الكثير من الأحداث المفصلية في مجتمعنا الفلسطيني، وكذلك ما هو متعلق بمصيرنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني، مما يستوجب ان تكون الردود الفلسطينية على مستوى قيادة السلطة والفصائل والمنظمة عليها عملية وعلى مستوى الحدث او الفعل او الجريمة المرتكبة بحق شعبنا من قبل دولة الاحتلال وعصاباتها من سوائب المستوطنين التي تواصل ارتكاب جرائمها بحق شعبنا، ولكن أغلب الردود تأتي على شكل تصريحات متناقضة ومتضاربة وغير متوائمة مع طبيعة وحجم الحدث او الجريمة، تصريحات من "اللغو" السياسي" و"الفذلكات " و"الدربكات" الإعلامية التي لا تصمد في أرض الواقع، بل تضيف لحالة العجز القائمة مزيداً من العجز والإحباط.
يبدو ان قياداتنا وفصائلنا وبالذات قيادة السلطة تسكنها حالة من عقدة "الإرتعاش" السياسي المستديمة، تشعل وتطلق التصريحات النارية بعد كل جريمة، أو مشروع صهيوني لابتلاع أرضنا وحقوقنا وتدمير مشروعنا الوطني على سبيل المثال لا الحصر، جريمة حرق الشهيدين الرضيع علي الدوابشه ووالده سعد، ومن قبلها جريمة قتل الوزير ابو عين، وجريمة خطف وتعذيب وحرق الفتى ابو خضير حياً، وكذلك الجرائم بحق المسجد الأقصى و"توغل" وتوحش" الاستيطان في القدس والضفة الغربية، والجرائم المرتكبة بحق شعبنا وأهلنا في قطاع غزة في الحروب العدوانية التي شنها الاحتلال عليه، وكذلك ما يرتكب من جرائم بحق أسرانا في سجون الاحتلال، وتقطيع الوقت في مفاوضات عبثية منذ عشرين عاماً من أجل فرض حقائق ووقائع استيطانية واحتلالية على أرض الواقع لتقطيع أوصال الجغرافيا الفلسطينية، ومحاصرتنا في "جيتوهات" و"كنتونات" مغلقة في محيط "اسرائيلي" واسع.
ولغة العجز في مواجهة الواقع والتحديات والجرائم والممارسات الإسرائيلية، ليست قصرة على قيادات الأحزاب والفصائل الفلسطينية والسلطات الحكمة هنا وفي القطاع، بل تتعدى ذلك لتطال قادة ومسؤولي الأجنحة والكتائب العسكرية، حيث نرى بعد كل جريمة تقدم عليها "إسرائيل" من اغتيال لمقاتليها وأعضائها أو أبناء شعبنا الفلسطيني، الحديث والتصريحات النارية عن ان "اسرائيل" بإغتيالها للقائد " فلان" أو "علان" ستفتح عليها "باب جهنم" والرد سيكون "مزلزلا" و"مجلجلا"، وعلى "اسرائيل" أن تفكر مليون مرة قبل ان تقدم على ارتكاب جريمة او حماقة أخرى.
المسألة هنا بدلاً من "اجترار اللغو" السياسي الفارغ والعبارات الكبيرة والطنانة والرنانة، نريد أن نرى خطوات عملية ولو كانت صغيرة، يبنى ويراكم عليها خدمة لشعبنا ولقضيتنا ومشروعنا الوطني، ونريد كذلك ثبات على المواقف من القضايا الجوهرية والإستراتيجية، ونريد أيضاً ان تمتلك القيادات إرادة سياسية وقدرة على إتخاذ القرارات وترجمتها الى افعال في أرض الواقع، وليس مجرد "فقاقيع" إعلامية سرعان ما يختفي أثرها.
