القدس المحتلة - قُدس الإخبارية: في الخامس والعشرين من تشرين أول الماضي ذكر تقرير إخباريّ على القناة الإسرائيلية الثانية بأن إحدى الأفكار التي طرحها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في اجتماع المجلس الوزاري المصغر، الذي عُقد حينها لمناقشة سبل ضبط الهبة الشعبية الفلسطينية، كانت سحب بطاقات الإقامة الإسرائيلية من الفلسطينيين القاطنين في أحياء القدس الموجودة خارج الجدار الاستيطاني.
ويشمل المقترح أحياء كفر عقب وسميراميس شمالي القدس، وراس خميس وراس شحادة وضاحية السّلام ومخيم شعفاط شرقي القدس، ويصل مجموع من يسكن فيها من حملة البطاقات الإسرائيلية ما يقارب 100 ألف فلسطيني.
لم يكن هذا التصريح الأول لأحد قادة سلطات الاحتلال بخصوص الأحياء المقدسية الواقعة وراء الجدار، إذ تكررت مثل هذه التصريحات وبذات المضمون عدة مرات منذ الانتهاء من بناء الجدار حول مدينة القدس في العام 2008.
وعكست هذه التصريحات رغبة إسرائيلية ملحة بالتخلص من "عبء" تلك الأحياء والتخلص من الفلسطينيين حملة البطاقات الإسرائيلية القاطنين فيها من ناحية إدارة هذه الأحياء وعبئها، فإن طواقم بلدية الاحتلال بالكاد تصل إليها، ولا يتواجد شرطي إسرائيلي فيها، مما يطرح السؤال – إسرائيلياً – "ما الفائدة من بقائها ضمن نفوذ البلدية إذا لم يكن للبلدية ولغيرها من الجهات الإسرائيلية أي حضور فيها؟".
أما فيما يخص الفلسطينيين القاطنين فيها، فإن سحب هوياتهم يعني "نصراً" ديموغرافياً لدولة الاحتلال، إذ بسحب هذه الهويات تنخفض نسبة الفلسطينيين من مجمل عدد سكان القدس مما يقارب 37% إلى مجرد 30%، وهو ما يتوافق مع "أسمى" أماني سلطات الاحتلال: تقليص عدد الفلسطينيين في المدينة المحتلة ومنع وصولهم إلى أغلبية.
مع الإشارة إلى أن هذا "النصر" مشوب بالوهم، إذ أنه في حال التهديد الفعلي بسحب البطاقات فإن لا شيء يحمي الاحتلال من تدفق الفلسطينيين من هذه الأحياء إلى مركز مدينة القدس في محاولة للحفاظ على وجودهم فيها.
وبالعودة إلى "تاريخ" مثل هذه التصريحات والتهديدات فإنّ، أولى هذه التّصريحات جاءت على لسان "يكير سيجف"، الذي كان يشغل منصب "مسؤول ملف شرقي القدس" في بلدية الاحتلال، والذي قال في الثامن من يناير 2010، وخلال مؤتمر لحزب العمل الإسرائيلي بعنوان "المساواة البلدية في شرقي القدس، بأن "الأحياء التي تقع إلى الشرق من الجدار ليست جزءاً من المدينة"، وأنه لا يعرف أحداً عدا عن أحزاب اليمين "شبه المتوهمة" يرغب في أن يفرض السّيادة الإسرائيلية على تلك الأحياء.
وصرح "سيجيف" خلال المؤتمر: "الواقع الذي نتج في المنطقة ]بسبب بناء الجدار[ لا رجعة عنه"، وأضاف بأن لبناء الجدار أهداف سياسية وديموغرافية، وليس فقط أهدافاً أمنية. وقد كانت هذه المرة الأولى التي يصرح فيها أحد مسؤولي بلدية الاحتلال علناً حول الرغبة بالتخلص من الأحياء المقدسية خارج الجدار. في الثالث عشر من كانون أول 2011، أعلن رئيس بلدية الاحتلال نير بركات لأول مرة عن موقفه من الأحياء المقدسية وراء الجدار، قائلاً بأنه "يجب التنازل عنها"، و في المقابل يجب ضمّ المناطق التي تقع داخل الجدار ولكنها غير مشمولة بنفوذ بلديته. وتعبير "التنازل" عن تلك الأحياء لا يعني نقل أمر إدارتها والسيادة عليها إلى جهة فلسطينية، وإنما يعني سحب هذه المسؤولية من بلدية الاحتلال ونقلها إلى جهات عسكرية إسرائيلية، أو جهات إدارية أخرى، ولكنها إسرائيلية. وقال بركات إن الجدار في منطقة القدس يشكل "عازلاً أمنياً ووطنياً" ويجب أن يتم تحويله كذلك إلى دليل على ابتداء السيادة وانتهائها، أي أن كل ما يقع خارج هذا الجدار، وأقرب إلى مناطق الضفة، ليس ضمن نفوذ بلدية الاحتلال، وكل ما يقع داخل هذا الجدار، أي أقرب إلى مركز المدينة المحتلة، هو تحت نفوذ وسيادة بلدية الاحتلال.
