شاهدت فلم Her و أثار اهتمامي صراحة عمق الموضوع الذي يناقشه الفلم، فهو يتحدث عن مدى إمكانية اقتراب الذكاء الإصطناعي و الآلة بشكل عام من البشر لدرجة أن يقع الإنسان في غرام مساعده الشخصي مثل Siri. الحقيقة هي وجهة نظر جديرة بالإهتمام ولو أنها بعيدة المدى، فمن كان يتخيل أن تتطور التقنيات كما هي اليوم لذا لا نستغرب أن يتحقق شيء من الذي طرحه الفلم في المستقبل، والمستقبل القريب أيضاً لسرعة تطور التقنية. يضرب الفلم صفعة في وجه الإنسانية لما يظهر لنا أننا كبشر أصبحنا نبتعد عن بعضنا و نستخدم المساعد الصوتي أكثر ليكون صديقنا ومصدر معلوماتنا وتنظيم حياتنا وحتى عشيقنا. تكمن السخرية عندما يقع ثيودور في حب سامنثا، وهي شخصية المساعد الخاص به، عملياً هي نظام تشغيل أي برمجية Software وليست بشر، ومع ذلك يشعر ثيودور بمدى قربها منه وحتى انفعالاتها الشديدة العلاقة بالإنسانية. لما تتطور قدرة الأنظمة على الفهم سيفتح هذا الباب واسعاً أمام الكثير جداً من الإمكانيات والإحتمالات, لما تفهم سامنثا أنك حزين ستقترح عليك شيء يفرحك في العادة، سواء كان صورة أو أغنية أو حتى وصفة طعام. الأمر يصبح جنونياً لما تتصرف سامنثا من تلقاء نفسها و توقظك من النوم أو تتحدث بدون أن تأمرها، لتخبرك نكتة في وسط زخم العمل أو رسالة بريدية عاجلة لأنها رد على رسالة سابقة تهمك. الجميل هنا أن العقل الإلكتروني الإفتراضي قابل للتطور بسرعة أكبر منا نحن البشر، فالمساعد الصوتي يمكنه قراءة كتاب من ألف صفحة في أقل من ثانية ويمكنه تلخيصه وفهم أهم النقاط فيه وحتى مشاركة هذا مع مساعد صوتي آخر .. هل يمكن البشر أن يفعل هذا بنفس الفعالية؟ نعلم تماماً أن البشر أذكى من الآلات، لكن المعالج أسرع و أكثر دقة في عمله من البشر. كيف يمكن توظيف هذه السرعة لتصبح أذكى؟ نحن الآن في المراحل الأولى من ذكاء الآلات والعقل الإلكتروني .. انه عقل وليس دماغ .. لنفرض أن المعالج هو الدماغ حيث يقوم بمعالجة البيانات لكن العقل هو خليط من الفهم والتعلم والتصرف حتى .. كل هذا لسامنثا المساعد الصوتي لديك مثلاً. يمكن توظيف السرعة لزيادة الذكاء والثقافة لما تصبح الآلات تفهم ما تفعله، أي يصبح العالم لديها شيء غير الواحد والصفر. فلو عرضت صورة مشهد غروب على نظام الكتروني، يجب أن يفهم معنى الغروب ويربطه بمشاعر الراحة والسعادة ونهاية اليوم، عند هذه المرحلة تصبح الآلة تتعلم، ولما تبحث في مراجع حول موضوع معين بسرعة المعالج التي تصل لملايين العمليات الحسابية في الثانية يمكن أن يصل لنتائج. كل مرة يقوم بهذا البحث يتعلم أكثر .. في فلم Her تطلب سامنثا من ثيودور أن تلقي نظرة على بريده الإلكتروني فتقوم بأرشفته بالكامل لديها وكذلك جهات الإتصال وسجل التصفح، هذه الأشياء تكشف الكثير عن شخصيتنا، تخيل لو فهم المساعد الصوتي كل هذا وأصبح يساعدك في حياتك أكثر مما تفعل اليوم. مثلاً يخبرك بمواقع كنت تزورها قبل ثلاثة سنوات لما بحثت عن موضوع معين ولم تكمله، صديق قديم تواصل معك بشأن ملف ما ويجب عليك أن تتابع معه.. يغوص الفلم أكثر في العلاقة الإنسانية – الآلية، وينظر ثيودور إلى سامنثا كبشر ويعاملها كذلك مع أنها مجرد نظام الكتروني يختفي عند تعطل الجهاز أو مسح النظام، لكن حياته الوحيدة بعد انفصاله عن زوجته السابقة إضافة إلى تعاطف النظام ” سامنثا ” و فهمها له بشكل جيد جعله يتقرب إليها ويشاركها كل حياته. تصل هذه العلاقة بيننا كبشر و الآلات أو العقل الإلكتروني والأنظمة إلى نقاط مسدودة أحياناً، كيف يمكن أن يفهم النظام معاني انسانية محضة، كالكره والحزن والسعادة والدهشة؟ الحقيقة إن الأمر ممكن مستقبلاً، حتى اليوم هناك روبوتات لديها بعض المشاعر، فمثلاً روبوت يحزن منك لما تتجاهله. لكن هل أصابنا الجوع نحن البشر لدرجة أن نشارك الأنظمة أحاسيسنا بدلاً من التوجه لأبناء جلدتنا البشر أنفسهم؟. في النهاية نبقى نحن البشر نتواصل مع الأجسام الملموسة، فمن الجنون أن يتزوج الإنسان نظام تشغيل !، لكن يمكن أن يتجسد نظام التشغيل بشخصية بشرية حقيقية وليس روبوت، نعم ناقش الفلم ذلك أيضاً، والجدال يحتدم عند من يفكر أن يطوع نفسه لخدمة نظام تشغيل ؟ من يقبل أن يكون الشخصية البشرية لشخصية النظام الإلكتروني ؟ من يقبل أن يمسح إنسانيته لقاء خدمة المساعد الصوتي؟. والنقطة الفاصلة كانت لما اكتشف ثيودور أن سامنثا وقعت في غرام أكثر من 600 شخص من بين أكثر من 4000 آلاف شخص تتحدث معه في نفس الوقت، في حين نحن البشر – عادة – ما نخلص في علاقاتنا لشخص واحد في حياتنا. و إن حدث وكانت هناك خيانات .. لن تصل إلى حد ما يمكن أن يفعله Siri في الآيفون أو Google Now في الأندرويد ويتحدث ويعشق مئات الملايين من البشر بنفس الوقت.
محمد حبش - عالم التقنية