كتب: أيمن أنور - غزة
ليس من حق أحد أن يعطي للآخرين صك وطنية أو شهادة حسن سير وسلوك. طالما أن ما يجمعنا هي هويتنا وارتباطنا وانتماؤنا الروحي لهذا الوطن بعيداً عن الأيديولوجية. خاصة وأننا في مجتمع متعدد الاتجاهات والأفكار والثقافات، وقد يكون الجدل الذي أثير بعد مشاركة فتيات من الجبهة في حفل تخريج لمخيمات "طلائع العودة" بغزة، أسبابه أسلمة المجتمع واستبدال قيمه الوطنية بأيديولوجيات دينية بعد سيطرة حركة حماس على القطاع قبل تسعة أعوام. شاء أنصار حركة حماس أم لا فإن الهوية الوطنية تتقدم على الهوية الدينية، وهي الجدار الذي يستند إليه صاحب الفكر الديني المعين.
أدركت أوروبا ذلك بعد عصر ظلمات تسببت خلاله الكنيسة بمآسي، والآن أوروبا تعيش في رغد الهوية الوطنية والعلمانية، وقد يمكننا ملاحظة أن قوميات مختلفة في دول أوروبية تعيش مع بعضها البعض دون أي منغصات بلجيكا وسويسرا على سبيل المثال. التمايز الوطني على الإسلامي هو الحل المنطقي لحياة يعيش فيها المسلم، والمسيحي، والعلماني جنباً إلى جنب، والدولة العلمانية هي التي تحمي أصحاب الأيديولوجيا الدينية في ممارسة العقيدة والعبادة دون أي منغصات (وبالمناسبة الإسلامي في أوروبا يعيش في كنف القوانين العلمانية). في المقابل الدولة الدينية المنغلقة لا تسمح للآخرين بممارسة طقوسهم الخاصة وللتعبير عن وجهات نظرهم الخاصة بل وتطاردهم.
وللأسف الواقع في فلسطين وخاصة غزة أكثر تعقيداً، حيث أصبحت السياسة والاصطفافات سبباً رئيسياً لاستخدام الدين في الهجوم على الطرف الآخر. تعرضت فتيات من الجبهة الشعبية بالضفة قبل شهور من أعضاء حركة فتح واتهمن بالفجور، بسبب موقف الجبهة المعارض لسياسات السلطة وأجهزتها الأمنية في الضفة. وفي غزة وبعد سيطرة حركة إسلامية على مقاليد الأمور، أصبح هناك هجوم على الطرف الآخر الذي لا يتوافق معه في الأيديولوجيا الدينية. رغم أن نفس الطرف متوافق معه في الشأن السياسي، فعلى سبيل المثال البرنامج السياسي للجبهة الشعبية يقترب إلى حد كبير من البرنامج السياسي لحركة حماس. ورغم ذلك تمضي حركة حماس بخطى ثابتة نحو العمل على أسلمة مجتمع متعدد التوجهات ومختلف والأفكار والرؤى السياسية، ولكنه موحد في الهوية الوطنية والتي للأسف لا تريد حركة حماس الاعتراف بها.
إقصاء الآخر هي السمة الرئيسية التي ميزت وما زالت حكم حركة حماس في غزة، وهذه السياسة تحولت إلى حرب تكفير وملاحقة وتشهير بكل الفصائل العلمانية الوطنية وفي مقدمتها الجبهة الشعبية، ولا نريد هنا أن نفتح سجلا طويلا من الاعتداءات.
لا أريد فتح باب المقارنات، إلا أنه من المهم تذكير حركة حماس أن العلاقة التي تربطها بروسيا، وفنزويلا، هي مواقف سياسية مصالحية مشتركة، وليست نابعة عن أيديولوجية دينية، وإلا تحوّلت حماس للفكر الشيعي في إطار علاقتها مع إيران، في سعيها للحفاظ على استمرارية الدعم اللوجستي العسكري الكبير الذي تحصل عليه.
كما أن التعامل بعصبية غير مبررة وموجة تكفير الآخر سببها التحشيد والتحريض على من هو خارج الملة، يظهر بشكل كبير وواضح داخل منظومة حركة حماس ومؤسساتها، على سبيل المثال: مسموح للعاملين الرجال في الجامعة الإسلامية أن يختلطوا مع العاملات والموظفات في قسم التعليم المستمر لاعتبارات الزمالة، وغير مسموح لمن هم خارج الجامعة بالاختلاط. رغم أن قوانين الجامعة الإسلامية تمنع منعاً باتاً الاختلاط .
لا مشكلة أن يستقبل إسماعيل هنية قبل عدة سنوات وفد تضامني أوروبي مع قضيتنا الفلسطينية ومع غزة المحاصرة بدون أي منغصات وبملابسهم غير المحتشمة، مع العلم وللتوضيح أن العديد منهم ( مثلي جنسي) (بغض النظر عن موقفي من المثلية الجنسية). لكن نفس الوفد الأوروبي إن تم استقباله من قبل الجبهة الشعبية فهم فاجرون وكفار، وبعض الأحيان عملاء!.
حين أقرت فرنسا قانون منع المحجبات في الميادين العامة والمؤسسات الحكومية والتعليمية والجامعات، أول من أصدر بياناً واضحاً وصريحاً استنكر هذا القرار واعتبره قراراُ عنصرياً ويناقض القيم والحريات والتعددية داخل فرنسا هو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والأخيرة بالمناسبة هي الوحيدة من أعطت الثقة لحكومة حركة حماس في المجلس التشريعي. والحركة الإسلامية هي نفسها التي تستضيف قيادات نسوية غير محجبة على فضاء إعلامها، هي من تسمح لعناصرها بالهجوم على تلك القيادات!! مع أن المرأة الفلسطينية بانتمائها الفكري أو الأيديولوجي هي جزء أصيل من المجتمع الفلسطيني، ليست طرف أعوج أو ضعيف.