وجاءت تصريحات بركات تلك أثناء حفل تخريج في كلية أمنية إسرائيلية، ولفت بأنها المرة الأولى التي يصرح بها بموقفه تجاه هذه الأحياء علناً، وإنه اعتاد طرح هذا الموقف في دوائر مغلقة.
في 24 تموز 2012 نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية خبراً عن اجتماع جمع بين مدير بلدية الاحتلال آنذاك "يوسي هايمن" و"منسق شؤون الحكومة في الضفة الغربية" الضابط في جيش الاحتلال "أيتان دنجوت"، ومدير الإدارة المدنية في الضفة الغربية الضابط "موتي ألموز". وعقد الاجتماع قبل 3 أسابيع من تاريخ نشر الخبر، وفيه طالب مدير البلدية ممثلي الجيش بأن يتولى الجيش "المسؤولية المدنية" عن السّكان في الأحياء المقدسية وراء الجدار. وقدّم ممثلو البلدية خلال الاجتماع عرضاً لأهم "الصعوبات" التي تعترضهم في "تقديم خدماتهم" للسكان داخل تلك الأحياء.
وحسب البلدية فإن الحديث لا يدور حول تغيير مناطق النفوذ والسيادة، وإنما فقط حول "تقاسم الصلاحيات" بين بلدية وجيش الاحتلال. ومن ضمن الصلاحيات التي طلب من ممثلي الجيش تحملها مسألة مراقبة البناء غير المرخص، وتقديم خدمات الصّحة العامّة مثل جمع النفايات.
ووفقا لتقرير أعدته مجموعة الأزمات الدولية (وهي مؤسسة أبحاث غربية) عام 2012، فإن رئيس بلدية الاحتلال "يعمل من أجل إخراج الأحياء العربية في الجهة الشّرقية من الجدار خارج المدينة، مع تشديد السيطرة على الأحياء العربية الموجودة إلى الغرب منه".
ويذكر التقرير بأن أحد مستشاري نير بركات قال في مقابلة خاصة للتقرير: "لماذا نستثمر في تلك المناطق؟ في نهاية الأمر لن يكونوا جزءاً من إسرائيل". ويقول التقرير، إنه بعد توجيه النقد لنير بركات من قبل بعض أعضاء الكنيست وأعضاء المجلس البلدي، الذين ينتمون لأحزاب "يمينية"، والذين يعتبرون حدود بلدية القدس الحالية حدوداً "مقدسة" على اعتبار أنها تمثل "القدس الموحدة"، قام بركات بتغيير تصريحاته بخصوص الأحياء خارج الجدار.
فبعد أن كان يدعو في البداية إلى إخراجهم تماما من حدود نفوذ بلدية الاحتلال، أصبح بعد ذلك النقد يقول أنه لن يتخلى عن تلك الأحياء سياديا، وإنما يدعو إلى "تقاسم عبء إدارتها وتقديم الخدمات فيها بين البلدية وبين الجيش" إلى حين الوصول إلى حل سياسي.
وبالرجوع إلى الاقتراح الذي وضعه نتنياهو على طاولة المجلس الوزاري المصغر، وعلى الرغم من أنه ليس بالطرح الجديد، فإنه يأتي في سياق السّعي الإسرائيلي للقضاء على الهبة الشّعبية وردع المجتمع الفلسطيني، وذلك عن طريق التهديد أن "انتفاضة السكاكين" تعني "عقاباً لا يُبقي ولا يذر" من قبل سلطات الاحتلال، بما يشمل حرمان المقدسيين في مدينتهم.
هذا سياسيا، أما على الجانب العملي، وهو سؤال يطرحه بعض أهل القدس، فإن سحب البطاقات الإسرائيلية منهم في أحياء خلف الجدار يقتضي في البداية أن تقوم سلطات الاحتلال بتغيير حدود القدس البلدية، بحيث تصبح تلك الأحياء خارج حدود نفوذ البلدية.
وفي الطريق إلى ذلك سيصطدم نتنياهو بقانون إسرائيلي يصنّف كـ"قانون أساس" ويدعى "قانون القدس عاصمة إسرائيل". ويحدد هذا القانون حدود مدينة القدس بما يشمل كل الأحياء والقرى الفلسطينية التي تم ضمّها لغربي القدس عشية النكسة.
ومن أجل تغيير هذه الحدود يشترط القانون أن يتم سن قانون أساس جديد يقضي بذلك وبموافقة 61 عضواً في الكنيست على الأقل، وهو أمر غير وارد الحصول، حسب محللين إسرائيليين. أي لن يوجد هذا العدد الكافي من النواب الإسرائيليين ممن يوافقون على تغيير حدود المدينة.