شبكة قدس الإخبارية

نحو دليل إعلامي فلسطيني موحد

د. محمد المغير

يمر الإعلام الفلسطيني بحالة من التشتت وفقدان الوجهة الصحيحة، ليست المشكلة كماً أو كيفاً، بل لأنه يفتقد لنواة قوية، توجه، وتُجدد، وتضع المحددات استناداً للثوابت الوطنية.

لا يمكن لأعدل قضية أن تبقى رهناً للاجتهادات دونَ ناظم للغة الإعلامية، وحتى نكون على قدر عالٍ من المسؤولية، خاصة مع الظهور القوي لوسائل الإعلام الجديد يحتاج الإعلام الفلسطيني صحافيين محصنيين إعلامياً، يُخاطبون العالم بلغة بالغة التأثير؛ خاصة أن القضية الفلسطينية تعتبر قضية مركزية، ومحط اهتمام الكثيرين حول العالم.

وعلى المستوى الأعمق نحن بحاجة إلى إعادة النظر بكل ما يتصل بالإعلام الفلسطيني، بدءاً من الجامعات التي تُخرّج الطلبة وصولاً إلى أعلى المستويات الإعلامية.

يتفق الجميع على أن الخطاب الإعلامي الفلسطيني أقل ما يوصف بأنه ضعيف وغير مناسب لوصف واقعنا الفلسطيني، هذا ليس لضعف الرواية أو الحجة الفلسطينية وليس لعدم وجود أكفاء يهتمون بالخطاب الإعلامي ولكن ما نفتقده في إعلامنا الفلسطيني هو غياب الحاضن الرئيسي له في ظل الانقسام السياسي، ولذلك فمن الواجب علينا مراعاة شؤون الإعلام بإنشاء مجلس أعلى للإعلام يكون خط الأمام لتحديد مسارات الخطاب الإعلامي وتحديد المسؤوليات الوطنية.

علماً بأنني لا أوافق على مصطلح "توحيد الخطاب الإعلامي"؛ لأن هذا فيه إلغاء لجزء مهم من ثقافتنا الفلسطينية فوجود كافة الأطياف الإعلامية ممثلة بكل الإعلاميين والأطر السياسية من خلال الحوار وتقبل الرأي الآخر، وتشجيع التعددية الحزبية والاجتماعية والثقافية هو مؤشر صحي لأي مجتمع من المجتمعات.

فلسطين تعيش حالة فريدة من حصار وانقسام فرضه وجود الاحتلال الإسرائيلي؛ لذلك وجب علينا التنويع في الرسالة الإعلامية لأننا لا نخاطب جمهور واحد بعينة؛ وذلك بسبب اختلاف الناس ومذاهبهم السياسية وتنشئتهم، فالفلسطيني في كاليفورنيا وشيكاغو لديه شغف كبير لمتابعة الإعلام الفلسطيني، وفي نفس الوقت فلسطيني آخر في تشيلي عنده اهتمام آخر عبر فضائية أخرى.

أعتقد بدلاً من الحديث عن توحيد للخطاب الإعلامي، لابد علينا من إيجاد طرق أخرى مثل إعداد قاموس واحد لمفردات وألفاظ العمل المهني، لتكون له لغته الإعلامية المحترفة التي تعتمد على المنطق والخطاب العقلاني.

اليوم نحن بأمس الحاجة لتدريب طواقم صحافية وكادر بشري ذو مقدرة عالية على مواجهة التحديات التي تواجه غزة وفلسطين بشكل عام، ولابد علينا أن نعترف أننا لم نعد اللاعب الوحيد في العالم العربي، في السابق كانت الصورة والرواية الفسطينية تتصدر الإعلام العربي وربما أقل بالنسبة للإعلام الغربي لظروف عدة، وأما اليوم في ظل تزاحم الأحداث في المنطقة العربية نجد أنفسنا على وشك أن نفقد البوصلة، وفي نهاية المطاف لا نعرف ماذا نريد من أنفسنا، وما الخطاب الإعلامي الذي نريد أن نصل إليه.

اليوم وبلا شك تحكم كل وسائل الإعلام سياسات تحريرية، وهي من تحدد المضمون الذي تحتوي عليه هذه الوسائل، والتي جعلت من الصعب على الإعلامي الفلسطيني إيصال رسالته، ولكن أمام الإعلامي الفلسطيني أساليب أخرى لاختراق الجدار السميك الذي أصبحت تسيطر عليه وسائل إعلامية عربية أو دولية وتحتكر ماهية الرسالة، من ضمنها وسائل الإعلام الاجتماعي التي اجتاحت عالمنا، وعند الحديث عن وسائل الإعلام الاجتماعي كل يوم يزداد شعوري أن موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بالتحديد لم يعد تلك الوسيلة المثلى؛ فأصبح استخدامه في الغالب  كوسيلة تسلية؛ لأننا أصبحنا لا نجيد استخدامها على المستوى الإعلامي سواء المحلي أو الدولي، أصبح الفيسبوك مصدر للانتشار السريع للمعلومة والأخبار، وأيضاً الإشاعات، والتي للأسف أصبح من يروجها ربما دون قصد من صناع الرأي العام ومتابعيهم، وكما أصبح مكاناً للتعداد والتنافس على عدد الإعجابات لصفحات من المؤسف أنها أقل ما توصف به بأنها "سخيفة" ودونَ مضمون.

