ما إن تم الإعلان عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية، وإنهاء حالة الانقسام التي استمرت نحو 8 سنوات، حتى سارعت الصحف الإسرائيلية إلى تسليط الضوء على المسار الذي ستنتهجه حركة حماس مستقبليا في ظل توقعات بتغيير هذا المسار باتجاه برنامج مختلف.
تقول صحيفة "التايمز" العبرية إنه "عند الحديث عن هذا البرنامج، يمكن القول، إن حركة حماس تفكر جدياً بعد تشكيل تلك الحكومة بالتوجه إلى إنشاء جيش وكينونة خاصة بها، وذلك بعد أن استطاعت الحركة تجنيد ما يقارب من 50 ألف من عناصرها داخل حكومة التوافق منذ سيطرتها على قطاع غزة في يونيو 2007م"، على حد زعمها.
كما أنها وبحسب ما جاء في الصحيفة تعتزم "استغلال اتفاق المصالحة كوسيلة قوية من أجل إحياء التنظيم السياسي، وكذلك القيام بتفعيل أنشطتها العسكرية السرية في مناطق الضفة الغربية".
وترى الصحيفة بأن "التحول في استراتيجية حركة حماس من التركيز على الاستفراد بالسلطة في قطاع غزة إلى المصالحة والوصول إلى صفقة تسمح بوجود بعض عناصر السلطة الفلسطينية في القطاع، وكذلك التعاون الحذر مع رئيس السلطة الفلسطينية التي طالما وجهت له انتقادات حادة على خلفية المفاوضات مع "إسرائيل"، كل ذلك كان نتيجة لما وصفتها بالروح المتألمة بين قيادة الحركة سواء في الداخل أو الخارج".
وترجع الصحيفة السبب الرئيس في انتهاج حماس هذا المسار إلى "الأحداث الاقليمية التي تسارعت منذ الانقلاب العسكري في مصر الذي أدى إلى سقوط حكم جماعة الإخوان هناك، والتي نتج عن ذلك وقف تهريب الأسلحة عن طريق شبه جزيرة سيناء، إضافة إلى الانخفاض النسبي في الدعم المالي المقدم من إيران وقطر، فضلاً عن الاستياء المتزايد في أوساط المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، بسبب ارتفاع معدل البطالة والضائقة الاقتصادية. ووفقاً لما جاء في الصحيفة فإنه وسط تلك الظروف الصعبة التي مرت بها حماس، فإن عدداً من قادتها في الخارج، قد عقدوا عدة لقاءات في الأسابيع الأخيرة مع مسؤولين كبار في إيران وكذلك قادة عسكريين من حزب الله في بيروت. وتدعي الصحيفة أن قادة ايران وحزب الله نصحوا ممثلي حركة حماس اعتماد خطة أكثر طموحاً من مجرد الدفاع عن قطاع غزة، والعمل بجدية من أجل الانتقال وبقوة للتنافس أمام حركة فتح في مناطق الضفة الغربية.وأوضحت الصحيفة بأنه وبشكل مماثل لموقف حزب الله في لبنان، أكد عدد من قادة حركة حماس بأن جناحها العسكري في قطاع غزة لن يتم حله، وسيبقى كيانا مستقلا مقاوما للاحتلال الإسرائيلي، كما أنه سيستمر في النمو كقوة مقاومة، وينطبق ذلك على نمو جهازي الاستخبارات والأمن.
وبحسب الصحيفة فإن حماس تنوي الحفاظ على قوتها العسكرية بل وتوسيع وحداتها القتالية بحيث تكون مستقلة تماما، مشيرة إلى أن الجناح العسكري لحماس أفضل بكثير سواء على الصعيد المالي أو العسكري من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، فضلا عن الخدمات السرية المتنوعة التي تتمتع بها.
وأشارت الصحيفة إلى أن حماس لا تسعى ولا يوجد لديها نية من أجل تفكيك أجهزتها العسكرية الموجودة على الأرض، والتي ستسمح لها بالسيطرة الفعلية على قطاع غزة، كما أنها تعمل باستمرار في انتاج صواريخ M75 التي يمكنها الوصول بسهولة إلى تل أبيب.
