شبكة قدس الإخبارية

قبل الكرتونة الموسمية وبعدها.. لا شيء

شذى حمّاد

هو فقير ومحتاج طوال 365 يومًا في السنة، وهم  متبرعون سخيون طيلة ثلاثين يوما في السنة، معادلة واقعية السبب في الأول انعدام الإدارة والنظرة المستقبلية في الثاني.

منذ بدء شهر رمضان، ومواقع التواصل الاجتماعي تفيض بصور الحملات والمجموعات التطوعية، التي تجمع التبرعات وتحولها لطرود أو وجبات غذائية وحسب الصور، أنه يتم توزيعها على الأسر الفقيرة والمحتاجة.

جهود أكثر من رائعة ولا مزاودة على ذلك، خاصة أن شبانًا بمقتبل العمر خصصوا معظم أوقاتهم في تقديم المساعدات الآنفة ذكرها، شبان يظهرون في الصور منهمكين في العمل، سعيدين، مشحونين بالطاقة، وتسمع ذواتهم تصرخ، هيا ماذا أفعل بعد؟

صور كثير، ركزت على الحملات الشبابية التطوعية التي تعمل على قدم وساق، ولكن أين المستفيد في الصورة؟ ولا أقصد الصورة بمعناها الحرفي، بل الصورة الذهنية التي ترسخ في عقولنا، أين هو الآن؟ بالأمس أكل الوجبة التي قدمتها المجموعة أ.ب، واليوم ماذا أكل وعائلته؟

هي ربة أسرة بها طفلين يعانيا من عطل في الكلى، تكنس المنازل لتجمع قيمة الدواء،  وذلك أب لطفل يعاني من إعاقة حركية، يحلم أن يحضر له كرسيا متحركا، وسريرا طبيا مريحا، أما تلك الأسرة فهي في منزل لا يصلح للعيش الآدمي.

 وإذا نظرت لذلك الطالب فقد تخرج بامتياز هذا العام ولم يملك قيمة "الطلب" التي لا تتجاوز الأربعين دينار للتسجيل في إحدى الجامعات، أما ذلك فهو عامل بسيط يعمل طيلة أيام الأسبوع ليعيل أبنائهم الثلاثة الذين يدرسون في الجامعة.

وهناك في الجهة المظلمة، طفل أصيب برصاصة من النوع التوتو فجرت أحشاء بطنه، يحتاج يوميا أكثر من (100) شيقل من الدواء والحفاظات الخاصة، وتلك أسرة شهيد ترفض الحديث عما داخل المنزل خوفا من أن تجرح كرامة شهيدها، وذلك أب لأسيرين في سجون الاحتلال، لم يملك المال هذا الشهر ليحوله لنجليه، وقريبا منه أب آخر لطفل معتقل يطالبه الاحتلال بدفع غرامة باهظة مقابل الإفراج عنه.

فماذا لو فكرنا بتحويل الطرود الغذائية التي تكفي العائلة لأسبوع أو شهر، لتكفيها طيلة هذا العام والعام القادم؟ فكم هو صعب إدارة الأموال التي جمعتها إحدى المجموعات التطوعية وتقديمها كأقساط لثلاثة طلبة جامعيين فقط على وشك التخرج من الجامعة وغير قادرة على استكمال دراستهم اليوم؟

ستمكنهم من دفع قسطهم الجامعي وانهاء دراستهم، ليكونوا العام القادم في الحياة العملية، يساعدون في إعالة أسرهم الثلاث وينتشلوهم من أسفل خط الفقر على الأقل، ماذا رأيك بهذه الحسبة البسيطة والسريعة؟

حسبة أخرى قريبة وواقعية، بعد أقل من شهر ستبدأ الأسر بتحضير قرطاسية المدارس، ماذا لو حولنا الطرود الغذائية إلى قرطاسية، وقدمت للأطفال المحرومين من حمل شنطة مدرسية جديدة، أو هؤلاء الذينفكر والدهم بإخراجهم من المدرسة هذا العام لسوء وضع الأسرة المادي؟!

أما حسبتي الثالثة، جمعت إحدى الحملات مبلغ بقيمة (30) ألف شيقل، ماذا لو افتتح بهذا المبلغ مشروع صغير كدكانة أو بسطة خضار، لتستفيد منه أسرة فقيرة ربها عاطل عن العمل؟ أو ماذا لو استغل هذا المبلغ بتحسين منزل أحد الأسر؟

أمي تقول دائما أن شهر رمضان هو شهر البركة، فلا شيء ينقص، والطعام موجود بكثرة لدى الجميع، بالطبع يوجد أبواب مغلقة ولا يوجد بداخلها ما يشبع معدة أطفالها، ولكن كم عددها وكم نسبتها؟ وكيف نجعلها شبعة طيلة أيام السنة وليس فقط في شهر رمضان؟ كيف ننهض بالأسر الفقرة خطوة بخطوة، بجهود بسيطة ومتواضعة ومال قليل؟

التفكير والعمل لتغير واقع الأسر المحتاجة، لا يعود عليهم فقط بالفائدة، بل يرتقي بالمجتمع بأكمله، وهذا ليس بصعب ولا مستحيل، فنحن نستطيع فعل ذلك إذا قررنا، ولا ننسى أن من سنساعدهم اليوم، سيساعدون غيرهم غدا.. فهي مجرد دائرة تتسع وتتدحرج.

ما نحتاجه اليوم، هو تغير مفهومنا للمحتاج والفقير، وتغير مفهومنا للتطوع والتبرع والمساعدة ووقتها، ليس المهم ما نملكه من المال لنساعد، بل استثمارنا لطاقاتنا بشكل مناسب، فما أروع أن تزور مسنًا يسكن وحيدا، وتفاجئه بطلب تحضير الإفطار معه وقضاء سهرة هذه الليلة برفقته! وما أجمل أن تفاجئ طفلاً بلعبة بسيطة! وما أجمل أن تفاجئ إنسانًا بكلمة رقيقة!

لا أذكر مثاليات محال أن تطبق، وأين العيب في أن نرتقي للمجتمع المثالي ولدينا ما يكفي من طاقات لبنائه؟!