ثلاثة وستون يوماً كانت كفيلة أن تكشف النقاب عن أمور لم تكن بالحسبان ، ففي الرابع والعشرين من شهر نيسان بدأ إضراب الأسرى الإداريين بـ 88 أسيراً كانت أبرز مطالبهم إنهاء ما يسمى بالاعتقال الإداري وإسقاط الملف السري امتد بعدها الإضراب ليشمل ما يقارب 400 أسير تضامنوا كلهم من مختلف السجون ضمن ما يسمى بحملة " بقعة زيت " و نادوا بالمطالب ذاتها على امتداد إضرابهم مصرين على المضي قدماً لتحقيق هدفهم نصرة لأبناء شعبهم ومحواً لمعاناتهم التي استمرت لعشرات السنين غير مبالين بالعقوبات التي فرضتها عليهم إدارة السجون كالعزل الانفرادي و التعذيب و منع الزيارات والتنكيل بهم لثني عزمهم علهم يتراجعون عن إضرابهم ويتنازلون عن ما طالبهم .
التفاعل الذي لقيته قضية إضراب الأسرى على أرض الواقع لم يكن بالقدر الكافي و الذي يجسد التضحيات التي يقوم بها الأسرى،ورغم ذلك فقد تنوعت أشكال التضامن وأساليبه بطرق شتى : كخيم التضامن التي نصبت في عدة مدن والتي أحياها ذوو الأسرى و أقاربهم وبعض من المتضامنين الذين كانوا يترددون عليها يوماً بعد يوم لإقامة فعاليات مختلفة لتحريك الشارع حيث شهدت الخيام أمسيات فنية وشعرية و مسابقات ثقافية وكلمات وفقرات تفاعلية من المتضامنين ، هذا بالإضافة لفعاليات أخرى خارج نطاق الخيام كزيارات جماعية لذوي الأسرى المضربين ، والسلاسل البشرية على امتداد مرافق المدن و توزيع منشورات على المارة هدفها زيادة الوعي بقضية الأسرى وإضراب المحال التجارية في شتى المناطق كاملاً لمدة يوم أو جزئياً لعدة ساعات ،وانتهاءً بالمسيرات التي كانت تجوب الشوارع مدوية بالهتاف !
وعلى صعيد التغطيات الإعلامية فقد ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بدعوات شبابية للمشاركة بالفعاليات التي تقام على أرض الواقع وإطلاق الهاشتاجات كنوع من التضامن مع الأسرى والتي كان أشهرها : #مي_وملح حيث كان رمزاً لما يتناوله الأسرى خلال إضرابهم وقد حفلت المواقع بالصور و الفيديو توثيقاً للفعاليات التي أقيمت ، ولم يقتصر الدور على مواقع التواصل الاجتماعي فقد تمت تغطية كثير من الفعاليات عبر قنوات فضائية ومحطات إذاعية ولعل أبرز التغطيات كانت تلك الحملة الإعلامية التي خصصت فيها موجة بث مباشر بعنوان : لن نستقبلهم شهداء والتي خصصت فيها الإذاعات متضامنة موجة بث موحدة لقضية الأسرى وإضرابهم .
ورغم أن التفاعل والحراك الشعبي لم يكن يرقى لسقف التوقعات ولا لطموحات الأسرى مقارنة بتضحياتهم إلا أن اللافت في الأمر كانت تلك الاعتداءات المتكررة من الأجهزة الأمنية على ذوي الأسرى و المتضامنين معهم حيث قامت باعتقال العديد منهم وزجهم في السجون ومازال البعض يقبع فيها حتى الآن ، كما وقد اعتدت بالضرب على المشاركين بالمسيرات رجالاً ونساءً و حاولت تفريقهم و عرقلة المسيرات وتخريبها والتضييق عليها ولم تكتف بذلك بل وصل الأمر إلى اقتحام خيام التضامن و إطلاق النار من حولها كنوع من الترهيب والتخويف ، هذا عدا عن المخابرات و المناديب وكاتبي التقارير للسلطات و الذين كانوا يتربصون بالمقبلين على الفعاليات و محاولة إحصائهم ورصد تحركاتهم ! .
الصمت كان سيد الموقف بالنسبة لفئة من الناس والذين لم يشاركوا بالتضامن مع الأسرى و لم يقفوا بجانبهم و لم يمثلوهم بإيصال صوتهم ومعاناتهم ،ولكن سرعان ما انقلب صمتهم هذا لسياط يجلدون فيها ذوات الأسرى المضربين حيث اتهموهم بالتقصير وبالتفريط وأخذوا يزاودون عليهم خاصة بعد تعليق الاضراب والذي جاء بعد تفاهمات مع إدارة السجون والتوصل لحل يلبي بعض المطالب للأسرى حيث جاء من بنوده : الاتفاق على إيقاف التمديد الإداري لمدة تزيد عن العام و وقف الإجراءات العقابية كعزل الأسرى انفرادياً وإنهاء المعاناة الطويلة مع الملف السري فيما إذا تم التمديد ليعامل كقضية عادية يبت فيها بحكم واضح المعالم . صحيح إن الأسرى لم يحققوا المطالب كلها وتنازلوا عن بعض من مطالبهم إلا أن صمودهم وعزتهم وقوة تحملهم تكفي لتحكي قصة بطولة ستذكرها الأجيال القادمة وتحكي عنا أبد الدهر ولا يحق لمن لم يقف بجانبهم وقت الشدة أن يقف شوكة في حلقهم وقت الرخاء وأن يتهمهم بالتقصير خاصة وأن الإضراب قد أثر على صحتهم وفقد البعض منهم ما يزيد على 25 كيلو من وزنهم خلافاُ للآثار الجانبية و التأثيرات السلبية على عمل الأجهزة والأعضاء لديهم وأوضاعهم الصحية لا سيما المرضى منهم و كبار السن .
قضية الإضراب هذه كشفت النقاب عن حجم الهوة وبعد الأفق ما بين الجمهور من القاعدة الشعبية من المواطنين و ما بين القيادة الفلسطينية و الجهات الرسمية التي ما كانت تمثل انعكاساً للرأي العام من قضية الأسرى مطلقاً ، فلم تتطرق لها في خطاباتها ولم تلقِ لها بالاً ولا اهتماماً بل على العكس تماماً غيبتها قسراً وذلك بالممارسات العدائية تجاه من يتضامنون معها ، كما واعتبر البعض قضية الإضراب ومطالب الأسرى عرقلة لعجلة المفاوضات والسير قدماً في المساعي الدبلوماسية بدلاً من إثارة القضية في المحافل الدولية وأمام منظمات حقوق الإنسان و المؤسسات الدولية و التي من شأنها أن تتبنى مطالب الأسرى مؤكدة على شرعيتها ، فإلى متى ستظل القيادة في وادٍ والشعبِ في وادٍ آخر وهل خط الانجاز الذي حققه الأسرى درساً أفهم القيادة أسس المعادلة على الأرض أم ستظل هكذا تتجاهل النداء وتصم الآذان ؟!



