لندن – قُدس الإخبارية: قبل عام؛ ذكر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حركة المقاطعة (BDS) في خطابه أمام "آيباك" 18 مرة، والآن أصبح واضحًا أن حركة المقاطعة أصبحت العدو الجديد رقم واحد بالنسبة لـ "إسرائيل"، يقول الكاتب البريطاني بن وايت.
ويرى بن وايت في مقاله بموقع "ميدل ايست اي" البريطاني، اليوم الإثنين، أن (BDS) استطاعت إحراز تقدمات كبيرة خلال فترة حكم نتنياهو تحديدًا، وذلك بسبب الموقف الضبابي والذي لا يمكن الاعتماد عليه لنتنياهو من إقامة الدولة الفلسطينية، بالإضافة للرفض الصريح من وزراء اليمين المتشدد الذين يشاركون في حكومته الائتلافية.
كما ساهم في تقدم حركة المقاطعة؛ القصف الوحشي غير المسبوق الذي شنته "إسرائيل" تحت أنظار نتنياهو على قطاع غزة، فضلًا عن المجموعة الكبيرة من المبادرات التشريعية المعادية للديمقراطية والمفرطة بالشعور القومي الإسرائيلي.
ويضيف بن وايت، بأن سياسات نتنياهو تعجل بالخطوات التي تتخذها (BDS)، وكذلك مواقف زعيم المعارضة الإسرائيلية اسحق هرتسوع، الذي قال في خطاب له الأحد الماضي إن أكبر تهديد لوجود دولة "إسرائيل" هو الدولة ثنائية القومية.
كما حضر من أن الفلسطينيين سيكونون خلال عقد من الزمن الأغلبية بين نهر الأردن والبحر المتوسط فيما سيكون اليهود الأقلية، وسيكون الوطن القومي اليهودي سيصبح وطنًا قوميًا فلسطينيًا، "وسنكون مرة أخرى تاريخيًا، وللمرة الأولى منذ عام 1948، أقلية يهودية ضمن دولة عربية"، وفق تعبيره.
وتابع هرتسوغ في حديثه، "أريد الانفصال عن الفلسطينيين، أريد أن أُبقي الدولة اليهودية بيد الأغلبية اليهودية، أنا لا أريد 61 عضوًا فلسطينيًا في الكنيست الإسرائيلي، ولا أريد رئيس وزراء فلسطيني داخل إسرائيل، أنا لا أريدهم أن يغيروا علمي ونشيدي الوطني، ولا أريدهم أن يغيروا اسم بلدي لتصبح إسرائيلسطين".
ويعلق بن وايت، بأن مقارنة هذه التصريحات من الزعيم المحسوب على اليسار السياسي، مع تحذير نتنياهو عشية الانتخابات من خروج الفلسطينيين بالداخل المحتل للتصويت بأعداد كبيرة، أو تصريحات نتنياهو نفسه عندما كان وزيرًا للمالية عام 2003، بأن الفلسطينيين يسببون مشكلة ديموغرافية حقيقية، تجعل من السهل فهم تعليق عضو الكنيست أيمن عودة الذي قال فيه، "مع يسار إسرائيلي مثل هذا، من يحتاج حقًا إلى يمين؟".
ويشير الكاتب البريطاني، إلى حديث لرئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود باراك قال فيه "أغمضوا عينيكم وتخيلوا حكومة يرأسها هرتسوغ مع لبيد وكاهلون، أو حتى احلموا حلمًا أكبر، بحكومة يرأسها إسحق رابين، هل لديكم أدنى شك أن هذه الموجة الحالية ضد إسرائيل لن تكون موجودة إذا كانت هذه هي حكومات اليوم؟".
ويعلق، بأن باراك طرح من خلال خطابه وجهة نظر مقبولة إلى حد ما، كون إعادة انتخاب نتنياهو تُظهر وفقًا لمنظمة "بتسيلم" أن جمهور الناخبين في "إسرائيل" يفضلون استمرار الاحتلال بشكله الحالي، وهي رسالة يصعب تجاهلها حتى من حلفاء "إسرائيل".
ويضيف بن وايت، أن المعارضة الإسرائيلية لا نتنياهو هي من أظهرت عيوب الحجج التي تستخدم لانتقاد (BDS)، وأولها انتقاد الحركة نفسها، بزعم أن المقاطعة تعمل ببساطة على تمكين وتفعيل اليمين الإسرائيلي بمواجهة اليسار المعتدل، الذي يسعى لإبرام اتفاق حول خيار الدولتين.
