القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: تحت أشعة الشمس وفي لهيب حرها جلسن، ومع تساقط أوراق الخريف ثبتن، وعند هطول أمطار الشتاء عليهن التأجن للدعاء، لتمر أجواء المواسم الثلاثة عليهن خلال الشهور الأربعة الأخيرة، وهن صامدات متمسكات بحقهن في المسجد الأقصى رغم إدراج أسمائهن فيما يسميها الاحتلال "القائمة السوداء" للنساء الممنوعات من دخول المسجد.
سلوى الشرباتي (65 عاما) من واد الجوز أم لسبعة أبناء ولديها من الأحفاد 30 فتاة وفتى، لم تمنعها عقود عمرها الستة وهذا العدد الكبير من الأبناء والأحفاد من الرباط للشهر الرابع على أبواب المسجد الأقصى رغم إدراج اسمها في "القائمة السوداء"، وتقول إن إبعادها هذا هو الأول منذ بدأت رباطها في الأقصى قبل سبع سنوات.
وتقول الشرباتي لـ قُدس الإخبارية، "كنت آتي على الدوام للصلاة في المسجد الأقصى، وخلال تواجدي اقتحمت مجموعة من المستوطنين ساحاته ولأن المسجد مسجدنا وهو قبلتنا الأولى قررت الرباط فيه"، مضيفةً، "قديما لم يكن عدد المقتحمين للأقصى بشكل كبير، لكن في السنوات الأخيرة كثًر عددهم وازدادت معهم الانتهاكات بحق الأقصى ومصليه ومرابطيه وبحق المسجد ككل".
وعن شعورها بعد إبعادها لأول مرة عن الأقصى تقول الشرباتي، "خلال إبعادي هذا أصبحت أشعر بمعاناة من يبعد عن الأقصى لأيام وأشهر، ولكن الفرق بين ابعاده وإبعادي أن قرار إبعاده كان يأتي ضمن قرار وتنتهي فيه مدة الإبعاد وينتهي شوقه للصلاة في الأقصى".
ووضعت سلطات الاحتلال "القائمة السوداء" بتاريخ (11/آب) الماضي، ومع الأيام أخذت أعداد النساء المدرجة أسمائهن فيها تتزايد حتى قاربت على 60 سيدة، لا تعلم أي منهن متى ستنتهي فترة إبعادها كون المدة الزمية للقائمة المذكورة لا سقف زمني لها.
وتضيف الشرباتي، "أصبحت ألمح الأقصى من بعيد بعد أن كان طوال السنوات السبع الماضية بيتي الذي لا أفارقه، وشوقي إليه زاد بشدة .. أرابط اليوم تحت مياه الأمطار وفي العراء، فقد كان ملجأنا الكبير الأقصى ومصلياته وأروقته أما اليوم لا ملجأ لنا".
يتساقط المطر ومعه دموع "أم إبراهيم" (55 عاما)، وهي السيدة التي أصيبت برصاصة مطاطية قرب أحد أبواب الأقصى أدت لتهشم في العظم، وأبعدت عن المسجد 18 يوما، وقد تحدثت لـ قُدس الإخبارية عن قصة رباطها موضحة، أن لحظات وفاة ابنتها كانت طريقها إلى الأقصى، حيث طلبت ابنتها منها وهي على فراش الموت أن تقرأ لها سورة "يس"، وعند قراءتها أشارت لها ابنتها بدراسة التجويد لإتقان قراءة القرآن أكثر.
وتوضح "أم إبراهيم"، أنها قررت بعد وفاة ابنتها الحصول على إجازة في تلاوة القرآن، فكان ملاذها المسجد الأقصى، "فهو من يطيب القلب ويشفي الروح، وتعقد فيه دورات تجويد ضمن مشروع مصاطب العلم، فانتسبت لها وبدأت التعلم وحصلت على شهادة إجازة في قراءة القرآن الكريم حسب أحكام التلاوة والتجويد".
وتضيف، "منذ عام 2011 ولدت علاقة الحب مع المسجد الأقصى وأصبحت مرابطة دائمة فيه وتعودت عليه، وأصبح جزءا من حياتي اليومية، وكونت فيه علاقات صداقة وأخوة مع المرابطات وتكونت علاقة حب عميقة تجاه الاقصى، فالأقصى يخلق حالة جاذبة له ولكل شيء فيه، وإن تغيبت يوم عن الأقصى أشعر بالنقص والرهبة لوحدي وتعود الافكار السيئة لخاطري، وسأبقى مرابطة عند أبوابه رغم الاحتلال".
اسم آخر من القائمة المشرفة، تعد سحر النتشة (45 عاما) الشاي لتدفأ قلوب المرابطات المبعدات عن الأقصى في ظل البرد القارس، تحاول الحفاظ على اشتعال نار الغاز وتحدثنا عن بداية القصة قائلة، "منذ 5 سنوات حضرت للأقصى للرباط فيه بعد أن علمت باقتحامات المستوطنين اليومية لساحاته، ومنذ ذلك الحين انتسبت لحلقات العلم.
وتقول النتشة، إن هذه السنوات طورت من شخصيتها وعززت انتماءها للأقصى، مضيفة، أنها ترى الرباط مسؤولية تقع على عاتقها وعلى عاتق كل "مسلم حر يغار عليه"، في ظل انتهاكات الاحتلال المتواصلة بهدف سلخ المسجد عن أصحاب الحق الأساسي فيه.
وتبين النتشة، أنها تبرعت بإعداد الشاي لكل من يأتي إلى الأقصى، "هؤلاء تركوا منازلهم وتوجهوا للأقصى بيتهم الأكبر، ولذلك يجب إكرامهم ولو بكأس من الشاي الذي يجلب الدفئ لقلوبهم".
وتضيف، "الأقصى مغناطيس يجذب كل مسلم إليه، وجدتُ فيه البركة في الوقت والرزق والمال والأبناء والأصدقاء أيضاً في الدين".
تجدر الإشارة إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو كان قد زعم قبل أسابيع بأنه يتعهد للملكة الأردنية صاحبة السيادة على المسجد الأقصى بالسماح لجميع المسلمين بالصلاة في الأقصى دون مانع، وذلك في إطار محاولته السيطرة على الانتفاضة الفلسطينية، لكن تزايد الأسماء المدرجة على "القائمة السوداء" منذ ذلك الحين أثبت كذب هذه التعهدات.