فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخبارية: متعجرفا معتزا بسلاحه الحديث المحشو بالذخيرة، يقتحم الجندي المرتدي بزته العسكرية الكاملة، المدخل الغربي لبلدة سلواد كل يوم جمعة، ثم يبدأ الواحد تلو الآخر بالوصول وراءه، بذات اللباس ونفس العجرفة والغرور.
يلوِّحون من بعيد للشبان مستهزئين، "اقتربوا إذا كنتم تجرؤون"؛ يسبون أمهاتهم وشقيقاتهم باللغة العربية بألفاظ بذيئة ليستفزوهم ويجبرونهم على التقدم، يحرصون أن يبقوا خلف المكعبات الاسمنتية، ويبدؤون بدراسة المنطقة وأي منزل سيعتلون سطحه هذه المرة.
إلا أن اقتحام البلدة في وضح النهار، لا يراودهم أبدا، فهذا من سابع المستحيلات المتوقع حدوثها، فدخول حارتها التي يصفونها "بحارات الشياطين"، أمر معقد جدا.
الأسلحة كلها محشوة، بالرصاص الحي، والتوتو، والمطاطي، والقنابل الغازية والصوتية؛ ولمزيد من التأكيد يجربونها جميعها بالنصف الساعة الأولى أمام الشبان، ثم يُسمع هدير الجيبات العسكرية المدرعة والتي تحمل قاذفة القنابل.
المتظاهرون من شبان وفتية وأطفال، يقفون هناك يتفرجون على العرض العسكري، يضحكون ويستهزؤون، وبمقاليعهم يفتخرون ويلوحون.
مجموعة تحضر الحجارة وتنقلها، مجموعة أخرى تغلق إحدى الطرق الفرعية، ومجموعة ثالثة تنهي تحضير الزجاجات الحارقة.
وخارج إطار هذه الصورة، هناك من يفكر "ما هذه الوليمة المغرية التي وصلت البلدة اليوم، شيء يثير الشهية لتسجيل انتقام جديد لدماء الشهداء.. هم من جاؤوا إلى هنا، هم الاغبياء لقد وقعوا في الفخ، فلهم ذلك".
على بعد 500 متر، وقف بمركبته، نشر وصية على صفحته الخاصة على صفحته على "الفيس بوك" لم يطلب بها سوى رضى الوالدين، وانطلق بمركبته، بعد أن حرص على التحدث مع معظم أقاربه وأصدقائه والاطمئنان عليهم.
فيما حرص قبل الخروج من المنزل أن يقول لأمه: "ارضي علي يما" ويذهب تاركا أمه ترضى عليه وتتساءل "ما بال عابد اليوم؟".
غير متردد، انطلق عابد حامد بمركبته بالسرعة القصوى، هاجم جنود الاحتلال المتمركزين قرب المدخل الغربي، قبل أن يطلقوا النار عليه، ليرتقي شهيدا، مسجلا عدة إصابات في صفوف جنود الاحتلال .. وسط تكبيرات المتظاهرين المتواجدين في المكان.
خلال العامين الماضيين ومنذ انطلاق الهبة الشعبية في بلدة سلواد، والمتظاهرون يحرصون على تصعيد تصيدهم لجنود الاحتلال المقتحمين مدخل بلدتهم، فلا أمان لم يدوس أرض سلواد.
ليبدأ المتظاهرون بعسكرة المواجهات، باستخدام الأكواع "قنابل يدوية متفجرة"، سبقها الزجاجات الحارقة والتي أصابت جنود الاحتلال عدة مرات وألحقت إصابات بصفوفهم، لتكلل في 16 أكتوبر 2015 باشتباك مسلح.
فالفدائي محمد حامد، اختار جنود الاحتلال المتمركزين قرب المدخل الغربي، ليشتبك معهم، بمهاراته العسكرية العالية وسلاح الخاص الذي يملكه كونه عنصرا أمنيا، ليمتد الاشتباك لأكثر من نصف ساعة، تكتم الاحتلال على تفاصيله ولم ينشر أي من نتائجه.
وبعد تفجر الانتفاضة الجارية، نفذ الشهيد أنس حماد في الرابع من كانون أول عملية دهس بطولية استهدفت عددا من جنود الاحتلال في ذات المكان، جنود لم يروا المركبة المسرعة التي كانت متهجة إليهم، فقد كانوا منشغلين بالمتظاهرين بالخلف الذين يتحضرون لإلقاء الحجارة!.
وفي 18 من ذات الشهر، اختار الشهيد محمد عياد، أن يباغت جنود الاحتلال من الخلف، في ذات المكان أيضا، ليدهس عددا منهم قبل أن يرتقي شهيدا قبل عرسه بأيام قليلة، ليزف بعرس جماهري هو وانس حماد بعد أكثر من شهر من احتجاز جثمانيهما.
أصبح المكان يشكل كابوا لجنود الاحتلال، الذين صعَّدوا تعزيزاتهم العسكرية بعد العمليات الفدائية الثلاثة، ليتوهموا بمحاولة دهس في 25 تشرين أول، ويقوموا بإعدام مهدية حماد 40 عاما، لترتقي شهيدة تاركة ورائها أربعة أبناء، أصغرهم أكمل العام دون أن يطفئ شمعته الأولى في حضنه والدته.
الحجارة لم تعد تشفي غليل المتظاهرين الطامحين التصعيد مع المحتل، ففي سلواد يتربى الثائرون على أن هذه الأرض لا تقبل القسمة على اثنين، وهذه المقاومة ستنتبت خيارين لا ثالث لهما، فإما ننتصر وإما ننتصر.