كما لفتت الصحيفة إلى أنه وعلى الرغم من نقل عناصر السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، والتي ستكون مهمتهم الأولى الحفاظ على حالة الهدوء على الحدود مع مصر – معبر رفح – وفلسطين المحتلة، فإنه ليس من المتوقع أن يتغير الواقع في المستقبل القريب.
وبحسب توقعات الصحيفة فإن الحركة حتى اللحظة تتجه إلى التركيز الحقيقي في الانتخابات التي وعد بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإجرائها خلال 6 أشهر المقبلة، كما تركز قيادة الحركة إنشاء "هيئة قيادية" متفق عليها حديثاً في منظمة التحرير الفلسطينية، والتي من المتوقع أن تشمل قيادات رفيعة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهذه الخطوة هي الأولى من نوعها منذ قدوم السلطة.
وأكدت الصحيفة على أن اتفاق المصالحة قد حقق مكاسب مهمة للحركة، والتي جاء من أهمها رفع السلطة الفلسطينية الحظر المفروض على أنشطتها السياسية في الضفة الغربية، وقد استأنفت الحركة التجمعات العامة واجتماعات الحركة والتوزيع الدعوي الأدبي في كافة المناطق، على حد تعبير الصحيفة. وتشير الصحيفة إلى أن إحياء أنشطة حركة حماس في الضفة الغربية قد يؤثر بشكل مباشر على الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، فأصبح من غير الواضح لمعظم عناصر الأجهزة الأمنية كيف ستكون تصرفات حماس في المرحلة المقبلة، مشيرة إلى أن عودة حماس في الضفة الغربية ملحوظة، لاسيما في مخيمات اللاجئين خارج المدن الرئيسية. ولفتت الصحيفة إلى أن قوات أمن السلطة الفلسطينية نادراً ما تخاطر بدخول هذه المخيمات تاركةً مجالاً للشباب للتنظيم في مجموعات عسكرية صغيرة قادرة على منافسة السلطة الفلسطينية، مشيرة إلى أنه من الواضح أن حماس ستكون أكثر إغراء للارتباط بهؤلاء الشباب، باعتناقهم مذهبها وتمويها عندما يكون ذلك ممكناً وتسليحها أيضاً. وما لا يقل أهمية من هدف حماس من أجل الاستيلاء على منظمة التحرير الفلسطينية، المعترف بها دولياً، وكونها المسئولة عن ملف المفاوضات مع "إسرائيل"، إذا ما هزم "خالد مشعل" في أحد الأيام عباس في رئاسة منظمة التحرير عليه أن يقرر ما إذا كان سيتراجع عن اتفاقات أوسلو من بين أمورٍ أخرى. وتضيف الصحيفة "مسؤولون كبار في حماس لم يتحدثوا عن هذه المعضلة المحتملة علنا، وذلك لأنه لا تزال هناك عقبات عديدة للحركة أمام انضمامها إلى منظمة التحرير الفلسطينية ناهيك عن السيطرة عليها". كما أشارت إلى أنه في حال بقي الحال كما هو عليه الآن، فإنه في هذا الوقت من العام القادم يمكن أن تكون حركة حماس ليست فقط قوة عسكرية كبيرة في غزة، ولكن أيضاً موطأ ثابتا في الضفة الغربية، وعلى الأقل صوت مؤثر يمتلك حق النقد إزاء قرارات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. في تلك الحالة، من المتوقع أن يتبلور نظام جديد في الأراضي الفلسطينية حيث فيها حزب سياسي مدجج بالسلاح سيلقي بظلاله تدريجياً على الحكومة المركزية وسيسيطر على العديد من المؤسسات. وتختم الصحيفة بالقول "على الدول الغربية أن تدرك جيدا ما يحدث حقا، حيث من المتوقع أن نرى بدلا من استعادة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، في الواقع سيطرة لحماس من جديد في الضفة الغربية، وهو ما يشكل قلقا أمنيا قويا على "إسرائيل" وأمنها".