شبكة قدس الإخبارية

الواقع المعقد للوطن الفلسطيني بين المنفى واللجوء

رمزي بارود

حينما تمكنت "داعش" سابقاً من اجتياح الموصل في حزيران/2014، قام إبراهيم محمود بتغيير رحلت التي كان من المفترض أن تنتقل معه بها عائلته كلها بما فيهم 11 طفلاً. خلال تلك الحادثة تذكر إبراهيم ما قام به سابقاً هرباً من ميلييشيات أخرى غاضبة في وقت سابق.

وخلال حياته خاض إبراهيم تجربة اللجوء مرتين، الأولى حينما كان عمره 9 سنوات وكان وقتها يقطن في حيفا، والثانية حين اضطر لمغادرة الموصل في 2014.

وبعد أن أعلن الاحتلال استقلال دولته عام 1948 خسر إبراهيم موطنه وهرب من حيفا إلى جانب عدد كبير من سكان فلسطين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، خاصة بعد أن نفذت العصابات الاسرائيلية عملية عرفت باسم "التنظيف في عيد الفصح".

وخلال تلك الحرب غادر فلسطين قرابة 750 ألف مواطن فلسطيني هرباً من أهوال الحرب وجرائم العصابات الصهيونية، هؤلاء اللاجئين صار عددهم الآن 5 مليون فلسطيني أو أكثر من ذلك بقليل.

وبين 1948 و 2004 لم تكن الحياة ذات مغزى لابراهيم وعائلته، في البداية قامت العائلة ببيع الفلال واضطر الأطفال لترك المدرسة مبكراً حتى ينخرطوا في العمل، وامتلكوا بطاقات اللاجئين الخاصة وحتى الآن لا يعرفهم الآخرون إلا بهذه الوثيقة.

وعندما غزا الأمريكيون العراق في 2003، منحت الميليشيات الشيعية مطلق الحرية للتصرف في البلد العربي، واستغلت الميليشيات هذا الأمر في تحطيم المجتمع الفلسطيني  الذي كان مزدهراً إلى حد ما. ومع ذلك فإن إحصائيات الأمم المتحدة تظهر أن هناك أكثر من 300 ألف لاجئ فلسطيني في العراق ويقطن الكثير منهم في مخيمات خاصة باللاجئين.

تمكن إبراهيم أخيراً من الهرب من الموصل ويعيش الآن في مخيم آخر للاجئين، في مناطق تفتقر لأي نوع من الخدمات الإنسانية، عدا عن افتقارها للنظافة والأمان في مناطق الأكراد شمالي العراق. وبالنظر إلى قصته هذه فهي بكل مأساوية بين أحفاده وأبنائه حتى اللحظة، ولكنهم مرشحون لمزيد من البأس نظراً لأن إبراهيم بات شيخاً طاعناً في السن الآن.

وقد تكون مأساة إبراهيم هذه ليست فريدة من نوعها بالنسبة للاجئين في الشرق الأوسط، وإذا نظرنا إلى السياق فإن مأساة اللجوء الفلسطيني تتصدر قريناتها من حيث المأساة، وإذا ما أضفنا الكفاح الفلسطيني بجانب المأساة الفلسطينية على مدى السنين الماضية سيظهر لنا مدى صبر الفلسطينين الطويل على هذه المأساة.

ولتقديم منظور جديد حول هذه المأساة قمت أنا وعدد من الباحثين الفلسطينيين بعقد جلسات دراسة وعصف ذهني كبير قبل نحو عام، وتم دراسة التجربة الفلسطينية في المنفى ضمن سياقها التاريخي والمكاني وليس داخل فلسطين نفسها، بل في جميع أنحاء المنطقة ومن المنتظر أن تنشر القصص المنقولة عن هذا الاجتماع في كتاب تحت عنوان "في المنفى".

