُرَف، ويشغَل مساحة لا تزيد على 325 متراً مربعاً.
إنها أرقام تجعلُنا نُصاب بالذهول، إذا ما كانت لدينا فكرة بدائية جداً عن أعمال البناء. فهل كان عمّال سليمان كسالى، إلى هذا الحدِ؟! ومع ذلك فإن أبعاد البناء، التي يذكرها سِفر المُلوك الأول، لا تتوافق مع تلك التي يذكرها سِفر أَخْبَارِ الأَيَّامِ الثَّانِي ( 3: 3-4 )؛ حيث جاء بِهِ: “الطُّولُ بِالذِّرَاعِ عَلَى الْقِيَاسِ الأَوَّلِ، سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَالْعَرْضُ عِشْرُون ذِرَاعًا. وَالرِّواقُ الَّذِي قُدَّامَ الطُّولِ، حَسَبَ عَرْضِ الْبَيْتِ، عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَارْتِفَاعُهُ مِئَةٌ وَعِشْرُونَ”. ويكفي وجود مثل هذا الاختلاف في كِتابٍ، يُزعَم أنه “مقدَّس” ليخلق لدينا الشك، هذا إذا لم يكن النَص كلّه مجرَّد هراء، لا طائلة منهُ. أَضِف إلى هذا، أن وصف البِناء الداخلي، يُثير مزيداً من السخريَّة، عدا أن الطابق السفلي أَضيق من العلوي، بمترٍ كامل، وهذا بحدِ ذاتِهِ، أمر مُذهِل! وتلك النوافذ الجانبيَّة، الواسعة من الداخل، والضيِّقة من الخارج، فيا لَهُ من اختلاق واسِع؛ رَحِب! في الختام أقول لتوفيق عكاشة؛ ليس في آثارِ بلادِنا فلسطين كلّها، أيَّة إشارة، إلى وجودِ مثل هذا الهيكل المزعوم، وهذا أمر معروف تماماً لدي أهل الاختصاص، من علماءِ الآثار، الذين طالما حاولوا العثور على أثرٍ واحِد، في موقع الحرم الشريف بالقدس، حيث كان يقوم هيكل هيرودس الفلسطيني، فلم يفلحوا، ولن يفلحوا، لأبسطِ الأسباب؛ وهو أن سليمان لم يُملَّك يوماً على بلادِنا فلسطين؛ بل وليس هناك أقل دليل على أنه وَطِئ أرضها، في زمانِهِ. وأعودُ لطرحِ هذه المُعضِلَة، على أهلِ الاختصاص؛ لماذا فَشلت جميع المساعي للبحث عن دليل أثري واحد، يُثبِت وجود هيكل سليمان المزعوم أسفل الحرم الشريف بالقدس، وبالتحديد تحت المسجد الأقصى؟! وباعتبار أنَّنا نعثُر، في بلادنا فلسطين، عامةً، على آثارٍ من العصورِ الحجريَّة القديمة، تعودُ إلى نحو مليون وسبعمائة وخمسين ألف سنة خَلَت، ونعثر في القدسِ على آثارٍ، تعودُ إلى اثني عشر ألف سنة خَلَت… فإننا نتعجَّب من عدمِ وجود أَدِلَّة أثريَّة، على وجودِهم، وهيكلهم المزعوم.