لدينا العديد من التجارب والشواهد التي تقول بأننا بالثبات على الموقف وامتلاك الإرادة نستطيع ان نحقق نصراً او إنجازاً الأسير المحرر الشيخ المجاهد عدنان خضر خاض اضرابين مفتوحين عن الطعام في أقل من ثلاث سنوات ضد عملية استمرار اعتقاله الإداري، وفي المرتين انتصر ونجح في هزيمة إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها، ولو كانت هناك خطة ورؤيا استراتيجية فلسطينية موحدة لتم البناء على ما تحقق من اجل إلغاء سياسة الإعتقال الإداري، والتي تشكل خرقاً لكل والأعراف والإتفاقيات والمواثيق والقوانين الدولية، ولجرى طرح هذه القضية على المحافل الدولية.
وقضية الأسير المحرر القائد عدنان خضر ليست معزولة، بل الإضرابات التي تم خوضها ضد سياسة عزل الأسرى والحرمان من زيارة الأهل للأسير، أستطاع الأسرى أن يحققوا إنجازات ملموسة في هذه القضايا، والإنجازات المتحققة حتماً ستكون اكبر وأشمل لو ان الحركة الأسيرة موحدة على المستويات الاعتقالية والقيادية والأداة التنظيمية.
وكذلك ما نشهده من أنشطة وفعاليات كدعم لقضية الأسرى أو القدس والأقصى من قبل الحراكات الشبابية نرى بأنها تحقق العديد من الإنجازات، والتي لو جرى استثمارها وتوجيهها الوجهة الصحيحة لأمكن تطويرها والاستفادة منها،بما يخدم مجتمعنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني.
نحن لا نريد أن نستمر في سياسة "لوك" الكلام و"طق الحنك" والتباري في "الفنتازيا" السياسية و"التحشيش" الفكري، والتصريح السياسي ونقيضه أو تصريح مسؤول ينفي تصريح مسؤول آخر وهكذا، كما حصل عندما تم تقديم المشروع الفلسطيني لمجلس الأمن الدولي من أجل إنهاء الإحتلال والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، حيث كشف ذلك عن مدى عقم السياسة والدبلوماسية الفلسطينية، وليسقط المشروع ولم تجر مناقشته لأننا لم نستطع تجميع الأصوات المطلوبة لطرحه على التصويت، ناهيك عن تقديمه كمسودة وفتح الباب على مصراعيه للشطب والحذف والإضافة، راهنين ذلك المشروع بالموافقة الأمريكية عليه.
وما ينطبق عليه ينطبق على الموقف والقرارات المتخذة من قضية العودة للمفاوضات والتنسيق الأمني، حيث عدم الالتزام بالقرارات من المؤسسات الرسمية كاللجنة التنفيذية والمجلس المركزي وغيرها، يضعف من هيبة القرارات ومن المؤسسات والجهات التي اتخذت تلك القرارات والمواقف، ويزيد من تآكل شعبيتها وحضورها عند الجماهير، والتي أصبحت لا تأخذ قرارات ومواقف تلك الهيئات على محمل الجد.
إن قياداتنا على مستوى الفصائل والأحزاب والمنظمة والسلطة برأسيها هنا في الضفة وهناك في القطاع والأجنحة العسكرية للفصائل وقادتها كذلك، بحاجة الى ان تأخذ "هدنة كلام" و"فترة صمت"، فنحن بحاجة الى خطوات عملية وإنجازات جدية وحقيقية، وموائمة للشعارات والتصريحات مع الفعل والعمل في وعلى أرض الواقع. فالواقع الفلسطيني يؤشر الى أننا نتجه نحو كارثة حقيقية، حيث الاحتلال يتقدم في مشروعه على الأرض، ونحن مستمرون في الجدل البيزنطي حول جنس الملائكة ذكر أم أنثى، والإنقسام يتكرس ويتشرعن ويستطيل مداه، والفوضى العارمة والانفلات تسودان جناحي الوطن، حيث تفكك النسيج المجتمعي والوطني.