غزة-قُدس الإخبارية: لأول مرة في قطاع غزة، يجد الحالمون ملتقىً لأحلامهم ولفكرة لطالما كانت المتطلب الأجمل لدى فئة واسعة من شبان قطاع غزة لا سيما المهتمون بتحسين صورة القضية الفلسطينية أمام العالم ومحاربة صور تشويهها.
وانطلاقًا من إيمانهم العميق بأهمية السينما لصنع صورة حقيقية عن الواقع الفلسطيني تكون في ذاتها مجابهة لمحاولات الاحتلال تشويه صورتنا كبشر نستحق الحياة، وأننا إرهابيون وقتلة وحفنة مارقين، كان لا بد من البحث عن مضاد من ذات النوع يحمل صفة "المقاومة".
أفنان القطراوي صاحبة فكرة الملتقى تقول إن الفكرة جاءت بعد عدة لقاءات وإقامة العديد من الندوات التعريفية الخاصة بالعمل المصور بكافة أنواعه وقيمة الصورة والكلمة المرافقة في تغيير الواقع، وانتشار القضية الفلسطينية بما يليق بها وبحقيقتها، كما أنه "حاجة" للمهتمين في غزة.
و"لأن أرض الدراما بلا دراما" كما قال فنانون ومختصون، كان هذا العنوان الذي انطلقت منه فكرة الملتقى بحسب القطراوي، فان فلسطين مليئة بالقضايا التي تستحق معالجتها، وإن كانت في جلّها قضية مركزية تتعلق بالاحتلال وتوابعه كالاستيطان والحواجز والموت اليومي.
اللقاء تضمن تجمعًا لنحو مائة شخص من الشبان المهتمين وبحضور عددٍ من الشخصيات العاملة في الإنتاج الفني بأنواعه، منهم ممثلون ومصورون وكتّاب سيناريو ومخرجين وشركات الإنتاج الذين تحدثوا عن تجاربهم وأعمالهم، مع الإشارة إلى استضافة عددٍ منهم من الدول العربية والخارج.
"ملتقى صنّاع الأفلام الأول في قطاع غزة" اعتبره المختصون نواة بداية لصناعة سينمائية في فلسطين وامتدادًا داعمًا لبدايات شابة شقّت طريقها ببعض الأفلام نحو الدولية عبر مسابقات وفضائيات دولية سمحت لهم بالوصول وإيصال رسائلهم بعيدًا عن الحصار وصعوبته في هذا المضمار.
محمد البابا مصور الوكالة الفرنسية بغزة، أكد على أهمية الإحساس لتجسيد السينما بالفنون البصرية عبر اللغة المكونة للصورة ولغة الأدب، فيما وافقه الكاتب السينمائي سعد اكريّم في أن الصورة تشكل داعمًا للغة المكتوبة التي يتضمنها النص السينمائي في صناعة الأفلام، حيث لا يمكن أن يكون الفيلم ناجحًا دون معالجة بصرية قوية حتى لو كان صامتًا.
أما الممثل الفلسطيني الكوميدي علي نسمان فشدد على ضرورة تبني الأعمال الدرامية التي تعكس الواقع الفلسطيني لافتًا إلى القصور الكبير الرسمي والمؤسساتي في التعبير عن القضية كوننا أصحاب قضية ومجبرين لتحمل مسئوليتها برغم قلة الإمكانيات، لكن أصحاب الرسالة لا يأبهون والملتقى خير مثال.
وبالحديث عن السينما الفلسطينية كان لا بد من التعريج على السينما الإسرائيلية ونشأتها منذ 193م، ودورها عالميًا وتأثيرها سلبًا بالمقابل على صورة القضية الفلسطينية ومحاولتها الحثيثة تحسين صورتها والخروج من عنق انعزالها، مستغلة بذلك دور صناعة الأفلام العربية أيضًا.
الأسير المحرر والباحث في الشأن الإسرائيلي أحمد الفليت، يقول إن الأفكار التي تضمنتها السينما الإسرائيلية كانت ترتكز على فكرتي "العنصرية وشعب الله المختار" مشيرًا إلى نقطة أثارت استغراب الحضور حول تقرير للموساد بأن مسرحيتي "المشاغبين والعيال كبرت" المصريتين كانتا سببًا قويًا في تمييع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في فترتهما، كما أن صناعة الأفلام في "إسرائيل" تتبع لوزارتي الصناعة والتجارة.
من ناحية أخرى كانت تجربة النساء اللواتي عرضن أعمالهن رائدة في الداخل والخارج حيث أثارت المخرجة الفلسطينية اعتماد وشاح حماس الملتقين عندما تحدثت عن انتقالها من مخيم جباليا إلى جنيف بسويسرا وعملها في مجال صناعة الأفلام الفلسطينية في شئون المرأة، إضافة إلى تعقيبات المخرج الفلسطيني أحمد عوض الله في حديثه عن الأسلوب والعرض والفرق بين المحلية والدولية والصراع بين الدين والسياسة واستخدام الأساليب المستحدثة لاجتذاب العالم.
ما أجمع عليه الحضور بالتأكيد كان التميز في مداخلات المخرجتين الشابتين عبر الفيديو، المخرجة العاملة في قناة الجزيرة روان ضامن التي كانت احدى ركائز مشروع ريمكس فلسطين لصناعة الأفلام الوثائقية مؤخرًا، والمخرجة الأردنية ألاء حمدان الحائزة على العديد من الجوائز في الإخراج وكانت نصائحها مفعمة بالقوة والتحدي.
من الواضح أيضًا، أن فلسطين التي تشكل أحد المصادر الرئيسية لحكاية الحضارة ببعديها التاريخي والراهن، تشكل مصدرا ملهما للكتاب والمبدعين، وهي في الوقت نفسه النقطة الساخنة للخبر السياسي، بدت غائبة في انتاج الدراما محليا رغم وجود سلطة فلسطينية على أرض فلسطين بمؤسساتها الثقافية والإعلامية والفضائية منذ أكثر من 20 عامًا.
تلك النقطة التي تتمحور حول التقصير الرسمي في انتاج دراما فلسطينية تصنع في الأرض الفلسطينية وتقدم الأرض والسكان الفلسطينيين نالت نصيب الأسد من النقاش والحديث، كما يمكن أن ندرك ذلك إذا ما عدنا قليلا للخلف لنكتشف أن منظمة التحرير الفلسطينية قامت بانتاج مسلسل درامي في سبعينيات القرن الماضي حمل عنوان "بأم عيني" فيما لم تنجز عملا دراميًا حقيقيًا خلال السنوات العشرين الماضية، فهل نشهد أعمالًا مقبلة لاحقًا بصناعة فلسطينية من غزة تحديدًا؟، ربما!