نعم اليوم نحتاج لوسائل التسلية بين الحين والآخر، ولكن علينا أن نتعلم كيف نكون مؤثرين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتي من أهمها موقع "تويتر"؛ لما له من أهمية في توصيل الرسالة والتخاطب مع الجمهور الدولي، ولكن من خلال محاضراتي في جامعات فلسطينية عديدة، أستغرب العدد القليل الذي يجيد استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي، إنها فرصة ذهبية وتكاد تذهب أدراج الرياح إن لم نستغلها. الأهم في هذا المضمار أننا لم نعد أمام وسيلة واحدة، بل طيف واسع من وسائل الاعلام الاجتماعي التي تشهد اقبالا يوازي في أهميته الوسائل المنتشرة لدينا، فرغم المعرفة الفلسطينية في وسائل مثل فيسبوك وتويتر، إلا أننا نشهد انتشارا واسعا لوسائل أخرى لا تقل أهمية عن فيسبوك وتويتر مثل: لينكدن، بنترست، جوجل بلس، تمبلا، انستجرام، في كي، فليكر، فاين، ميد أب، تاجد، آسك، ميت مي، كلاس ميتس، باز فيد.

إضافة الى ما سبق فإنه من الواجب علينا تشجيع الشباب الفلسطيني على الكتابة والتحليل وطرح الآراء ووجهات النظر بما يخدم القضية، إذا نظرنا لقضيتنا على المستوى الإعلامي بميزان الربح والخسارة، فمن المؤسف، نحن لسنا رابحين؛ لأننا نحطم الشباب الناجح والمثابر وهذا هو الحال بالجامعات الفلسطينية التي لا زالت تعتمد على أسلوب التلقين.

لم نعتمد على أسلوب الفهم والتحليل من أجل التحليل، ولم نشجع الآراء المخالفة والتي هي أساس كل مجتمع سليم، بل على العكس، نريد من  طلابنا أن يفهموا نفس النص ويحفظوا نفس النظرية و يتم تلقينهم نفس القصيدة، هذا أسلوب يتصف بالعقم، وأكثر ما يزعجني هو أساتذة الجامعات الأفاضل الذين تخرجوا من جامعات غربية لم تتخد من التلقين منهجاً لها، ولم يحاولو أن يغيروا بأساليب التعليم بالجامعات والمدارس الفلسطينية.

الانفتاح على العالم ليس خطر على العقول، وإنما من خلال تعرفنا على الحضارات الأخرى ومعرفة تاريخ الأمم، هو طريقة مثلى لفهم كيف يفكر العالم، وماذا يعتقد عنا، وكيف لنا أن نتفاعل مع العالم بما يساعد على نشر القضية.

اليوم العالم يتغير، وفي كل الجامعات هناك تعطش للفلسطيني المتعلم الذي يعرف كيفية التخاطب بلغة يفهمها العالم.

لابد علينا أن نعترف بوجود خلل في النظام التعليمي، الذي لا يؤسس كفاءات قادرة على مواكبة التطورات بخطاب وطني فلسطيني مقنع للعالم بعدالة القضية، وهذا للأسف ظهرت آثاره في تقديم الرواية الفلسطينية على المستوى الرسمي في هذة المرحلة، فلم نعد قادرين على الوصول للجماهير المستهدفة وإيصال رسالة وطنية تعبر عن الواقع الفلسطيني، وهذا بسبب غياب قاموس إعلامي فلسطيني يكون دليلاً للإعلامي الفلسطيني.

هذا خلق حالة من تراجع الثقة عند الجمهور بسبب عدم مقدرتنا على التجديد في المضمون والأداء وعدم مقدرتنا على مواكبة التطبيقات التكنولوجية المعاصرة، اليوم لا نحتاج فقط مجموعات "واتساب"، لمواكبة آخر الأحداث، ولكن نحتاج لنعرف توجيه بوصلة الإعلام الفلسطيني، وذلك بمشاركة وطنية من شرفاء الوطن وأهل المعرفة، بإعداد قاموس للإعلاميين، والذي سيكون بمثابة بوصلة لكل فلسطيني يخاطب الإعلام على المستوى المحلي والدولي.

لم يعد هناك متسعٌ للتخبط وحالة التشتت الإعلامي الذي نعيشة اليوم، فلنبدأ بتركيز الجهود واعتماد لغة تحافظ على الثوابت الوطنية وتعتمد على أساليب الإقناع وليس العاطفة.