ويرى الكاتب، أن الحقيقة هي أن هرتسوغ وليفني يظهران بوضوح رأي "المعتدلين" بموضوع إقامة الدولة الفلسطينية، حيث أظهر خطاب هرتسوغ الطريقة التي يرنو بها اليسار الصهيوني لاتفاقية السلام؛ فبالنسبة لهم إقامة دولة فلسطينية في بعض الأراضي التي تم احتلالها عام 1967، لا يتعلق بحق تقرير المصير للفلسطينيين، بل بالفصل العنصري ما بين الدولتين، ويمكننا فهم هذا الموقف من خلال العودة إلى إيهود باراك، وشعار حملته الانتخابية في صيف عام 1999، "السلام من خلال الفصل: نحن هنا، وهم هناك".
ويؤكد بن وايت على مقال للكاتب إيدو كونراد في صحيفة +972 هذا الأسبوع، قال فيه، "بالنسبة لكبار الليبراليين في المجتمع الإسرائيلي، السلام ووضع حد للاحتلال ليس غاية بحد ذاته، ولكنه وسيلة للحفاظ ولتكوين أغلبية سكانية دائمة، من شأنها أن تضمن السيادة اليهودية على بلد يكون 20% من سكانه ليسوا يهودًا".
وينوه بن وايت، إلى أن التاريخ يشهد أن هذه الأغلبية اليهودية الديموغرافية، لم تتشكل إلا من خلال خلال التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين الأصليين، الذين لا يزالون لاجئين ومحرومين من حقهم في العودة إلى ديارهم، بغية حماية التفوق الديموغرافي الذي تشّكل من خلال طردهم.
"يجب علينا أن نختار ما بين دولتين ممكنتين"، أوضحت ليفني في عام 2013، وتابعت، "إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، أو دولة أخرى ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن، والتي ستصبح في نهاية المطاف دولة عربية، وليست يهودية".
ويقارن الكاتب كلام ليفني مع رأس نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أبين دونجس، الذي قال في عام 1959، "نحن نختار جنوب أفريقيا أصغر، بسلطة سياسية في أيدي البيض، بدلًا من جنوب أفريقيا أكبر، بسلطة سياسية في أيدي غير البيض".
وبالعودة إلى الحجج المستخدمة لنقد (BDS)، فإن الحجة الثانية هي أن هذه الحركة تضر بعملية السلام، ويقول الكاتب إنه حتى في حال غض الطرف عن الطرق التي استعملها ائتلاف حكومة نتنياهو ليحبط عمدًا التقدم الرسمي للمفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة، فإن إلقاء نظرة صغيرة على ما لدى هرتسوغ ليقدمه في المحادثات مع الفلسطينيين، يقدم لنا نظرة حقيقية للواقع.
ويوضح بن وايت، أن الخطة التي يتوخاها التحالف الصهيوني بقيادة هرتوسوغ حول الاتفاق على الوضع النهائي تبدو قاتمة، حيث وعد التحالف في بيانه الانتخابي بالاحتفاظ بالكتل الاستيطانية في الضفة تحت السيادة الإسرائيلية، وبالقدس كعاصمة أبدية "لإسرائيل".
كما تعهد هرتسوغ بالإبقاء على المناطق السياحة والصناعية الإسرائيلية في وادي الأردن المحتل، ويرى الكاتب إن هذه البيانات جنبًا إلى جنب مع بيانات الحملة الانتخابية لهرتسوغ، تحيل أي شك لدينا إلى يقين في أن الدولة الفلسطينية التي تتوخاها المعارضة المعتدلة الإسرائيلية، تماثل دولة بانتوستان ذات الأغلبية السوداء في نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا.
ويضيف، أن هذه الظروف تجعل أيضًا قيام دولة فلسطينية مستقلة أمرًا مستحيلاً، مع بقاء الاستعمار الإسرائيلي في شرقي القدس والضفة، وهي الحقيقة التي تبرز تساؤلات حول الجدوى الأساسية والرغبة في حل الدولتين بحد ذاته، فكذلك عملية السلام تلقى حتفها على أعتاب دولة الاحتلال، مما يدفعنا إلى إعادة التفكير حول طبيعة عملية السلام بحد ذاتها.
وتابع بن وايت، بأن عملية السلام الرسمية تم تصميمها لتكون بمثابة انحراف وبديل عن القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني، بينما حركة المقاطعة تستند إلى معيار القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني، وسياسة هرتسوغ وما يسمى بالوسط الإسرائيلي، مصممة على الحفاظ على الوضع الاستعماري الاستيطاني القائم، أما حركة BDS فتسعى إلى تغيير الوضع القائم.
ويختتم، "وهكذا، في حين أن بيبي – يقصد نتنياهو - وبينيت يعجلان من نبذ إسرائيل دوليًا، فإن سياسة المعارضة، وفكر رابين وباراك وهرتسوغ، يظهرون استحالة تحقيق التغيير من الداخل، بدون الضغط والمساءلة التي تحققها حركة ( (BDS، مما يجعلها ضرورة ملحة في وجه سياسات اليسار الإسرائيلي".