ومنذ طرد اللاجئ الفلسطيني الأول من أرضه عام 1948، عملت منظمات الإغاثة الدولية والعديد من السياسيين والصحفييين وأخيراً المؤرخين على دراسة القضية الفلسطينية ومأساة اللجوء من جميع الزوايا الممكنة.

وينظر الجميع لقرار الأمم المتحدة رقم 194 كحل وحيد للأزمة هذه، والذي يقضي بعودة اللاجئين إلى أراضيهم كحل وحيد لهذه الأزمة.

وبغض النظر عن المناقاشات المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين سواءً أكانت قانونية أو سياسية أو أخلاقية، فإنه بالنادر ما تم مشاورة للاجئين أنفسهم إلا عن طريق بعض الاستطلاعات الانتقائية والمذلة أحياناً والتي تعتمد استنتاجاتها بالنهاية على الإجابة بعم او لا.

وبعد ذلك توضع الكثير من الاستنتاجات عبر هذه الاستطلاعات التي كانت كثيرا ما تقود إلى استنتاجات سياسية، وفي كل مرة يتم نشر مثل هذه التائج الأكاديمية والإعلامية تثور عواصف سياسية غالبة بسبب سوء التقدير الناجم عنها.

وبالنسبة لـ"إسرائيل"؛ فإن مصدر القلق الوحيد هو بقاء الامل بعودة اللاجئين داخل انفسهم هو الخطر الأكبر الذي تسعى لاستئصاله.

ولكن بين القوانين الإسرائيلية التي تستهدف معاقبة الفلسطينيين لتذكرهم نكبتهم، والجهود الفلسطينية للمحافظة على حق العودة، تأتي مأساة الحياة وواقع الحياة الضيق ليكون العامل الأساسي المذكر للاجئيين بأيام عزهم في وطنهم.

فبالنسبة لإبراهيم كما هو الحال بالنسبة لباقي اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين نفسها، تتجاوز مسألة العودة مسائل القانون والسياسة والإعلام لأمر يحتك بتفاصيل الحياة اليومية لهم، ولتصورات المجتمع والدول التي تستضيفهم عنهم ولواقع الحياة الأعقد من أن يصوره استطلاع هنا أو هناك.

وبعد دراسة الأوضاع المختلفة واستعراض الكثير من اجابات الاستبيانات وإجراء مقابلات متعمقة مع كثير من اللاجئين، أصبح واضحاً في ذهن العاملين بهذا المجال أن النكبة ليست مسألة منفصلة ليتم مناقشتها وحلها من خلال تنازلات سياسية أو ضغوط معينة. كما أنها ليست مسألة قانونية ولا يمكن إدراجها في مفاوضات الوضع النهائي بين اسرائيل والمنظمة وهو ما لم يحدث على أي حال.

وعبر هذه الدراسة توصلنا إلى العديد من النتائج منها أن واقع الحال الفلسطيني في المنفى واللاجئين لا يدل بأي شكل على إمكانية حل هذه القضية إلا بالعودة.

فحتى المسلمين والمسيحيين الأغنياء والفقراء أصحاب المهن المستقرة والمهن غير المستقرة بالحد الأدنى، يتشاركون في شعور سيء حول عدم الشعور بالأمان خلال جلوسهم في بلاد اللجوء.

وبعبارة أخرى؛ فإن دراسة المنفى الفلسطيني والتطلع الجماعي للشعب الفلسطيني عندما يأتي النقاش حول حقهم في العودة، هو أكثر تعقيداً بكثير من مجرد سؤال يمكن الإجابة عليه بنعم أو لا. إنها ليست مسألة مفتوحة للمفاوضات السياسية.

فاللاجئ الفلسطيني الذي خرج من صفد عام 1948 ثم توجه إلى الأردن عام 1970 وبعدها إلى لبنان عمان 1982 وأخيرا استقر في مخيم اليرموك عام 2012، لا يمكن أن ينظر للواقع الحالي على أن شيء يستحق منه حتى إجابة سريعة بنعم أولا.

المصدر: ميدل ايست مونيتور - ترجمة: هيثم فيضي