لندن – قُدس الإخبارية: عندما نفذت المليشيات الصهيونية عملية يفتاح (19/أيار/1948)، كان الهدف دفع الفلسطينيين في صفد خارج حدود فلسطين التي تحولت بعد أيام إلى "دولة إسرائيل"، كان التطهير العرقي هو الأساس الذي اعتمدته مليشيات الهاغاناة المنظمة.
بعض القرى حينها أخليت من سكانها تماما، فيما بقي أهالي قرى أخرى في منازلهم على أمل أن تهدأ الحرب وتعود الأمور لما كانت عليه، لكن مصيرهم حينها كان أسوأ من مصير من أجبروا على الخروج، فبعد عام تقريبا اعتقلت القوات الإسرائيلية من تبقوا في شاحنات كبيرة، عذبت الكثيرين منهم وألقتهم في مكان ما جنوب صفد، لا يُعرف تفاصيل كثيرة عن ما حدث حينها، لكن الحال انتهى بكثير من أولئك إلى مخيم اليرموك في سوريا.
حتى عام 1957 لم يكن مخيم اليرموك قد نشأ بالفعل، ولم يكن قد اعتبر بشكل رسمي مخيما للاجئين، قبل أن يتم منحهم أراض في الشاغور وبساتين قرب الغوطة، ثم تغيير اسم المنطقة إلى اليرموك. والعديد من اللاجئين هناك جاءوا من شمال فلسطين، تحديدا من قرى صفد مثل قيطية والخصاص والجاعونة، وعلى أمل العودة لديارهم أطلق اللاجئون أسماء قراهم على المخابز والصيدليات والمدارس وشوارع المخيم وأحيائه.
عندما بدأت الأزمة السورية في آذار من عام 2011، دعت جهات مختلفة لإبعاد الفلسطينيين هناك عن الصراع، متأثرين بالأضرار التي لحقت بالفلسطينيين نتيجة الصراعات الإقليمية السابقة، مثل الحرب الأهلية في لبنان وغزو العراق للكويت والغزو الأمريكي للعراق، لكن هذه الدعوات لم تلق أذنا صاغية لدى أطراف عديدة، فيما فشلت قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية في تقييم خطورة الوضع.
وكانت النتائج مروعة؛ فقد قتل أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني ونزح عشرات الآلاف. وقد كان يسكن 200 ألف فلسطيني مخيم اليرموك، معظمهم مسجلون لدى وكالة الأونروا، لكن بعد الازمة انخفض عدد سكان المخيم إلى 20 ألف شخص، أما البقية فإما ماتوا جوعا أو قتلوا خلال الصراع أو لجأوا إلى سوريا ولبنان والأردن وتركيا وأوروبا.
كان الوضع الطبيعي في هذه الظروف هو عودة اللاجئين لصفد وقراهم، لإن قلة من أطلقوا مثل هذه الدعوات، وقد رفضت "إسرائيل" كافة هذه الدعوات، رغم أن اقتصادها أقوى من الدول المجاورة التي قبلت ملايين اللاجئين، ليتحول اللاجئون الفلسطينيون في سوريا للبحث عن مأوى مرة ثانية.
ووفقا لإحصاءات الأمم المتحدة، فإنه بحلول نهاية شهر آب من هذا العام وصل 239 ألف لاجئا (معظمهم سورويون) الجزر اليونانية في محاولة منهم للمرور إلى دول أوروبية، بينما وصل بين كانون أول وآب من هذا العام 114 ألف لاجئا (معظمهم ليبيون).
في أوروبا، انقسمت الدول في مواقفها تجاه هؤلاء اللاجئين، فألمانيا والسويد مثلا فتحت أبوابها لهم، في حين أن بريطانيا كانت تتعامل بقسوة صريحة معهم، لكن رغم ذلك فإن الآلاف من المواطنين الأوروبيين العاديين، شأنهم شأن أي إنسان لديه ذرة من المشاعر تطوعوا لمساعدة اللاجئين في أوروبا الشرقية والغربية.
أما في "إسرائيل"، التي أشعلت وحدها معظم الصراعات في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة، ظلت تتحدث عن التهديدات الديموغرافية مغلفة ذلك بدلالات عنصرية حول ضرورة الحافظ على ما يسمى "الهوية اليهودية"، وامتنعت تماما عن استقبال أي لاجئين.
مؤخرًا؛ رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعوة اللاجئين السوريين، فهو يعتبر أن أي شخص غير يهودي في "إسرائيل" سواء كانوا أفارقة أو سوريين أو فلسطينيين وهم سكان البلاد الأصليين هم في الواقع "تهديدا ديموغرافيا"، وقد صرح الأسبوع الماضي بأن "إسرائيل" دولة صغيرة جدا، ليس لديها عمق جغرافي أو ديموغرافي.
عندما قامت "إسرائيل" على أنقاض فلسطين المدمرة، كان اليهود الفلسطينيون أقلية صغيرة، ومنذ ذلك الحين نفذت "إسرائيل" حملات تطهير عرقي خلقت من خلالها مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بهدف الوصول إلى أغلبية يهودية، لتصل الآن نسبة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48 إلى خمس السكان، لكن حتى هذه النسبة القليلة تشكل قلقا في "إسرائيل".
وفي الوقت ذاته، يبقى الفلسطينيون الذين صاروا لاجئين أكثر من مرة، محرونون من حقهم المنصوص عليه دوليا بالعودة، وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194 في كانون أول من عام 1948، لكن في الوقت ذاته مازالت "إسرائيل" تتهرب من إعادة اللاجئين الفلسطينيين، ولا تلعب أي دور ثانوي في التخفيف من حدة أزمة اللاجئين في المنطقة.
يجب أن تلعب دول اليونان والمجر وصربيا ومقدونيا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية، جنبا لجنب مع دول الخليج العربية الغنية، دورا في مساعدة اللاجئين السوريين ثم تمكينهم من العودة لديارهم بأمان، كما أنه من الضروري أن لا تبقى "إسرائيل" بمنأى عن ذلك، فيجب الضغط بقوة أكبر عليها لتخفيف أزمة اللاجئين، بدءًا من إعادة اللاجئين الذين طردوا من القيطية قبل 67 عاما.
المصدر: ميدل ايست مونيتور – ترجمة: قُدس الإخبارية